معركة النقيضين: أين نقف؟

معركة النقيضين: أين نقف؟

26 ديسمبر 2015

دونالد ترامب وجاستن ترودو وماريان لوبان

+ الخط -
ننام على مزيد من التصريحات العنصرية للمتنافس على ترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية، دونالد ترامب، في هجاء المسلمين، لنستيقظ على صور رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، يستقبل اللاجئين السوريين في مطار بلاده، ويساعد أطفالهم على ارتداء معاطفهم الجديدة التي قدمتها الدولة الكندية. ننام على نتائج الجولة الأولى للانتخابات الفرنسية الإقليمية التي حقق فيها أقصى اليمين الفرنسي تقدماً تاريخياً، لنصحو على نتائج الجولة الثانية للانتخابات نفسها، وفيها لم يحصد الحزب أياً من المناطق الفرنسية التي كان حقق فيها تقدماً كاسحاً في الجولة الأولى.
فتح تسونامي اعتداءات باريس الإرهابية صراعاً غير معهود في حدّته تعدّى مسألة الجدل التقليدي حول انتماء المهاجرين المسلمين في الغرب إلى القيم التي يحملها هذا الغرب، وجعلته المقصد الأول لهؤلاء المهاجرين، أو على الأقل لقسم كبير منهم، خلافاً للفكرة النمطية حول تهافت المغتربين وراء جنة التسهيلات، والمنافع المادية، والضمانات التي تقدمها الحكومات الغربية لمواطنيها.
تتباين تعبيرات هذا الصراع بين نقيضي كراهية المسلمين في موجة إسلاموفوبيا حادة، ورفض التمييز الديني باسم الخوف من الإرهاب والدعوات إلى حماية الانصهار الاجتماعي. رد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على دعوة دونالد ترامب إلى منع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك الأميركيون المسلمون بالتأكيد على أن "حريتنا مرتبطة بحريات الآخرين، مهما كان الدين الذي يتبعونه"، كما أعلن الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، أن بلاده لن تغلق أبوابها في وجه اللاجئين السوريين، وأن فرنسا "يجب أن تبقى كما هي" في قيمها الإنسانية ومجالها الثقافي الرحب. في المجال العام، تعدّدت أيضاً المبادرات لمواجهة تنامي موجة الإسلاموفوبيا منها إعلان مطلق "فيسبوك"، مارك زوكربرغ الذي بعث رسالة يقول فيها "إذا كنت مسلماً في هذه المجموعة، بوصفي زعيماً لـ"فيسبوك"، أريدك أن تعلم أنك ستكون دوماً موضع ترحيب".
في المجال العام، السياسي والمدني، النخبوي والعادي، يتواصل الصراع بين النقيضين في أشكال متنوعة، وفردية في مجملها، كأن تعلن امرأة في بريطانيا على صفحة "فيسبوك" أنها لن تقبل حجوزات في صالون التجميل الذي تملكه من زبائن مسلمين، حتى ولو كانوا يحملون الجنسية البريطانية، باعتبار أنها "تضع مصلحة بلادها أولا"، كما نقلت صحيفة الإندبندنت البريطانية. في الجانب الآخر من هذا الصراع، رد الجندي البريطاني الذي فقد ساقه في العراق، كريس هربرت، على تعليقات تلقاها على صفحته في "فيسبوك" تدعوه إلى كراهية المسلمين، بالقول إن مسلماً كان السبب وراء فقدان ساقه، إلا أن مسلمين آخرين كانوا وراء إنقاذ حياته. حرية التعبير واللباس محور آخر لهذا الصراع: امرأة محجبة تتعرّض لاعتداء في مرسيليا في جنوب فرنسا، وتنعت بالإرهابية، والدة شاب قُتل في عمليات الشرطة ضد منفذي هجمات باريس تستقبل بصرخات الاستهجان لدى زيارتها البرلمان الفرنسي، لارتدائها الحجاب، مقابلة أجرتها إحدى محطات التلفزة الفرنسية مع منقبة تثير ردات فعلٍ تستنكر كيف أنها "تجرأت" على الظهور بهذا الشكل أمام الجمهور الفرنسي.
لعل أبرز تعبيرات هذا الصراع رد الفعل الهستيري الذي سبّبه تمرين في كتابة الخط العربي
في إحدى مدارس ولاية فرجينيا الأميركية، بعدما اعتبر أهالي الطلاب أن المدرّسة التي اختارت نص الشهادة الإسلامية في التمرين تعمل على نشر الدين الإسلامي بين الطلاب. لم تقتصر ردة الفعل على استهجان اعتماد المدرّسة الشهادة الإسلامية في التمرين، عوضاً عن اختيار الشعر أو الأدب، وغيره من كنوز اللغة العربية، بل بلغت حد تهديد المدرسة بقطع رأسها، وتعليقها على عمود.
يعكس الصراع بين النقيضين، في ما يعكس، الفهم المقولب للمسلمين في الغرب بأنهم متدينون إسلاميون، أو علمانيون رافضون للدين. لا مساحات أخرى للانتماء خارج المعسكرين، ولا تنويعات في هذا التصنيف، تعكس التنوع الواسع في العالمين العربي والإسلامي في علاقة الفرد بالدين بين من يمارس تديناً متشدداً ومن يتبع تديناً متسامحاً ومن يرى في علاقته بالإسلام مجرد انتماء ثقافي وإرث تاريخي ومن هو غير متدين أو غير مؤمن والبين بين... درجات متباينة ومتنوعة يصعب على المعسكرين اختزالها. لا تقتصر القولبة على من يرون في المسلمين خطراً على قيمهم، بل تشمل المتعاطفين مع المسلمين، والذين يرون في مجموعات المغتربين المسلمين متدينين بالضرورة يحملون هوية صافية وواضحة، لا تحمل أي إضافات من ثقافات أخرى، احتكوا بها من خلال الدراسة أو الهجرة أو تبنوا قيمها باعتبارها ميراثاً إنسانياً. تحمل هذه النظرة المقولبة، من المناهضين أو المعاطفين على حد سواء، نظرة اختزالية هي بالضرورة دونية.
تقول لي صديقة، تعليقاً على الجدل الراهن في الغرب حول الإسلام، واستخدام داعش له لترويج القتل، إنها غالباً ما تُسأل من الزملاء في العمل حول علاقة الإسلام بالعنف، وأنها تشرح لهم أن استخدام داعش الإسلام هو سياسي صرف. ثم تعلق: ما علاقتي أنا بهذا الجدل وأنا أساسا علمانية؟ لا يفهم الزملاء هذا التنوع، كما لا يفهمه أغلب الإعلام والرأي العام المنقسم بين كاره ومتعاطف. وبين الاثنين، نواصل، نحن المهاجرون المصنفون خارج المعسكرين، التأرجح في اللامكان.
A6CF6800-10AF-438C-B5B5-D519819C2804
فاطمة العيساوي

أستاذة لبنانية في جامعة إيسيكس البريطانية. ترأست بحثا في تأثير عملية الانتقال السياسي على الإعلام المحلي في دول الثورات العربية. صحافية مستقلة ومدربة وخبيرة في التشريعات الاعلامية في العالم العربي.