تناقضات الحوار الوطني في ليبيا

تناقضات الحوار الوطني في ليبيا

18 فبراير 2015

متظاهر في طرابلس ضد قوات حفتر (2 يناير/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -

يواجه الحوار الوطني في ليبيا تناقضات سياسية عديدة، وجاءت حادثة اغتيال المصريين لتزيد من عمق التناقضات. والتحدي الذي يواجه الحوار الوطني يكمن في عدم قدرته على ملاحقة التغيرات السريعة في البلاد، فعلى الرغم من التوافق على نقل الجلسات إلى داخل ليبيا، لم يحدث تحسن في المناخ السياسي، بل ظهرت متغيرات وقيود جديدة، تثير القلق على مصير التسوية السلمية، حيث ظهرت حالة من التناقضات السياسية التي يصعب تضمينها في حزمة سياسية واحدة.

وتنبثق معوقات الحوار الوطني من تعدد الانقسام بين الأطراف السياسية والعسكرية، واختلاف موقفها من سير جلسات الحوار، فبعد أن كانت الخلافات بين طرفين رئيسيين؛ مجلس النواب والمؤتمر الوطني، زاد عدد الأطراف من دون وضوح رؤية لاستيعاب تطلعات ومطالب كل منها، ففي هذه الفترة، ظهر مجلس عمداء البلديات طرفاً مسانداً للحوار، فيما طالب أنصار معمر القذافي بالمشاركة، معبرين عن ثورة "الفاتح"، ما يطرح أرضية جديدة لحل الصراع، لن تقتصر فقط على ثورة فبراير، وهذا ما يشكل تحدياً للسلام والأمن في ليبيا.


موقف المؤتمر الوطني
وضع المؤتمر الوطني شروطه للمشاركة في الحوار، وتمثلت في الحفاظ على ثورة فبراير، والتمسك بالإعلان الدستوري، والفصل بين السلطات، والأخذ بحكم المحكمة الدستورية، وهي شروط تتلاقى مع قانون العزل السياسي، حيث اشترط عدم مشاركة أنصار النظام السابق والمطلوبين قضائياً في جرائم فساد، أو جنائيات، أو يتبنى مواقف ضد ثورة فبراير. وبجانب أن هذه الشروط تنطبق على خليفة حفتر، فإنها تنطبق، أيضاً، على بعض قيادات حزب تحالف القوى الوطنية، وأحمد قذاف الدم (منسق العلاقات الليبية ـ المصرية السابق) وغيرهما من المشمولين بالعزل السياسي.

وأكد المؤتمر الوطني على أن نجاح الحوار يتطلب وجود ضمانات دولية، بتنفيذ مخرجات الحوار، حيث أكد في رسالته إلى أعضاء البرلمان الأوروبي بتاريخ 8 فبراير/شباط 2015 على إرساء عدد من المبادئ اللازمة لنجاح الحوار، كان أهمها تحييد المؤسسات السيادية، والتأكيد على مرجعية الإعلان الدستوري، وذلك بالإضافة إلى تعزيز الثقة مع بلدان الاتحاد الأوروبي، كدول شريكة في تحقيق الأمن وتسوية الصراعات، ويمكن اعتبار هذه الرسالة نوعاً من إعلان المبادئ تجاه مسألة الحوار الوطني

وتعبر هذه الشروط عن مطالب عملية فجر ليبيا، والكيانات المنضوية تحتها، في مقدمتها الأحزاب السياسية الإسلامية والكيانات المعبرة عن ثورة فبراير. وبشكل عام، هي تعد تعبيراً عن انخفاض الثقة في جدوى الحوار الوطني، فقد تضمنت كلمة رئيس المؤتمر الوطني في ميدان الشهداء في طرابلس في13 فبراير/شباط أن المشاركة في الحوار لا يجب أن تؤدي إلى تقاسم السلطة، وهي إشارات إلى عدم الاعتراف بوجود مجلس النواب، كما أنه تناول، في الوقت نفسه، التعليق على مطالب أتباع النظام السابق بالمشاركة في الحوار، بأن إهدار الحريات في عهد القذافي سبب كاف لاستبعاد من يؤيد تلك الممارسات من المشاركة المؤقتة في إقرار نظامٍ، يقوم على الديمقراطية والحرية ومحاربة الإرهاب.


