عن "المد الشيعي" والخطاب الطائفي

عن "المد الشيعي" والخطاب الطائفي

24 فبراير 2015
+ الخط -
نحذر، ويجب أن نحذر من انهيار الدولة وتمزق العالم العربي، لكن ما يجب أن نحذر منه، أيضاً، هو انهيار العقل العربي، تحت وطأة خطاب طائفي يتسلل إلى العقول والقلوب معاً، يحرض على القتل والدمار.
لا أتحدث عن خطاب داعش، ولا حتى عن التنظيمات الدينية المتطرفة، فالخطاب الطائفي تسلل إلى لغتنا الإعلامية، بل واليومية، فلم يعد مستغرباً أن تقرأ مقالاتٍ تبدو فكرية عن العراق وسورية واليمن بشكل خاص، لا تخلو من تمييز أو حتى حقد طائفي. وقلما نجد تحليلاً عن السياسة الإيرانية، من دون أن نشتم منها رائحة الطائفية، فكلمات مثل "المد الشيعي" أصبحت مقبولة تماماً، وبدلاً من نقاش نقدي لكل من إيران وحزب الله، يحل مكانه، في أحيان كثيرة، هجوم على الشيعة والذعر من "التشيع".
وتتغاضى الأكثرية عن طائفية أي طرف، مثل حزب الله، من مناصري بشار الأسد، لإثبات وجهة سياسية، إن لم تكن طائفية، أو لا ترى الطائفية إلا في الحوثيين، ولا نرى طائفية، أو استغلال التعصب الطائفي لدى أحزاب تدعي تمثيل السنة، إن كان في لبنان أو العراق. فمعظم القوى السياسية المؤثرة في الشارع العربي، مستفيدة تماماً من الخطاب الطائفي، لتأجيج الصراعات التي تضمن نفوذها، لأن إلهاء الناس بصراعات طائفية مصطنعة تمنع ظهور حركات سياسية شعبية، تتحدى النظم القائمة، وتضعف أي رؤية تنادي بالعدالة السياسية والاجتماعية، فهذه الرؤية تهدد مصالحها.
من السهل الدخول في حملة على إيران من منظور طائفي أو قومي شوفيني، لأن مثل ذلك الخطاب لا يفيد الأنظمة التي تتسابق على إثبات دورها الوظيفي، في خدمة واشنطن، تدّعي أن إيران قد تسبقها، أو سبقتها، في تثبيت دورها، كالقوى الإقليمية الأهم، باستثناء إسرائيل، مع غياب عربي شبه كامل.
لا شك أن هناك تياراً في العالم العربي يرى في داعش، على بشاعتها، القوة الوحيدة "التي تستطيع مواجهة التوسع الشيعي"، وقد يكون ذلك جزءاً من تفسير ضعف الموقف بين المثقفين وغير المثقفين من داعش، وتجد هذه المقولة رواجاً كبيراً على شبكات التواصل الاجتماعي.
حتى القوى والتيارات المناوئة لداعش، لديها خطاب طائفي واضح، أو مستتر، لأنها قبلت التقسيم الذي بدأته واشنطن، بعد أن أوحى غزو العراق في عام 2003، بتقسيم دول المنطقة وشعوبها إلى سنة وشيعة، وما بدا، في وقت من الأوقات، وضعاً قابلاً للسخرية، أصبح من مسلمات القاموس السياسي العربي.
لا ننكر أن السياسات الطائفية لحلفاء إيران في المنطقة، وخصوصاً، وليس حصراً في العراق، لعبت دوراً كبيراً في إذكاء النار الطائفية، ونشر الذعر بين السنة، دفع كثيرين إلى التنظيمات المتعصبة والقاعدة. لكن، يجب أن لا ننكر وأن نتجاهل الدور الطليعي للوهابية، وحتى المناهج الدينية المتخلفة، والمؤسسات المرجعية، في ترسيخ ثقافة متعصبة تتبنى رؤية متعصبة ضد أي "آخر"، وليس الشيعة فحسب.
المخيف أن الخطاب الطائفي لم يعد محصوراً على أصحاب المعتقدات الدينية الضيقة، بل الى الخطاب الإعلامي العام، لأن من السهل جداً تكرار تعبيرات تصبح سائدة، من دون التفكير والتمحيص، لا ينج منها إلا القليلون، فيبدو معظمنا طائفيين، ونساهم في نشر الخوف والكراهية
جزء من المشكلة حين يقبل الإعلامي السياسي بمقولات طائفية، فحين نقبل تحليلاً يشرح الوضع في العراق بما يسمى "خصائص الشيعة الباطنية"، أو تصبح سمات الأنظمة الاستبدادية في نظر بعضهم هي من "خصائص السنة"، بدأ بإلغاء عقولنا وقلوبنا معاً، وهذا الإلغاء بداية الدمار.