فخامة سيادة النائب الشاب

فخامة سيادة النائب الشاب

13 ديسمبر 2015

من جلسات مجلس الشعب المصري(أرشيف)

+ الخط -
*استيقظ سيادة النائب الشاب الجديد متعباً، كعادته في الأسابيع الأخيرة، يستيقظ منذ فترة كأنه كان يجري عشرات الكيلومترات في نومه. قفز من السرير، وارتدى ملابسه سريعاً، على الرغم من إرهاقه، فاليوم لديه مواعيد في غاية الأهمية والخطورة.
*تحرك بسيارة في شوارع مدينة نصر، وهو يحاول تذكر أي "تخريمة" تساعده في الوصول إلى مبنى البرلمان وسط القاهرة في أسرع وقت، فاليوم هو يوم استلام كارنيهات الأعضاء الجدد في مجلس النواب، ولديه أحد أهم الاجتماعات المهمة مع سيادة اللواء، ثم اجتماع التعليمات والبرنامج الجديد، بالإضافة إلى لقاءات إعلامية، لكن زحام مدينة نصر سيجعله يصل متأخراً. لماذا ترك الحي الشعبي القديم الذي أقام فيه مع أهله، ولكن الحي لم يعد مناسباً للوضع الجديد نائباً.
*قيادة السيارة متعبة في الزحام، إنه يحتاج سائقاً للسيارة، وعده سيادة اللواء بتوفير سائق لسيارة كما كان الوضع أيام حملة انتخابات الرئاسة. يا سلام، على أيام حملة الرئاسة والدلع وقتها، سيارة فارهة بسائق وحراسة خاصة وآخر وجاهة. لكن، ملحوقة، من الحملة الرئاسية إلى قائمة الأجهزة. والآن، ستتحول القائمة إلى ائتلاف دعم النظام والمصالح، وكل الأمور ستكون على ما يرام وأكثر. حقق الكثير في وقت قصير، صعد أسرع من الصاروخ عشرات المرات، فيما هو حديث التخرج، لكنه وصل إلى مستوى ووضع وسلطة لم يكن يتخيلها في حياته، شقق فاخرة، سيارات، رصيد في البنوك، اتصالات على أعلى مستوى، والتواصل مع القيادات في الرئاسة والداخلية والأجهزة أبسط ما يكون، الأبواب مفتوحة أمام مزيد من الانطلاق والوصول إلى أعلى المراتب.
*ولكن، هناك، للأسف، ما ينغص عليه حياته، ويكدّر صفوه، ويمنعه من استكمال الفرحة بالشهرة والبرلمان والسلطة والاتصالات النافذة والعلاقات القوية. إنها الكوابيس التي أصبح يراها كل ليلة في منامه منذ أسابيع، تجعله يستيقظ منهك القوى كأنه كان يجري آلاف الأمتار، إنها الكوابيس التي أصبحت تنغص عليه حياته.
*أصبح يرى في منامه يومياً كل من غدر بهم، وكل من تسلق على أكتافهم، وكل من ساهم في
تشويه سمعتهم بالباطل، وساهم في ظلمهم ومعاناتهم وتدمير حياتهم، أصبح يرى في منامه كل من ساهم في الزج بهم في السجون، بمباركة حبسهم، أو تقليل التعاطف معهم.
*تارة يراهم في هيئة عمالقة يطاردونه، وهو يجري منهم في الغابة، ويظل يجري طوال الكابوس، وتاره يراهم في هيئة حراس سجن شداد، وهو المسجون، لكنهم لا يعذبونه، ولا يكدرونه... إنهم فقط ينظرون له ويضحكون.
*جلس النائب الشاب على المقعد أمام الكاميرا في البهو الفرعوني في المجلس، وابتسم لالتقاط صورة بطاقة مجلس النواب، وابتسم أكثر لمن هنأوه، وابتسم أكثر وأكثر لولي النعم، سيادة اللواء، والذي بادل ابتسامة النائب الشاب بنظرة جافة، وأشار له بالقيام من أجل الاجتماع المهم مع الشخصيات المهمة.
*في الاجتماع موضوعات كثيرة عاجلة، مثل الظهور الإعلامي والخطاب في الإعلام، الدفاع عن القائمة والتحالف الجديد، ونفي تهمة تكرار نموذج الحزب الوطني، بعض أنصاف القصص والروايات والتلميحات التي سيتم استخدامها في مهاجمة من يعارضون تحالف دعم النظام وتخوينه، رئيس المجلس والوكلاء وأعضاء اللجان، ثم نبذة عن أهم القوانين التي صدرت في العامين السابقين التي يحتاج النظام إلى الإبقاء عليها بدون تعديل، على الرغم من أنها مثيرة للجدل والغضب الشعبي، مثل قوانين التظاهر والخدمة المدنية والاستثمار والإرهاب، ثم باقي مئات القوانين التي أصدرها الرئيس، بمساعدة كهنة حسني مبارك، ويجب تمريرها بالجملة بدون نقاش أو تعديل.
*قام سيادة اللواء، وعدة لواءات آخرين من خارج المجلس، بتوزيع الأدوار على النواب الجدد، فبعضهم سيقوم بالتأييد المطلق للرئيس والحكومة، وآخرون سيؤدون دور التأييد المطلق للرئيس والمشروط للحكومة، لكن أهم الأدوار كانت من نصيب النائب الشاب ذي الخلفية الثورية، إنه ما يطلق عليه النظام المعارضة البناءة، لكنها، في الحقيقة، معارضة مستأنسة لاستكمال الديكور، تأييد عاقل لعبقرية الرئيس مع صب كل الغضب على الحكومة والوزراء، على الرغم من أنهم من اختيار الرئيس، مع خطب نارية رنّانة وأداء تمثيلي في المجلس.
*ابتسم النائب الشاب في الاجتماع الخطير، وهو يتذكّر الدورات التدريبية والسفريات خارج مصر، والنماذج التي تعرّف إليها، وتذكّر نفسه عندما كان يخوّن الآخرين، عندما كانوا يسافرون لحضور المؤتمرات، أو لدراسة تجارب الشعوب بعد الثورات، وفجأة تحولت ملامحه للرعب. تذكّر أحد الكوابيس المرعبة التي هاجمته أخيراً، عندما شاهد مسخاً يطارده طوال الكابوس، كان تجسيداً لضميره المشوّه الذي زيّن له الكذب والخداع والخطب الرنانة عن الوطنية الزائفة، إنه مسخ ضميره المشوّه الذي زيّن له بناء مجده بالغدر وتشويه زملائه، إنه ضميره المشوّه الذي زين له بيع نفسه للأجهزة الأمنية من أجل الوصول.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017