دروس من التجربة المغربية

دروس من التجربة المغربية

29 ديسمبر 2015

بنكيران: الفساد هو الذي يحاربني (22ديسمبر2015/Getty)

+ الخط -
توشك تجربة حكومة عبد الإله بنكيران في المغرب على الانتهاء، ومع اقتراب الانتخابات التشريعية الجديدة، هناك بوادر سجال سياسي بشأن حصيلة الحكومة، وتجربة الإصلاح في ظل الاستقرار، شعار بنكيران وحزبه (العدالة والتنمية) في وجه الشارع الذي خرج بمناسبة هبوب رياح الربيع العربي، يطالب بملكية برلمانية (دستورية)، يسود فيها الملك ولا يحكم، ويطالب بمحاربة الفساد والريع والتحكم في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويمكن الحديث عن ثلاثة منجزات تحققت في هذه التجربة، تقابلها ثلاثة إخفاقات أحاطت بحكومة الربيع المغربي الذي لم يزهر بعد.
عن الإنجازات، نجحت حكومة بنكيران في جعل حزب العدالة والتنمية يخرج من الخانة الأصولية إلى الخانة المحافظة، حيث تصرف أربع سنوات حزباً سياسياً، وليس حزباً دينياً، همه خدمة المجتمع، لا الرقابة على سلوك المغاربة ونمط عيشهم وعلاقتهم بالدِّين. لم ينجرّ إلى تطبيق أجندة أيديولوجية وهو في الحكومة، بل تصرّف بعقلانية وحس براغماتي، كأي حزب يستمد شرعيته من صندوق الاقتراع، لا من إرادة السماء أو شرعية الدين.
ثانياً، ذهبت الحكومة، بشجاعة، إلى الإصلاحات الهيكلية التي تحتاجها البلاد واقتصادها، من دون حسابات سياسوية أو نهج شعبوي، فرفعت الدعم العمومي عن المحروقات لتخفيض العجز في الموازنة، ورفعت ثمن الماء والكهرباء في فاتورة الأغنياء والطبقات الوسطى، لحل معضلة العجز التي كانت تهدد المكتب الوطني للماء والكهرباء، ثم عمدت إلى إصلاح صناديق التقاعد المهددة بالانهيار، عن طريق وصفة مرٌّ طعمها، لكنها ضرورية للعلاج كان من نتائجها رفع سن التقاعد من 60 عاماً إلى 63 عاماً، وخفض المعاشات التي يتقاضاها المتقاعدون، علاوة على رفع مساهمة الموظفين في صندوق التقاعد. وتقع هذه القرارات في خانة السياسات غير الشعبية، لكن حكومة بنكيران فضلت المغامرة بشعبيتها من أجل الإصلاح على تأجيل القرارات الضرورية، خوفاً من غضب النقابات والشارع الذي لم يعتد من الحكومات السابقة على قرارات حاسمة مثل هذه.
ثالثاً، ضمنت الحكومة السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي خمس سنوات، في محيط مضطرب وجوار غير مستقر. نجح بنكيران وحزبه في بعث أمل الشارع في التغيير، من دون اللجوء إلى خيار (ارحل)، فمنذ الشهور الأولى للحكومة في السلطة، هدأت المظاهرات الأسبوعية للتغيير، على الرغم من تعقيداتٍ صاحبت ولادة هذه الحكومة وعملها، فقد استطاعت أن تقنع الناخب بإدخال مطالبه إلى المؤسسات، والقبول بمخرجات تدريجية للسياسات العمومية، طابعها التراكم، لا القفز على المراحل.
أما إخفاقات حكومة بنكيران فأولها التفريط في تنزيل الدستور الجديد الذي ولد مع الربيع المغربي تعبيراً عن إرادة القصر في التوجه نحو انتقال ديمقراطي، يعيد الحياة إلى الحراك السياسي، ويفتح النظام على تجربة جديدة للتحول الديمقراطي، بعد فشل تجربة الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي. فضّل رئيس الحكومة، وتحت ضغط الخوف من القطيعة مع المؤسسة الملكية، التنازل عن عديد صلاحياته، والاتجاه نحو تأويلٍ غير ديمقراطي للوثيقة الدستورية التي فتحت إمكانات كبيرة لميلاد حكومة سياسية، وممارسةٍ للحكم تربط بين المسؤولية والمحاسبة.
ثانياً، رفع الراية البيضاء في مواجهة الفساد، حيث لم يعمد بنكيران إلى الوفاء بشعاره في الانتخابات الماضية (صوتك فرصتك لمحاربة الفساد والاستبداد). مرت أربع سنوات على إيقاع تصريح (عفا الله عما سلف)، حتى أنه صرّح في لحظة يأس: (لستُ من يحارب الفساد، بل الفساد هو الذي يحاربني). وقعت الحكومة في فخ الفساد الذي أصبح يهدّد كل من اقترب من حدائقه بسياسة الأرض المحروقة.
ثالث إخفاق، عدم الاقتراب من إصلاح الأنوية الصلبة للسلطة، أي أجهزة الأمن والقضاء ووزارة الداخلية والإعلام العمومي. ظلت هذه المؤسسات الاستراتيجية بعيدة عن ورش الإصلاح، وهذا ما يهدد المكتسبات التي تحققت بالانهيار في أي لحظة، فالإصلاحات تحتاج مؤسسات قوية تحرسها، وترسخ مكاسبها.
الخلاصة أن تجربة الإصلاح التدريجي من داخل نظام الحكم في المغرب ليست نزهة على الشاطئ، بل تجربة صعبة ومعقدة، وتحتاج نخباً تمتلك خارطة طريق نحو المستقبل.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.