الطائرة الروسية والمؤامرة الكونية

الطائرة الروسية والمؤامرة الكونية

11 نوفمبر 2015
+ الخط -
تحطمت في 31 أكتوبر/تشرين أول 2015 طائرة "متروجيت" روسية على ارتفاع 9500 متر (31 ألف قدم) ما أسفر عن مقتل جميع ركابها، وعددهم 224، وجميع أفراد طاقمها. وعلى الرغم من اتجاه بعضهم في بداية الأحداث التي تلت عملية الانفجار إلى عدم استبعاد احتمالية حدوث فشل هيكلي، نتيجة للإجهاد التي تتعرض له في عمليات الإقلاع والهبوط، ومن ناحية ثانية عدم ترجيح إسقاط الطائرة عبر استخدام أنظمة الدفاع الجوي المحمولة على الكتف (مان باد). على الرغم من أن عددا من مسلحي سيناء تمكنوا سابقاً من استخدام أنظمة (مان باد) لإسقاط طائرة مروحية مصرية، كما أطلقوا صواريخ على طائرات إسرائيلية؛ إلا أن الطائرة الروسية كانت تحلق خارج نطاق هذه الأسلحة، وباستعراض أولي لمسجل بيانات الرحلة؛ لا شيء يثبت أن الطائرة تم استهدافها (ضربها) بكائن خارجي.
ومع الإعلان عن تشكيل لجان دولية للتحقيق في الحادث، برز التفسير الأكثر احتمالا لسقوط الطائرة، وهو وجود عبوة ناسفة على متن الطائرة، واتجه محللون كثيرون إلى أن هذا الاحتمال تتجاوز نسبته 90% على الأقل، وبافتراض صحة هذا الاحتمال، يبقى السؤال عمن يقف وراء هذا التفجير. وهنا تبرز عدة احتمالات، ومعها تتعدد المؤشرات:
الاحتمال الأول، التنظيمات المسلحة: في إشارة إلى تنظيم ولاية سيناء الذي أصدر بيانات تبنى فيها عملية التفجير، ويدعم هذا الاحتمال أن أنصار هذا التنظيم، وغيره من تنظيمات مسلحة تعمل في شبه جزيرة سيناء، استخدموا عبوات ناسفة متطورة في الأشهر الأخيرة. لذلك، فإن إنشاء ونشر عبوة ناسفة صغيرة، وفعالة، يقع ضمن قدرات هذه التنظيمات، يساعدهم على ذلك أن مطار شرم الشيخ، مثل غيره من مطارات مصر، لا يمتع بالقدر الكافي من التأمين، مع انتشار الفساد، وتأكيد ركاب أن عاملين في الأمن في المطار يمكنهم قبول رشاوى في مقابل السماح للركاب بتجاوز نقاط التفتيش والفحص الأمني. ومع سهولة تهريب المتفجرات إلى متن الطائرة، فإن فساد الأمن يزيد من احتمال أن الجهاز الذي تم استخدامه في التفجير ربما تم حمله على متن الطائرة، أو تم تحميله في عنبر الشحن.
الاحتمال الثاني، أجهزة أمنية مصرية: ويقوم على تدبير فصائل أو أجهزة أمنية مصرية هذا التفجير بغرض التخلص من رأس النظام ومنظومته العسكرية، بعد أن أصبح وجوده عبئاً عليهم، في ظل تصاعد معدلات الانهيار في القطاعات الأمنية والعسكرية والاقتصادية، وتفشي الفساد بمعدلات غير مسبوقة.
الاحتمال الثالث، أجهزة أمنية غربية: ويقوم على أن هناك أجهزة أمنية غربية تعبث في سيناء،
في ظل انهيار القبضة الأمنية والعسكرية للنظام، وهي التي تقف وراء الحادث، لتحقيق أغراض عديدة قد تبدو متناقضة، لكن تحقيق أي منها من شأنه تعظيم مكاسبها في المنطقة، ومن هذه الأغراض: ضرب علاقات الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والمصري عبد الفتاح السيسي، التي تنامت منذ انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، والتنسيق المتنامي بينهم في سورية وليبيا واليمن وشرق المتوسط. ومن ناحية ثانية، التخلص من قائد الانقلاب، وتعريته أمام الجميع في الداخل والخارج في ظل سياساته المتعارضة والمتناقضة، وممارساته الابتزازية. ومن ناحية ثالثة، إجباره على تقديم مزيد من التنازلات في ملف سيناء وغيره من ملفات، وضمان استمرار استخدام الجيش في إدارة الصراعات الخارجية.
