الاستثناء الفلسطيني

الاستثناء الفلسطيني

25 نوفمبر 2015

فلسطينية وابنها في منزلهما بمخيم برج البراجنة (26 سبتمبر/2015/Getty)

+ الخط -
منذ أكثر من ثلاث سنوات، أصدرت المنظمة الدولية للطيران المدني قراراً يقضي بأن تكون جوازات السفر مقروءة إلكترونياً، وذات قياس عالمي موحد. ونفذت السلطات اللبنانية فوراً هذا القرار، وأصدرت جوازات سفر ذات نظام بيومتري بعلامات مائية، لكنها استثنت من هذه التدابير وثائق السفر الفلسطينية التي ما برحت بياناتها تُكتب باليد، الأمر الذي يجعلها غير مقروءة آلياً في مطارات العالم. وهذا يعني إعاقة سفر الفلسطينيين إلى الدول القليلة التي تسمح لهم بدخول أراضيها، واحتمال عدم تجديد إقامات العمل في الدول التي يعملون فيها. وسيؤدي هذا الوضع، في حال الإصرار على تنفيذه، ابتداء من البارحة في 24/11/2015، إلى كارثة إنسانية جديدة للفلسطينيين في لبنان. قبل ذلك، وبالتحديد في 23/9/1995، أصدرت حكومة الرئيس رفيق الحريري قراراً يقضي بفرض التأشيرة على الفلسطينيين المقيمين في الخارج ممن يحملون وثيقة سفر لبنانية، في حال رغبوا في زيارة لبنان. وفي 21/3/2001، أصدر مجلس النواب اللبناني الذي يرأسه نبيه بري قانون تملك الأجانب الذي منع على الفلسطيني امتلاك حقوق عينية وعقارية في لبنان، وهذا القانون يعني نزع ملكية الفلسطينيين الذين امتلكوا منازل قبل سنة 2001. ومع ذلك، فإن الفلسطينيين يبدون تعاوناً لافتاً مع السلطة اللبنانية، ولا سيما في قضايا الأمن، بيد أن هذه السلطة لا تبادلهم هذا التعاون. وعلى سبيل المثال، طلب أحد الأجهزة الأمنية من منظمات فلسطينية في مخيم نهر البارد القبض على مجموعة من مهربي التبغ الذين يلوذون بالمخيم، فبادرت هذه الفصائل إلى رصد المهربين، وسلمتهم إلى الجيش اللبناني الذي أحالهم إلى القضاء العسكري. وإذ بهذا القضاء يطلب القبض على الفلسطينيين الذين اعتقلوا المهربين، بتهمة تأليف عصابة مسلحة واعتقال الناس. وبالفعل، سُجن هؤلاء الذين تعاونوا مع الجيش مدة أطول مما أمضاها المهربون في السجن.
تقلبت صورة الفلسطيني في عيون اللبنانيين على وجوه شتى، فهو، لدى بعضهم، لاجئ قسرياً يستحق الترحيب والمعونة. وهو، لدى بعضٍ آخر، لا يستحق أي مساندة، لأنه باع أرضه، وفرّ من بلاده، بحسب الخرافات الدارجة. وهو مسلم لدى المسيحيين، وسُني لدى الشيعة. وحتى الفلسطيني المسيحي ظل غريباً في الأوساط المسيحية. وفي معمعان التناحر السياسي اللبناني، صار الفلسطيني شيطاناً لدى جماعات، ورحماناً لدى جماعات أخرى منافسة. وراح كثيرون يدعون إلى توزيع الفلسطينيين على الدول العربية، وهذا حل فاشي من الطراز الستاليني. وثمّة مَن دعا إلى تسهيل هجرتهم إلى دول ثالثة، أي توطينهم في الخارج؛ وهو حل خبيث، يريح إسرائيل في نهاية المطاف.
لا شيء تغير منذ أربعين سنة، فالموقف الرسمي هو هو: لا تسهيل لحياة الفلسطينيين، بل إبقاء الحال على ما هي عليه، أي دفعهم إلى الهجرة؛ الأمر الذي يجري يومياً، فالأيام كفيلة بخفض العبء الفلسطيني على لبنان، وتقليص أعداد اللاجئين، وهذا هو حقاً لسان حال كثيرين في السلطة. وبالفعل، لم يبقَ من بين 490 ألف فلسطيني مسجلين في الدوائر الرسمية (أونروا ومديرية اللاجئين) إلا نحو 250 ألفاً فقط.
... في إحدى الفترات، كانت زوجة الرئيس إلياس الهراوي فلسطينية (منى جمال)، وزوجة الرئيس الحريري فلسطينية (نازك الحريري)، وزوجة الوزير مروان حمادة فلسطينية (رفيدة المقدادي)، وزوجة الوزير ميشال سماحة فلسطينية (غلاديس عريضة)، علاوة على زوجات الوزراء نسيب لحود (عبلة فستق) وخليل أبو حمد (سميرة صباغ). وكان بيار الجميل عديلاً للفلسطيني يوسف صهيون، ووالدة الوزيرة نائلة معوض من آل روك الفلسطينيين. ولو أن أولئك النسوة كانت لهن كينونة وطنية فلسطينية لكانوا أرغموا الحكومة اللبنانية كلها، ومعها مجلس النواب، على إصدار مراسيم وقوانين لمصلحة العدالة والفلسطينيين في لبنان.