روسيا وإيران وسورية بينهما

روسيا وإيران وسورية بينهما

06 نوفمبر 2015
+ الخط -
اعتقد كثيرون أن التدخّل الروسي العسكري المباشر في سورية جاء لحساب التحالف المعلن بين إيران وروسيا والنظام السوري، ونشرت صحيفة السفير اللبنانية، المقربة من حلفاء الأخير، أنّ قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، التقى، الصيف الماضي في موسكو، القيادة الروسية، ووضعها في صورة الميدان السوري، نقلاً عن خبراء ومستشارين إيرانيين هناك، وذاع أنه طلب تدخّل الروس جوّاً، وتعهّد بزيادة حجم الضغط الإيراني البرّي على قوات المعارضة، لأن وضع الميدان لم يعد يسمح بمزيد من نزف قوات النظام، فهذا أمر يهدد بانهياره المفاجئ.
طبّل وزمّر النظام السوري وحلفاؤه في لبنان والمنطقة، وحتى في إيران، لهذا التدخّل تحت عنوان "عاصفة السوخوي"، حتى أن قيادات محسوبة على هذا المحور تحدثت عن فترة شهر لظهور بدايات التغيير، وعن ستة أشهر لانتهاء المعركة وحسمها لصالح هذا المحور، إلاّ أنّ نتائج الميدان، بعد شهر من التدخّل، جاءت مخالفة تماماً. فلم يتغيّر شيء لمصلحة النظام على الأرض، على الرغم من الغارات الجوّية الروسية، بل تمكّنت قوات المعارضة من إلحاق هزيمة كبيرة ومدوّية بقوات النظام في أرياف حماه وحلب وإدلب، فيما عُرف بمجزرة الدبابات، فضلاً عن أنّها أحرزت تقدّماً في بعض الأماكن. والأهم أنّ العدد الكبير لخسائر الحرس الثوري الإيراني في سورية سقط بعد التدخّل الروسي المباشر، وبالتالي، فإنّ ما خطّط له الجنرال سليماني، يمكن القول، إنه ذهب أدراج الرياح، وكل الحديث عن زيادة حجم القوات الإيرانية في سورية لم يحمل جديداً ميدانياً.
تمثلت الإشكالية الأهم بين روسيا وإيران في سورية بالموقف السياسي من الأحداث والتطورات، ففي وقت جاهرت روسيا مراتٍ بعدم تمسّكها ببشار الأسد على رأس النظام، بل أيضاً الذهاب إلى حدّ الحديث عن دعم الجيش السوري الحر، وفتح علاقات معه، وصولاً إلى حديث عن تشكيل مجلس عسكري انتقالي، يجمع ضباطاً من النظام والمعارضة، بقيادة العميد المنشق، مناف طلاس، تحت عنوان محاربة تنظيم الدولة. فضلاً عن تجاهل حضور إيران في المحادثات الرباعية التي جمعت وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، إلى وزراء خارجية تركيا والسعودية والولايات المتحدة الأميركية، ومن ثمّ دعوة إيران لاحقاً إلى الاجتماع الموسّع في فيينا. ناهيك عن الحديث الروسي المتكرر عن تنسيق روسي إسرائيلي في الأجواء السورية، وصولاً إلى تدريبات مشتركة، وكذلك مع الولايات المتحدة، وذلك كله جعل إيران تبدي تبرّمها من الموقف الروسي، وتكشف عن حجم الخلاف في الموقف بينهما.
فالمرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، صرّح أن أحداً لا يستطيع أن يقرر مصير سورية بمفرده، في إشارة إلى المبادرة الروسية لأنها الوحيدة المطروحة، وتبعه نائب وزير الخارجية، حسين أمير عبد الله اللهيان، في التهديد بانسحاب طهران من محادثات فيينا "باعتبارها غير بنّاءة"، وصولاً إلى التصريح الواضح لقائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، إن همّ روسيا في سورية مصالحها، وليس الحفاظ على بشار الأسد.
هي شكوك إيرانية، إذن، بدأت تحيط بالموقف الروسي، سرعان ما يمكن أن تتحوّل إلى موقف
عدائي، في ظل تصاعد حجم الخسائر الإيرانية النوعية في سورية، إلاّ أنّ السؤال: ماذا تملك إيران لإرباك المخططات والمشاريع التي تسير فيها روسيا في سورية، بموافقة وربما بتنسيق مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة؟ أول بوادر الإمكانيات والرسائل الإيرانية تمثّلت باستقبال مساعد وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، الذي رفض من طهران الحديث عن مرحلة انتقالية في سورية، وأصرّ على شرعية الرئيس بشار الأسد، ولافت أن الزيارة والموقف تزامنا مع زيارة المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي مستورا، إلى موسكو لبحث سبل الحل السياسي.
وفي السياق، أفرد أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، لمناسبة يوم عاشوراء، معظم خطابه في "عاشوراء" لمواجهة مشروع أميركا في المنطقة، وكان، قبل فترة، قد تحدث عن هزيمة المشروع الأميركي فيها، وهو ما فسّره بعضهم رسالة إلى روسيا عبر الشيفرة الأميركية، وانعكس ذلك مزيداً من التعقيد في المشهد اللبناني، بعدما كان اللبنانيون ينتظرون حلولاً لمشكلات يعانونها.
هل يتحوّل هذا الخلاف أو التباين الروسي الإيراني في سورية إلى صدام، ولو بحدود بسيطة ومحدودة؟ أم يمكن أن يدخل الأمر تسوية ثنائية بين الطرفين ضمن التسوية الشاملة؟ ستحرص إيران على تسوية تحفظ لها دورها ومصالحها في سورية، بعدما باتت مهددة في ضوء التدخّل الروسي، ومن ضمن التسوية الشاملة التي يتمّ الحديث عنها، لكنها حتى تحقق هذا المطلب قد تلجأ إلى توجيه رسائل ميدانية إلى روسيا في سورية، وهي قادرة على ذلك. ولكن، من دون أن يعني ذلك إطاحة مصالح الدولتين معاً إلا في حال شعرت أن الطرف الآخر يحاول التضحية بكل مصالحها.
هي سورية، إذاً، باتت عبئاً على الذين أقحموا أنفسهم فيها، ومحرقة للجميع، وشعبها وحده يدفع الثمن، تُستنزف يومياً بمقدار ما تَستنزف الجميع أيضاً حتى الوصول إلى حالة الإنهاك التي يأتي بعدها الحلّ.