موقف مجلس النواب

يعبر مجلس النواب عن كتلة سياسية، تشمل التحالف الوطني وعملية الكرامة. وهنا، يمكن الأخذ في الاعتبار قرارات المجلس، في ضوء مواقف مكوناته الأساسية. فعلى مستوى مجلس النواب، تحركت المواقف السياسية في اتجاه تأكيد استمرار تنفيذ رؤيته السياسية، خصوصاً ما يتعلق بإعادة وضع البلاد إلى ما قبل انتخابات يوليو/تموز 2012، حيث صدر قرار بإلغاء قانون العزل السياسي، وهي خطوة تسمح بإدماج سياسيين كثيرين في جهاز الدولة بجانبيه؛ السياسي والإداري.

كما أنه، من جهة أخرى، اتجه مجلس النواب إلى مسار إعادة بناء الجيش، حيث اتخذ إجراءات تشكل قيوداً على الحوار الوطني، فقد اتخذ الخطوة الأخيرة في إدماج حفتر في مؤسسات الدولة، وتم تعيينه وزيراً للدفاع، وقائداً أعلى، ما يشير إلى استمرار سياسة المجلس، في إعادة ترتيب سلطات الدولة، على الرغم من اتساع النزاعات القانونية، والصراعات السياسية والعسكرية.

كما وضع التحالف الوطني ثلاثة شروط للمشاركة في الحوار، وهي: أن يكون مجلس النواب المرجعية الشرعية لاعتماد نتائج الحوار أو رفضه، والتزام المشاركين في الحوار بنبذ العنف وإدانة الإرهاب، وقبول التداول السلمي للسلطة، وأخيراً، وجود برنامج وطني، قبل اختيار رئيس الحكومة، ويتضمن خطة لإنقاذ الوطن.


بين "الفاتح" و"فبراير"

وفي سياق تداعيات الحوار الوطني، شارك أحمد قذاف الدم في حوار على قناة "الدولية"، عبّر فيه عن ولائه لنظام القذافي والفكرة القومية. وكان لافتاً أنه، في تصريحات أخرى، أبدى إعجابه بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، كونها تدافع عن المسلمين السنّة ضد القومية الفارسية. وقد انتقد التحالف الوطني ظهور قذاف الدم على قناة الدولية، وقد أشار بيان التحالف في 10 فبراير/شباط إلى جانبين، هما؛ أن تمجيد نظام القذافي يتجاهل التضحيات التي قدمها الليبيون في ثورة 17 فبراير، وأنه لا صلة للتحالف بالقناة الفضائية، وبغض النظر عن مضمون البيان، يمكن القول إن التحالف الوطني يسعى إلى تعزيز دوره في الحوار الوطني. ولذلك، أكد على وجود مسافة في المواقف والآراء مع أنصار القذافي.

ومن جهته، أصدر قذاف الدم بياناً وجه فيه انتقادات كثيرة للتحالف الوطني، واعتبر أن اعتزازه بثورة "الفاتح" تعبير عن موقفه السياسي، وتناول قذاف الدم ثلاث نقاط رئيسية؛ حقه في الظهور على القنوات الليبية، وأن التحالف الوطني كان شريكاً أساسياً في تدمير ليبيا، جراء تدخل "حلف الأطلسي"، الدخول في حوار وطني، يستوعب جميع الأطراف، ومن دون إقصاء.


داعش ليبيا؟

وخلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي، ظهرت مجموعات مسلحة في مدينة سرت، تدعي انتماءها إلى منظمة "داعش"، وتمكنت من الاستيلاء على قاعدة "واجا دوجو"، والسيطرة على إذاعتي سرت المحلية وماكمداس، وبدأت في بث الأناشيد الجهادية وخطابات البغدادي، وتتطلع هذه المجموعة إلى السيطرة على كل مرافق مدينة سرت، واتخاذها منطلقاً للسيطرة على مناطق ومدن أخرى.

