العراق يعلن إفلاسه

العراق يعلن إفلاسه

03 نوفمبر 2015
+ الخط -
صعب جداً أن تتخيل أرض السواد، بخيراتها وأنهارها ونفوطها وبغدادها، مفلسة، صعب جداً أن تنظر لهذا البلد، القامة في كل شيء، وهو يتدحرج سريعاً إلى قاع لم يختره لنفسه، بقدر ما فرض عليه فرضاً، حتى تحول إلى اللارقم ، فلم تعد حتى الأرقام الدولية تقترب منه، لأنه ببساطة بدأ يختفي.
في أحدث تقرير دولي، تناول أوضاع التعليم في العالم، لم يتطرق التقرير للعراق، وتناول أوضاع التعليم وجودته في 140 دولة، لم يكن من بينها العراق، والسبب أن البلد لا تتوفر فيه أصلاً معايير يمكن من خلالها قياس جودة التعليم.
حال مزر بالتأكيد، إنه العراق الذي احتفل، يوماً بعدم وجود أمي على أرضه، بعد أن أنهى حملة استمرت سنوات لمحو أمية كبار السن، رجالاً ونساء.
عموماً العراق اليوم تدحرج إلى هاوية لا قاع لها، ولم يعد هناك من مجال للحديث عن مجال دون آخر في العراق، بل صار البلد، كل البلد، في خبر كان كما يقال، ولعل ما أدلى به رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، قبل أسبوع في أثناء لقاء تهدئة الخواطر مع أساتذة الجامعات، كفيل بشرح الكثير.
قال العبادي لأساتذة الجامعات "النفط المصدر يقترب من 59 ترليون دينار، وهناك كلفة لإنتاج النفط، يبقى من المبلغ 45 ترليوناً، وهناك ديون متراكمة، فالمتبقي يكون 40 ترليوناً والرواتب والتقاعد تحتاج إلى 50 ترليوناً، فكيف يتم الصرف على الحرب والصحة والتعليم والزراعة والخدمات والفقراء وغيرها".
بصريح العبارة، العراق مفلس، إنه يحتاج إلى 10 تريليونات دينار، لسداد رواتب موظفيه
فقط، من دون الحديث عن المصاريف الأخرى، ولك أن تتخيل ميزانية لا تتضمن أي صرفيات على أي قطاع باستثناء تأمين الرواتب، إنها ببساطة حالة إفلاس، علماً أن مراقبين ومتابعين يشككون حتى بقدرة الحكومة على دفع الرواتب في الشهرين المقبلين.
الأخطر أن العراق يواجه حرب استنزاف ضد تنظيم متمرس، اسمه تنظيم الدولة الإسلامية، مضى على احتلاله نصف الأراضي العراقية قرابة العام ونصف العام، ومازال التنظيم أكثر قدرة على التحرك والتنسيق والهجوم، وحتى إمداد مقاتليه بالسلاح، بخلاف القوات الحكومية، ومعها الحشد الشعبي والميلشيات الأخرى التي تفقد شيئاً فشيئاً قدرتها، على الرغم من كل الدعم الدولي المقدم لها.
تبلغ تكلفة كل صاروخ يطلق في الحرب نحو 50 ألف دولار، ولك أن تتخيل باقي المصاريف، على الجندي الذي يطلق الصواريخ، أو على الآليات الأخرى، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن القوات العراقية والحشد الشعبي عندما يهاجمون مواقع تنظيم الدولة، فإنهم يعتمدون سياسة الأرض المحروقة، أي أن المعركة تكلفهم عشرات، إن لم نقل مئات الصواريخ.
وعلى ذكر الحشد الشعبي، فإن هذا التشكيل الذي تمت الدعوة له عبر فتوى المرجعية الشيعية في النجف، والذي يبلغ عديد عناصره أكثر من 250 ألف مقاتل، فإنه يكلف ميزانية الدولة شهرياً قرابة المليار دولار، بناء على ما أعلنته وسائل إعلام عراقية.
في إحصائية نشرها مركز اقتصادي عراقي، سرد فيها قيم موازنات العراق، منذ 2004 وحتى 2014 تبين أن مجمل موازنات العراق وصلت إلى نحو 804 مليارات دولار، أي أن حصة كل مواطن عراقي منها تصل إلى 96 مليون دولار في السنوات العشر الماضية.
ومع هذه الأرقام، شاهد العالم كيف غرقت بغداد ومدن أخرى إثر أمطار استمرت يومين، شاهد العالم كيف غرقت البيوت وخيام النازحين، حتى بدت عاصمة الرشيد مدينة تغطيها المسطحات المائية، ليخرج العراقيون عن صمتهم على مراجعهم وساستهم، فعبروا بلسان عراقي فصيح، مرة أخرى، "باسم الدين باكونا احرامية"
عندما تقرأ أن مجمل ميزانيات العراق، منذ غزوه عام 2003 وحتى 2014، وصلت إلى أكثر من 800 مليار دولار، يقفز أمامك رقم آخر، وهو 600 مليار دولار، كانت كافية لإعادة بناء أوروبا، كل أوروبا، عقب الحرب العالمية الثانية.
لن نتحدث عن السرقات من المال العراقي العام، فهي أكبر بكثير من أن تُحصر. ولكن، فقط نشير إلى أن ما امتلكه هوامير السياسة العراقية، في السنوات العشر الماضية، يفوق ميزانيات دول، والغريب أن حيدر العبادي، رئيس الوزراء، وقائد مسيرة الإصلاح، لم يجرؤ، حتى الساعة، على اعتقال أي من هؤلاء أو محاكمته.
بدد نوري المالكي، وخلال ثماني سنوات من حكم العراق، وحده 744 مليار دولار، وسلم العبادي دولة بخزينة خالية، ولم يسأله أحد أين ذهبت بأموال العراق؟
أفلس العراق، لم يعد هناك من مجال للمجاملة أو المداراة أو الكذب أو التزييف. والشهران المقبلان ربما يكونان آخر شهرين يتقاضى فيهما الموظف العراقي راتبه. أفلس العراق، وكل مسكنات حكومة العبادي لن تجدي نفعاً، وسيحمل العامان المقبلان مفاجآت كثيرة غير سارة للعراقيين. أفلس العراق، ولا عزاء لمن انتخب وبإصرار طائفي مقيت، كل هؤلاء الحرامية، ومازال ينظر إلى البيت المتهالك القديم في أحد أقبية النجف، ماذا سيقول له ليفعل.

96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...