عن "نقد الفكر الديني"

عن "نقد الفكر الديني"

23 نوفمبر 2015

لو يعيد الجميع قراءة كتاب صادق جلال العظم

+ الخط -
كنت من كثيرين تأثروا بكتاب صادق جلال العظم "نقد الفكر الديني"، والذي شكل ثورة حقيقية عند صدوره، وأثار جدلاً واسعاً. وهو يحضرني الآن، لأنني مثل محايدين كثيرين، ومروعين في الوقت نفسه، من ظاهرة خطيرة تهدد سلامة المجتمعات، وتشوه عقول الشباب خصوصاً، وهي التعصب الديني الذي يشمل كل الأديان، على الرغم من أن بعضهم يتعمدون ربطه بالإسلام. ولكن، كوني مسيحية، أي إبنه والدين مسيحيين، فقد أمكنني أن ألاحظ أن فئة من المسيحيين تعاني من تعصبٍ فظيع تجاه الأديان الأخرى، وإتجاه الدين الإسلامي، الذي يتهمونه بأنه يحض على كره الآخر وقتله، وقد أجد لهؤلاء عذراً، كونهم ضحية وسائل إعلامية بمنتهى الخبث والذكاء ومشايخ يدّعون الفقه، ويشوهون جوهر الإسلام، إذ لا يُعقل وجود دين أساسه الكره وإقصاء الآخر وقتله.
التحدث عن الدين خط أحمر في عالمنا العربي، وأكثر خطورة من التحدث عن السياسة، ولكن، هناك قلق وتعجب من تنامي ظاهرة التعصب الديني والكره بين أشخاص من أديان مختلفة، ويتعمد شياطين العالم ربط الإسلام بكل الجرائم والفظائع التي ترتكبها الجماعات المتطرفة الإجرامية، والتي تتخذ من الإسلام قناعاً لها، وتحوّر تفسير آيات في القرآن الكريم، حسب رغبتها وغاياتها. لماذا لا يوجد إعلام يركّز على الجانب الرحيم للدين الإسلامي، وعلى محبة القرآن المسيح الذي يسميه روح الله ومريم العذراء؟ لماذا تقدم برامج تلفزيونية تستضيف مشايخ ومدعي فكر يتجادلون ساعات إن كان الحجاب فرضاً على المسلمة أم لا؟ وهل موضوع الحجاب مهم لهذه الدرجة؟ أليست مسأله الحجاب شخصية، ولا تدل على عقلية المحجبة التي قد تكون متنورة أكثر بمليون مرة من إمرأة سافرة؟ لماذا لا تُقدم برامج عن الآيات القرآنية التي توصي بالأيتام والأرامل والجار، وعلى طلب العلم ولو في الصين.
لماذا الإصرار على ربط التخلف والتعصب والإجرام بالدين الإسلامي؟ وبأن هؤلاء الشبان المغرّر بهم، والذين يقولون الله أكبر ويقتلون ويذبحون أو يفجرون أنفسهم هم ضحايا شبكات إجرامية وإرهاب عالمي متعدد الجنسيات، لكن تلك الشبكات تختبئ وراء واجهة الدين الإسلامي، كم من الجماعات المسيحية المتطرفة شذّت عن الدين المسيحي، وأنشأت أفكاراً مُضللة، ودفعت الآلاف إلى انتحارات جماعية، تحت أفكار وإدعاءات أنها من صلب الدين المسيحي. الجماعة الإرهابية التي قامت بتفجيرات مدريد لم تكن مسلمة، وكذلك تفجيرات طوكيو.
ما يجب التركيز عليه أن الإرهاب لا دين له. ويتحمل علماء الدين المسؤولية الأكبر في التأثير على عقلية الناس، وخصوصاً الشبان المندفعين والمهمشين، والذين يحلمون بتحقيق الذات والبطولة في أوطانٍ تهمشهم، ولا تعطيهم حقهم في المشاركة في الحياة السياسية. للأسف، هناك شريحة واسعة من علماء الدين تحض على العنف ورفض الآخر، وغالباً ما يكون ولاؤهم للحاكم. ولا أنسى موعظةً حضرتها في الكنيسة ليلة عيد الميلاد، وكان صاحب السيادة (المطران) يعظ المصلين، ويخيفهم من نار جهنم، ورأيت الخوف في عيون الأطفال. ويصر رجال الدين على جعل الناس يحسون دوماً بمشاعر الإثم، وأكثر عبارة أذكرها في الدين المسيحي: أنا عبدك الخاطئ.
التعصب هو السرطان المُستفحل، خصوصاً في عالمنا العربي، ويكفي أن نقرأ بعض التعليقات والأفكار على "فيسبوك"، لندرك هول التعصب وحب الأذى للآخر، لمجرد أنه ينتمي لدين آخر، وما أسهل التكفير وهدر الدماء. يا للنشوة المشوهة التي يحسها هؤلاء المُضللون. إن مجتمعاً ترتكز كل قيمه على الأحقاد والكره للآخر، لأنه ينتمي لدين مختلف، هو مجتمع سوف ينحدر إلى الهاوية، وإلى حروب طائفية ودينية، حيث الكل خاسر.
حبذا لو يعيد الجميع قراءة كتاب صادق جلال العظم "نقد الفكر الديني"، ليكتشف أن الفكر الديني القائم على المُسلمات واحد، وأن التعصب سوف يدمر الجميع، وأن أساس كل دين هو المحبة، لأن الله واحد والله محبة.

دلالات

831AB4A8-7164-4B0F-9374-6D4D6D79B9EE
هيفاء بيطار

كاتبة وأديبة سورية