ويبدو أن مجموعة المسلحين، أو ما يطلق عليه "داعش سرت"، هي مجموعات صغيرة، وغير منظمة، حيث تراجع زخمها السياسي، مع وصول عناصر "القوة الثالثة" التابعة لدروع ليبيا، والتي تمكنت من القبض على بعض عناصر المسلحين. وعلى أية حال، يصعب طرح تفسير واحد لطبيعة هذه المجموعات والأهداف التي تسعى إليها، غير أنه يمكن القول إن ظهورها الكثيف سيدفع بالاتجاه نحو إضعاف التسوية السلمية، ويقلل من فرص نجاح الحوار السياسي.

وفي موازاة هذه الأحداث، ظهرت صور تشير إلى اعتقال مصريين لدى ملثمين، نسبوا أنفسهم إلى حركة داعش، وذكر البيان أن مطالب الخاطفين تتمثل في تحرير مسيحيات سبق إسلامهن في مقابل إطلاق سراح المخطوفين المسيحيين، ولم يتضح وجود مطالب تخص الشأن الليبي، كوقف "التدخل المصري" في الشؤون الليبية، أو تحديد موقفهم من استمرار الحوار الوطني. وتعد جريمة اغتيال المصريين في ليبيا من العوامل التي تساهم في تغيير مسار الحل السياسي، فأبعاد الجريمة لن تتوقف عند مستوى الجدل السياسي، لكنها تساهم في تزايد احتمالات تدويل الأزمة الليبية، والتدخل الدولي حلاً أخيراً، خصوصاً في ظل ضعف كل الأطراف عن إقرار الأمن، أو بسط السيطرة على كل المناطق. وهنا يحتمل أن يكون التدخل الدولي مماثلاً للتحالف ضد "داعش" في العراق وسورية، أو ضد "بوكو حرام" في نيجيريا.


معوقات الحوار

وتكشف خريطة المطالب السياسية عن اتساع الخلاف بين المكونات الأساسية المشاركة في الحوار الليبي، ومن المتوقع أن يشكل الجدل حول العمل بالعزل السياسي، أو إلغائه، قاصمة ظهر الحوار الوطني، ليس فقط بسبب إتاحة الفرصة لبعض الأفراد، ولكن، بسبب الإجراءات السريعة التي يتخذها مجلس النواب في تثبيت واقع جديد، هو في ذاته من مكونات الأزمة السياسية، فإن المسارعة بنقل ملف الجيش الليبي لحفتر سوف يضيف تعقيدات كثيرة على المشهد السياسي، كما أن انحياز التحالف إلى اعتبار مجلس النواب الجهة الشرعية الوحيدة يخلي الحوار من كل ميزاته السياسية.

ويذكر أنه خلال الترتيب للحوار الوطني، اتسع نطاق المعارك بين الطرفين الرئيسيين؛ عمليتي الكرامة وفجر (وشروق) ليبيا، وكان من الملاحظ كثرة استخدام الطيران في ضرب أهداف حيوية عديدة، كان أهمها ضرب مصنع الصلب والكلية الجوية في مدينة مصراتة، كما تم توسيع نطاق عمليات فجر ليبيا في المنطقة الغربية، ومنطقة الموانئ النفطية في شرق ليبيا.

وفي ظل هذه المؤشرات، يبدو أن الحوار الوطني وصل إلى نقطة النهاية، فالتناقضات صارت تشكل سداً حصيناً أمام الالتئام في غرفة واحدة، لمناقشة مستقبل الدولة، وهي حالة تعيد تكرار أزمة فبراير 2014، والتي أدت إلى تعطيل الفترة الانتقالية، واندلاع العمليات المسلحة. ولكن، في هذه المرة، تتزايد فرص انفراط الدولة، وكذلك التدخل الدولي.

5DF040BC-1DB4-4A19-BAE0-BB5A6E4C1C83
خيري عمر

استاذ العلوم السياسية في جامعة صقريا، حصل على الدكتوراة والماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وعمل باحثاً في عدة مراكز بحثية. ونشر مقالات وبحوثاً عديدة عن السياسية في أفريقيا ومصر والشرق الأوسط .