العراق إلى أين؟

العراق إلى أين؟

10 ديسمبر 2015
+ الخط -
جنود ودبابات تركية في مناطق عميقة عبر الحدود العراقية، وضمن محيط محافظة نينوى، أكثر من نصف مليون إيراني يكسرون البوابات الحدودية في منفذ زرباطية الحدودي وسط العراق، مئات المستشارين الإيرانيين، بزعامة الجنرال قاسم سليماني، تصول وتجول في كل المحافظات العراقية، وتمارس دور القيادة والتوجيه في معارك محافظات صلاح الدين وديالى وأجزاء من محافظة الأنبار وغيرها، ممارسات كثيرة لمقاتلي البشمركة الكردية في مناطق، يفترض أنها "متنازع عليها"، عشرات المليشيات العابثة بأمن المواطنين واستقرارهم، تزايد في أعداد القوات الأميركية الخاصة، صواريخ روسية تخترق سماء العراق، وتتسبب في توقف رحلات الطيران في أجزاء منه، وأخيراً تنظيم الدولة الإسلامية الذي يحتل ما يناهز ثلث الأراضي العراقية.
تلك هي صورة العراق الأمنية الآن، وعلى الرغم من أن هذه الصورة لا تشابهها أي صورة في أي بلد، إلا أن الحكومة العراقية تتصرف وكأن شيئاً لم يكن، حتى أن هذه الحكومة ذهبت كلها تقريبا إلى حضور أربعينية الإمام الحسين في محافظة كربلاء، والاحتفاء بها بالشكل الذي تبدو من خلاله وكأن كل شيء في هذا البلد يسير على أفضل ما يرام.
غضب رئيس الحكومة، حيدر العبادي، لوجود القوات التركية على أراضٍ عراقية، وهدد الدولة الجارة بأن تسحب قواتها خلال 48 ساعة، ووجه القوة الجوية العراقية للاستعداد للقيام بمهمات ضد هذه القوات، في حالة عدم انسحابها إلى خارج الحدود العراقية. استغرب العراقيون ومحللون سياسيون غضب العبادي الحاد على الوجود التركي، فيما لم يبد أي ردة فعل تجاه التواجد الإيراني السافر، ولم يطلق أي تصريح تجاه عمليات القوات الأميركية التي تجري من دون علم حكومته في الأنبار والحويجة وسنجار وغيرها، لم يتكلم أيضاً عن تجاوزات المليشيات بحق أرواح وممتلكات مواطنيه، أو عندما خطفوا عمالاً أتراكاً في قلب العاصمة بغداد، وفاوضوا أنقرة لإطلاق سراحهم.
الغريب أيضاً معارضة إيران دخول تركيا الأراضي العراقية، وقالت إن ذلك "يجب أن يتم بإذن الحكومة العراقية"؛ وقال مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية، حسين أمير عبد اللهيان، "إن مثل هذه الإجراءات تتعارض مع أمن المنطقة، فيما لو جرت من دون تنسيق مع الحكومة العراقية. ونعتقد أن مثل هذا السلوك لا يساعد في قمع الإرهاب، بل سيؤدي إلى الفوضى، وتشديد اضطراب الأمن فيها"، وهو ما يعتبر رداً عن حجج تركية بتدريب مجموعات من أبناء الموصل، بغرض المشاركة في معركة استعادة الموصل من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.
وعلى الرغم من تأكيد رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، لنظيره العراقي، حيدر
العبادي، في رسالة خاصة، أن تركيا لن تقدم على أي خطوة من شأنها أن تنتهك سيادة العراق ووحدة أراضيه، باعتبارها "أكثر بلد يولي حساسية لسيادة العراق ووحدة أراضيه، ويؤمن بضرورة احترام جميع البلدان له، وأن تركيا ستواصل، بكل عزم، كل أشكال دعمها العراق في مكافحتها داعش"، إلا أن الحكومة العراقية، أو بالأصح ردة الفعل الإيرانية على الأرض، وأقصد المليشيات المؤتمرة بأمرها في العراق، سواء التي تنطق باسم الحشد الشعبي أو التي باتت تتحدث باسمها، مثل عصائب أهل الحق وحزب الله العراقي وبدر وغيرها، تجاوزت الحكومة العراقية، وهددت علانية بإجراءات عنيفة تجاه تركيا ومصالحها في العراق.
دخل العراق، في حقيقة الأمر، مرحلة من أخطر المراحل التي مرّت به منذ عام 2003؛ فالحكومة العراقية في أضعف حالاتها على الإطلاق، ولم يعد للجيش العراقي وجود يذكر بسبب تغوّل المليشيات الطائفية، وإيران باتت قاب قوسين أو أدنى من بسط نفوذها على أكثر من 60 بالمائة من الأراضي العراقية، ومن قبلها القرار الرسمي العراقي، وعادت الولايات المتحدة لتؤسس لوجود قواتها هناك بشكل تدريجي، حتى تكون حقيقة رسمية مع تسليم الرئيس الأميركي باراك أوباما الإدارة لخلفه العام المقبل، إضافة إلى شبه وضوح صورة الخارطة الكردية، ومساعي إدارة إقليم كردستان العراق لضم أراض مهمة كثيرة، كانت حتى عام 2014 جزءاً رئيساً من محافظات ديالى وكركوك ونينوى، امتداداً إلى الأراضي السورية.
ردت أنقرة على التهديد العراقي لتركيا باستخدام كل الخيارات المتاحة، بما في ذلك اللجوء إلى مجلس الأمن، في حال لم تسحب أنقرة قواتها ضمن المهلة الزمنية المحددة، ردت بإجراء مناقشات مع وزارة الدفاع العراقية بشأن وجود قواتها شمالي العراق، لكنها أكدت، بحسب وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أنها لا تنوي سحب قواتها، وأنها ستحمي جنودها في محيط الموصل.
بات العراق، فيما يبدو، في مهب الريح الدولية والإقليمية في ظل ما تقدم، حتى إن لهجة خطابه الشديدة تجاه وجود قوات تركية على أراضيه (يعلم بها منذ فترة طويلة) إنما منبعها ضغوط روسية وإيرانية، لتشديد الحملة التي تشنها موسكو على أنقرة، بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية المقاتلة في 24 نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، كما أن روسيا تحاول الضغط على أنقرة، بسبب وجودها قوة إقليمية مهمة في المعادلة السورية، لا تستسيغ كل من طهران وموسكو حضورها فيها، وقد سبق للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن اتهم إيران بالوقوف مع روسيا ضد بلاده.
زاوية أخرى لأسباب وجود تركيا في العمق العراقي، هو تحسبها من أنشطة حزب العمال الكردي الذي يتخذ من الأراضي العراقية مقراً له، ومنطلقا لعملياته داخل الأراضي التركية، يضاف إلى ذلك تحسب تركي لتجاوزاتٍ قد تقع على تركمان العراق في محافظة كركوك وغيرها. وبالتالي، تبدو الصورة الإجمالية للعراق وكأن هذا البلد يتوجه بقوة نحو حرب شاملةٍ، ستخوضها قوات محلية في العراق نفسه، لمصلحة كل القوى الدولية والإقليمية التي تحدثنا عنها، أو قد تتطور لحرب مصالح، تكون أطرافها دولاً بعينها.

F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن