الفهلوة والزعبرة

الفهلوة والزعبرة

18 نوفمبر 2015
+ الخط -
من غير المعروف، على وجه الدقة، أصل كلمة "فهلوي"، فبعضهم يعيدها إلى مفردة "بهلوي" الفارسية. وقد اشتُهر الفرس بالكياسة، والأدب الذي يُخفي في ثناياه الخبث، وهو من حُسن التدبير في السياسة والرياسة. والفهلوة تعني الشطارة، أي تحقيق الغايات من دون بذل الجهد. أما الوسيلة فهي النفاق و"الزعبرة" والتبجح بالقدرة على اجتراح الحلول للمشكلات المستعصية. وفي لغة الحياة اليومية في لبنان، تنتشر عبارات من عيار "اعتبر مشكلتك محلولة" أو "خذها مني وحط رجليك بمي باردة" أو "ما بتكون إلا مبسوط" أو "مد إيدك على عبّك وخلينا نحبك" أو "إرشِ بتمشي". وشخصية الفهلوي مَثَلُها مَثَل الطالب الذي ينجح، من غير أن يجهد نفسه في الدراسة، وهو يفاخر بذلك، ويستهزئ بأقرانه الذين يتوفرون على الدرس ليل نهار. وهذا الفهلوي يلجأ إلى جميع الحيل، كالغش والتخمين وإجراء الاحتمالات في أسئلة الامتحانات. ولا ريب أن ثمة فارقاً جوهرياً بين الفهلوة والحذاقة (أو "الحداقة" كما يلفظها أهل بيروت)، فالحاذق (أو الحِدِقْ) هو مَن يتقن مهنته، أو يُحسن التخلص من المواقف المفاجئة أو المحرجة. أما الفهلوي فتلخصه قصة المحامي والسيجار؛ فقد اشترى محامٍ صندوقاً من السيجار الفاخر، وعمد إلى التأمين على محتوياته ضد مخاطر السرقة والتلف والحريق. وفي أقل من شهر، وقبل أن يستحق القسط الأول من بوليصة التأمين، كان المحامي قد استهلك سجائره، واحتفظ بعقب كل سيجار في مكانه من الصندوق، ثم رفع دعوى ضد شركة التأمين، يطالبها بدفع قيمة التأمين، لأن الأربعة والعشرين سيجاراً فُقدت في حرائق صغيرة. ومع أن القاضي اعترف بأن الادعاء كله كان هزلياً، إلا أنه لم يجد بداً من إلزام شركة التأمين بدفع قيمة البوليصة. وبادر محامو الشركة إلى دفع المبلغ (15 ألف دولار)، ولم يستأنفوا الحكم، وما إن وقّع المحامي الفهلوي إيصالاً باستلامه المبلغ حتى كان محامو الشركة يرفعون دعوى جنائية فورية ضد المحامي، بتهمة ارتكاب 24 حادث حريق لمال مؤمن عليه. والدليل كان الحكم السابق وإيصال القبض، فحوكم الفهلوي، وقضى الحكم بحبسه 24 شهراً وتغريمه 24 ألف دولار.
في اختبار للذكاء، عُرض السؤال التالي على عدد من طالبي وظيفة معينة: لنفرض أنك تقود سيارتك التي لا تتسع إلا لراكب إضافي واحد على طريق مقفرة في ليلة عاصفة. ومررت بموقف باصات فيه امرأة عجوز تشارف على الموت، وصديق سبق أن أنقذ حياتك، وفتاة رائعة الجمال هي حلم حياتك، فمن تختار لنقله معك؟ كان الجواب الذكي كالتالي: أُعطي مفتاح السيارة إلى صديقي الذي أنقذ حياتي، وأطلب منه أن ينقل العجوز إلى المستشفى، وأبقى مع الفتاة الجميلة بانتظار الباص.
في لبنان، لم يتمكن أحد من ابتداع مخرج ذكي لانتخابات الرئاسة، أو حل مشكلة النفايات، أو وقف النهب والسلب وشفط الأموال ولهط المنافع. فالفهلوة اللبنانية ما عادت قادرة على خداع أحد في كباش الغيلان الطائفية الكريهة، وعادت نفاقاً كما كانت منذ مائة سنة، حين أعلن المؤتمر السوري في سنة 1920 تنصيب الأمير فيصل ملكاً على سورية، رغماً عن فرنسا، فذهب وفد من جبل لبنان إلى دمشق للتهنئة، وكان معه زجال بارع راح يهزج:
بواريدنا بتردها/ وبصدورنا منصدها .. فيصل أمير بلادنا/ باريس تلزم حدها
وعندما اجتاح الجنرال غورو دمشق، وغادرها الملك فيصل، ذهب وفد من جبل لبنان إلى دمشق، لتهنئة الحكومة الجديدة، وكان الزّجال نفسه في عداد الوفد. وعند وصوله إلى دمشق، راح يهتف:
يا مير وِش لكْ والحروب/ باريس مَنّك قدها .. هيدي دول بدها دول/ راعي غنم ما يردها
وهذا يكفي.

دلالات