خطيئة الثورة

خطيئة الثورة

12 فبراير 2015
+ الخط -
لا جواب قاطعاً، حتى الآن، عن التساؤل المر، في شأن التنسيق العسكري بين التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، والنظام السوري برئاسة بشار الأسد. هناك تسريبات وقرائن ومؤشرات، تكشفها دمشق وتنفيها واشنطن، لتضع المعارضة السورية، المعتدلة، والمتشددة، والمتراخية، في حيص بيص، بل في ما هو أكثر إثارة للحيرة، إزاء حقيقة خارطة الصراع المحتدم، ومستقبله.
لدى المعارضة المصرية، أيضاً، شكوك ليست أقل دلالة، مؤداها أن انقلاب الجنرال عبد الفتاح السيسي على الرئيس المنتخب، محمد مرسي، ربما جاء بتنسيق مع الاستخبارات الأميركية، وحتى الإسرائيلية، قبل أن يشهد العالم هذا التسامح المريب، في الغرب، مع جرائم القتل الجماعية التي ما انفك يرتكبها عسكر مصر بحق المتظاهرين السلميين. وفي اليمن، لم يعد خافياً تخاذل المجتمع الدولي، وعلى رأسه إدارة الرئيس باراك أوباما، حيال خطوات الانقلاب الحوثي، المنفلتة من كل عقال. كما لم يعد خافياً، في الوقت نفسه، تواطؤ العالم الذي يسمي نفسه الحر مع سعي ربيب واشنطن، الجنرال خليفة حفتر، إلى تكرار نموذج الانقلاب المصري، بالقوة العسكرية، وبتأييد سافر، من السيسي ومؤيديه.
ماذا تبقى، إذن، ليرى كل من يريد أن يرى أن خطيئة ثورات الربيع العربي كانت في الرهان على الولايات المتحدة، باعتبارها قوة داعمة لشعارات الحرية، ولكرامة الشعوب، ولحقوق الإنسان؟ قد يحاول بعضنا تفسير الموقف الأميركي، بإعادته إلى شخصية أوباما نفسه، بوصفه رئيساً ضعيفاً، ولا يهمه شيء، كمثل همه بأن يكمل مدة رئاسته الثانية، متجنباً خوض أي حرب تكلف بلاده مزيدا من الدم والمال، فوق ما تكبدته في عهود الإدارات السابقة.
لكن هذه الرؤية، ودونما انتقاص من صدقيتها، تظل غير كافية، ما لم تقترن، أصلاً، بضرورة الانتباه إلى أن الحديث يدور عن الولايات المتحدة الأميركية، لا عن إحدى ديكتاتوريات العالم الثالث التي يحكم فيها الرئيس الملهم، ويرسم، ويتخذ ما شاء من قرارات، دونما اعتبار لأحد، في البلاد، سواه. هنا ثمة مؤسسات، هي التي تدرس وتبحث، وتقرر ما تعتقد أنه يحقق مصالح الدولة الكبرى في العالم، وما على سيد البيت الأبيض سوى الإخراج والتنفيذ. أضف إلى ذلك، أننا لو عدنا في التاريخ قليلاً إلى الوراء، لرأينا كيف ظلت المصالح الأميركية تقتضي، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، على الأقل، نصرة الأقوياء على الضعفاء، والأنظمة القمعية المستبدة على الشعوب المقهورة، والمستعمِرين على المستعمَرين.
كان منطقياً، في معادلة دولية كهذه، أن تقف واشنطن، ابتداء، مع الرئيس زين العابدين بن علي ضد الثورة التونسية، ومع الرئيس حسني مبارك ضد الثورة المصرية، غير أن موقفها المفاجئ ضد حليفها في تونس، ثم نظيره في القاهرة، على التوالي، أشاع جواً من الأوهام، في البلدين، كما في بقية بلدان الربيع العربي، فصار التدخل الدولي (الأميركي) مطلباً للثورة الليبية، وشعاراً للثورة السورية، وإلى حد ما اليمنية، بعدما حالت الآلة العسكرية، في البلدان الثلاثة، دون نجاح الشارع في إسقاط رؤسائها بالوسائل السلمية.
وإذ دار الزمان دورته، الدامية والطويلة، ما زال بيننا، للأسف، من يعلل النفس بوهم التدخل الدولي (الأميركي) لصالح شعوب المنطقة، حتى بعدما صمت العالم، ولا يزال، على استخدام السلاح الكيماوي في ريف دمشق، وعلى ارتكاب المذابح في رابعة القاهرة. ثمّة من لا يريد أن يفهم أن التغيير الديمقراطي غير مسموح، في العواصم التي تقع تل أبيب على مرمى قذيفة منها، وأن ذاك، تحديداً، ما يفسر اطمئنان الأسد، بعدما دمر سورية، وقتل وشرد نصف شعبها، كما يفسر اطمئنان السيسي، حين يرافق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى حفل أوبرا، بينما يرتكب رجال أمنه مذبحة مروعة عند ملعب لكرة القدم.
.. وقديماً قيل: مَن لا يرى مِن الغربال أعمى.


EA99C928-BF02-4C77-80D6-9BE56F332FDE
ماجد عبد الهادي

صحفي وكاتب فلسطيني