الاحتمال الرابع، بقايا نظام مبارك: وقد كشفت ما سميت "الانتخابات البرلمانية" التي جرت جولتها الأولى في مصر، الشهر الماضي، عن انحسار الصراع سياسياً واقتصادياً بين أنصار نظام حسني مبارك ومن يسعون لتشكيل أنصار لنظام جديد بقيادة قائد الانقلاب العسكري، ومع التضييق على أنصار مبارك، فقد يدفعهم هذا إلى الانتقام من النظام الانقلابي القائم، وخصوصاً أن منطقة سيناء كانت المقر الدائم لمبارك وحاشيته. وقد يجد هذا الاحتمال سنده في عمليات الاعتقال والتحفظ على أموال عدد من أهم رموز عصر مبارك ورجال أعماله.
الاحتمال الخامس، النظام القائم نفسه: ويقوم هذا الاحتمال على أن عناصر محسوبة على النظام الانقلابي القائم دبرت العملية، وسيلة من وسائل ترسيخ فزاعة الإرهاب التي تتاجر بها منذ 3 يوليو/تموز 2013، ووسيلة من وسائل ضمان استمرار البقاء واستمرار الدعم.
ومع تعدد هذه الاحتمالات، تأتي أهمية التأكيد على أن هذا مجرد رصد لأهم الأطراف التي يمكن أن تستفيد من التفجير، وبطبيعة الحال يبقى الباب مفتوحاً لدخول أطراف أخرى بمصالح أخرى.
ومع تفجير الطائرة، وثبوت انهيار المنظومة الأمنية والعسكرية المصرية في ظل حكم الانقلاب العسكري، كان منطقياً أن تسارع دول العالم إلى ترحيل مواطنيها من مصر، والتحذير من السفر إلى مصر، وكذلك تعليق شركات طيران كبرى رحلاتها عبر شبه جزيرة سيناء أو وقفها. وهنا، تبارى قطاع محدد وثابت فيما يسمى "الإعلام المصري" بالحديث عن "مؤامرة كونية تستهدف مصر"، وأن "المسؤولين في بريطانيا والولايات المتحدة هم من قيادات الإخوان المسلمين"، وأنهم "يعملون على تدمير مصر وتفتيتها وتقسيمها"، وأنهم "يسعون إلى وقف المسيرة المباركة لهذا النبي المرسل الذي بعثه الله للقضاء على طواغيت الأرض وإعادة هيكلة النظام الدولي".
وهذه العبارات منطقية في هذه المرحلة وتجد منطقيتها في تحليل هيكل من يقومون ويتحكمون ويوجهون هذا "الإعلام"، وهو هيكل محكوم باعتباراتٍ تؤثر فيه وفي مخرجاته، منها: غياب الشفافية بشكل مطلق، أمام هيمنة جهة واحدة على كل المعلومات ووجود مصدر وحيد للتوجيه هو الشؤون المعنوية في المؤسسة العسكرية المصرية، التي تحرك كل هذه الأجهزة والوسائل والقنوات "الإعلامية" بمجرد اتصالات هاتفية. الخوف والجبن من بطش النظام الانقلابي القائم وممارساته التي لم تعد تستثني أحداً، ولم تعد تقف عند مناهضي هذا النظام ومقاوميه، لكنها بدأت تنال مِن كُل مَن أيده وسانده. هيمنة الفساد والتضليل والتزوير والغش والتدليس على "رموز العمل الإعلامي" في هذه المرحلة في "الإعلام المصري"، سعياً نحو حماية مصالحهم، وضماناً لاستمرار النظام الحالي، لأن استمرارهم أصبح رهناً باستمراره، ويخوضون، الآن، معركة صراع وجود مع هذا النظام ضد كل القوى الثورية الرافضة والمناهضة والمقاومة حكم العسكر وهيمنة مؤسساته وأجهزته على مقدرات الدولة.
وبين الحقائق التي كشفتها أزمة الطائرة الروسية وبين أوهام المؤامرة الكونية التي يتحدث عنها أبواق النظام الانقلابي العسكري، تتضخم معدلات انهيار مصر، دولة ومجتمعاً على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ومع استمرار هذا الانهيار وتفاقمه فإن التداعيات والأضرار ستنال الجميع، ولن تقف عند الدولة المصرية بحدودها الراهنة، إذا ظلت هذه الحدود ثابتة في المرحلة المقبلة.

A57B9A07-71B2-477E-9F21-8A109AA3A73D
عصام عبد الشافي

باحث وأكاديمي مصري، دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية، يعمل أستاذاً للعلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة رشد التركية، من مؤلفاته: البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه المملكة العربية السعودية (2013)، السياسة الأمريكية والثورة المصرية (2014).