العامري وحشده في العراق

العامري وحشده في العراق

17 فبراير 2015

هادي العامري متحدثا في البرلمان العراقي (19نوفمبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

منذ فتوى المرجع الشيعي، علي السيستاني، للتطوع وفتح باب "الجهاد" لقتال تنظيم داعش، في أعقاب سيطرة الأخير على الموصل، وجرائم تلك المليشيات تتوالى، وقد وصفها تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش بأنها ترقى إلى جرائم حرب، وقد صدر التقرير الأحد الماضي، بعد يومين من جريمة اغتيال الشيخ قاسم سويدان الجنابي، ونجليه، ونجل النائب زيد الجنابي ومرافقيهم، على يد مليشيات تابعة، وفقا لمصادر عراقية، للحشد الشعبي الذي يتزعمه النائب وقائد منظمة بدر الشيعية، هادي العامري.

الغريب، اليوم، أن هناك حالة من الاستياء والاستنكار والرفض والاستهجان، لكل تصرفات داعش وجرائمها، وباتت العدو الأول ليس لأميركا وحلفها ودول الجوار وحكومة حيدر العبادي وحسب، وإنما حتى لبعض العرب السنة، ممن وجدوا أنفسهم خارج الديار، فراحوا يعتقدون أن خلاصهم سيكون على يد العامري ومليشيات الحشد الشعبي، المعروف أنها ذراع إيران العسكرية في العراق.

كل ما تقوم به مليشيات الحشد الشعبي من عمليات "تحرير" المناطق التي تسيطر عليها داعش، ليس إلا كذبة كبيرة جداً، ذلك أنها، على الرغم من كل الأموال التي صرفت عليها، ومن كل الدعم الإيراني الذي قدم لها، أجبن من أن تجابه مقاتلي داعش، وهذا ليس مدحاً لداعش، وإنما توصيف حالة قائمة.

سنة العراق، اليوم، غارقون، وربما لم يسبق أن مروا بحالة ضياع وتشتت، كما الحال اليوم، فهم ما بين داعش وإجرامها، وبين إجرام العامري وحشده، وإذا كان من حقهم اعتبار داعش إرهابية، لأنها أجبرتهم على ترك ديارهم، فليس من حقهم، وليس لهم أن يعتقدوا، لحظة، أن العامري وحشده جاؤوا لتحرير مدنهم، واستعادتها من داعش. وما يجري، اليوم، في مدن ومناطق السنة في العراق التي سقطت بيد داعش، سيؤدي، بالضرورة، ووفقا لمنطق الأشياء، إلى أن تبتلع مليشيات هادي العامري، إيرانية الهوى والهوية، تلك المناطق التي بقيت، إلى وقت قريب، عصيةً، ليس على المليشيات والجيش الحكومي وحسب، وإنما أيضاً على القوات الأميركية التي فقدت مئات من جنودها في تلك المناطق.

ليس أمام سنة العراق، والحالة كذلك، إلا أن يجدوا أنفسهم، ويبحثوا عن مشروعهم، بعيداً عن داعش، وبعيداً عن العامري وحشده، وإلا سيكون القادم أبشع، وإذا، لا قدر الله، سيطر العامري ومليشياته على تلك المناطق، فإن أبناء المدن والمحافظات السنية سيذرفون الدمع على إجرام داعش، ولات ساعة مندم.

نعم، التركة كبيرة والحمل ثقيل والألم كبير. ولكن، لا بد من رؤية واضحة، وإدراك حقيقة ما جرى وسيجري مستقبلاً، فلقد أثبتت الوقائع أن مليشيات الحشد الشعبي أجرمت بحق المدن والمناطق التي دخلتها بعد انسحاب داعش منها، فمن حرقٍ للبيوت بعد سرقة أثاثها، إلى تفجير المساجد، إلى قتل بالجملة لأبناء تلك المناطق، وذلك كله يجري تحت سمع حكومة العبادي وبصرها، وهي التي، إذا أردنا ألا نعتبرها مظلة لهذه المليشيات، يمكن أن نقول إنها حكومة بلا حول ولا قوة.

مخطئ من يعتقد أن إيران، ومن خلال أذرعها المليشياوية، ستدخل معارك ضد داعش، من أجل استعادة المدن وتقديمها هدية لشركاء الوطن، العرب السنة، فهذه المليشيات، اليوم، أكبر بكثير من حجم الدولة العراقية، إنها تسيّر وتخطط، وما على حكومة العبادي إلا أن تنفذ، وتنفذ وحسب.

الموقف الذي أعلنه ساسة العملية السياسية من العرب السنة، عقب اغتيال الشيخ الجنابي ومرافقيه، موقف ذلة وهوان، لا يرقى إلى حجم الجريمة التي نفذها العامري وحشده، وهو ما سيمنح هذا الإجرام التمدد، فإذا كان نائب يملك الحصانة ومعه عمه، شيخ إحدى أكبر القبائل العربية في العراق، يُختطف ويقتل، ويتم أخذ الإذن من العامري لقتل الجميع، باستثناء البرلماني، فما بالك بعامة الناس من العرب السنة الذين باتوا ضحية إجرام العامري ومليشياته، من جهة، وداعش ونهجها التكفيري، من جهة أخرى؟

لا تثقوا بالعامري، ولا بحكومة العبادي، إن لم تنزع سلاح المليشيات، وأولها مليشيات العامري، وإذا لم يتلفت العرب السنة لواقعهم، فإن إيران، بأذرعها المليشياوية، قادمة لبسط نفوذ هؤلاء على بقية العراق المتبقية.

96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...