هل أسهم صدّام بنشوء داعش؟

هل أسهم صدّام بنشوء داعش؟

28 ديسمبر 2015

صدام مترئسا اجتماعاً للحكومة والقيادة العراقية (3 يناير/2001/Getty)

+ الخط -
في مقال له في صحيفة نيويورك تايمز، نشره أخيراً، تحدث ووكر أورتن، محلل شؤون الشرق الأوسط والزميل المشارك في جمعية هنري جاكسون، عن كيفية مساهمة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في نشوء تنظيم الدولة الإسلامية، واعتبر لجوء النظام العراقي السابق إلى التحالف مع إسلاميين عقب معركة تحرير الكويت عام 1991، وإطلاق الحملة الإيمانية في العراق، سبباً أساسياً لنشوء التطرف في العراق، ما أسهم، فيما بعد، بإيجاد حاضنة لمثل هذه الأفكار عقب الاحتلال الأميركي.
وربما ما زال موضوع علاقة النظام السابق بنشوء تنظيمات متطرفة، عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، مثيراً للبحث والتقصّي، فعلى الرغم من أن دلائل كثيرة تؤكد أن النظام لم يكن إسلامياً، وإن ادعى ذلك عقب معركة تحرير الكويت، وما أعقبها من تحولاتٍ عميقة في بنية المجتمع العراقي، إلا أن بعضهم مازال يحاول الغوص في ثنايا تلك المرحلة، كونها الأقرب للغزو، وربما تجيب دراستها عن تساؤلات كثيرة.
ببساطة، لا تعدو مقالة الباحث البريطاني أن تكون محاولة لإسقاط التهمة عن الولايات المتحدة والغرب، في ظهور التطرف في المنطقة والعراق عقب 2003، فهو يحاول أن يربط بين سياسات النظام العراقي السابق لتثبيت حكمه ونشوء التطرف عقب سقوطه. ومما لا يعرفه كثيرون أنه لم يتحالف مع الإسلاميين مطلقاً، فهو وإن سعى، عقب عام 91 ، إلى استمالتهم، إلا أنه بقي يضيّق عليهم الخناق، وأشير، هنا تحديداً، إلى الإسلاميين السنة. صحيح أن النظام أطلق حملة إيمانية، وصارت مساجد بغداد والمحافظات العراقية مفتوحة عقب الصلاة، وانتشرت فيها دورات تحفيظ القرآن الكريم، وأيضا حملة بناء المساجد الواسعة التي شرع فيها النظام، إلا أنها لم تكن إلا محاولة لاحتواء صعود الإسلاميين الذين باتوا خطراً على النظام نفسه.
يتذكّر عراقيون عديدون ممن عايشوا تفاصيل الحياة اليومية آنذاك، وتحديداً عقب غزو الكويت وما تبعه، كيف أن الإسلاميين صعدوا بقوة على الساحة، وظهروا بطريقةٍ لم تعرفها بغداد منذ مطلع القرن العشرين، بل إن قرىً بكاملها، في محيط العاصمة، تحولت إلى السلفية. ولم يعد غريباً أن تشهد لحى طويلة في شوارع بغداد، وحتى جامعاتها، ما كان يتطلب من النظام أن يتدارك وضعه.
انشغل النظام عقب عام 1991 بتثبيت أركان حكمه، خصوصاً عقب أحداث جنوب العراق، ما سمح، بطريقةٍ أو بأخرى، للإسلاميين بالظهور، وأيضاً تثبيت وجودهم لاعباً على الساحة العراقية، متجاوزين سنوات القمع التي سادت في الثمانينيات والسبعينيات.
أمر أدركه النظام جيداً، وبالتالي، كان لا بد له أن يسارع إلى احتواء الموجة الصاعدة، فلم يكن ممكناً استخدام الأساليب القديمة نفسها لدى أجهزة أمن النظام، فكان أن أطلق صدام حسين حملة إيمانية، سعى منها إلى قيادة موجة صعود الإسلاميين، وهنا لا نتكلم عن النيات، وإنما عما شهدناه، أما أنه كان صادقاً أو غير صادق فأمر لا يعلمه إلا الله. لكنه لم يقصد من ذلك تشجيع التيارات الإسلامية، بقدر ما كان يحاول تثبيت أركان حكمه، واقتناص الفرصة لقيادة تيار إسلامي ينمو بسرعة، ليظهر بمظهر قائد هذا التيار، وهو يدرك جيداً أن ذلك سيسهم كثيراً في زيادة رصيده لدى عامة الشعب، وربما لدى الإسلاميين أنفسهم.
تحولت تلك المظاهر الإسلامية التي طبعت صفحة التسعينيات، بطريقة سريعةٍ، إلى مقاومة عقب الاحتلال الأميركي، بقيادة ضباط الجيش السابق الذين وجدوا أنفسهم فجأة خارج العمل، بعد أن حل جيشهم الحاكم المدني للعراق عقب الغزو، بول بريمر. ولم يكن همهم الدفاع عن النظام السابق أو صدام، وإنما حمية الدين والعرض والأرض لم تحتمل رؤية المحتل، ناهيك عن وجود نحو مليون ونصف المليون عراقي، عديد الجيش السابق، وجدوا أنفسهم في الشارع، بلا عمل أو مهنة أو حتى راتب.
ولا يعدو الربط بين صدام وظهور تنظيمات متشددة عقب الغزو الأميركي للعراق أن يكون محاولة بائسة لإخلاء طرف أميركا وحلفها من مسؤولية ظهور هذه التنظيمات. .. ستبقى أميركا المسؤول الأول والأخير عما يجري في منطقتنا العربية، فسياسات التمييز والكيل بمكيالين أنتجت "القاعدة"، وسياسة دعم الاستبداد والطائفية وحل الجيش العراقي ومؤسساته الأمنية أنتجت داعش التي امتدت إلى سورية، بعد أن مارست أميركا هناك الدور نفسه بغض الطرف عن طاغية الشام.

96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...