بدأ المولد والسيرك

بدأ المولد والسيرك

05 أكتوبر 2015
+ الخط -
بدأ المولد، ونصبت خيمة السيرك، وهرع الحواة والسحرة ومحترفو الخدع والراقصون والطبّالون إلى السيرك. 

اضطر عبد الفتاح السيسي إلى إجراء الانتخابات، بعد ضغوط خارجية وداخلية. لا يعترف بالأشياء التي تعطله عن عمله، ولا يحترمها، الأشياء التافهة التي تخص المدنيين الذين لا يفقهون شيئاً، مثل الديمقراطية والتشاور والحوار المجتمعي والبرلمان واحترام الدستور وحقوق الإنسان، لكن المضطر يركب الصعب، وطالما أننا نحتاج لاستكمال ما تسمَّيان خريطة الطريق والمؤسسات، ونحتاج لإخراس الأصوات التي تهتم بالشكليات في الخارج والداخل، فإننا نحتاج برلماناً وطنياً، لا يزعج رئيس الجمهورية.
ولكن، طبقاً للدستور الذي ملئ بمواد النيات الحسنة، ستكون للبرلمان سلطات قد تزعج رئيس الجمهورية، مثل إمكانية رفض ترشيحه رئيس الحكومة، أو إمكانية تعطيل قوانين أصدرها في غياب البرلمان، أو الدعوة إلى استفتاء شعبي، أو إلى سحب الثقة من رئيس الجمهورية. ومع أنه لا توجد أحزاب معارضة في مصر، الاحتياط واجب، فعلى الرغم من أن الأحزاب الحالية موالية، ولا يوجد شخص، أو كيان، يجرؤ على المعارضة، الاحتياط واجب، فربما يتسلل أفراد لديهم ضمير إلى البرلمان، وهذا قد يزعج الرئيس وأجهزته. لذلك، لا بد من ضمان الولاء الكامل قبل الانتخابات، لا بد من السيطرة الكاملة، وإصدار قوانين سيئة السمعة بدون تعطيل، لا بد من الحفاظ على النظام كما هو. لذلك، لا بد من ضمان ولاء البرلمان، قبل بدء الانتخابات التي هي شر لا بد منه.
لا يكفي تفصيل قانون الدوائر، أو قانون مباشرة الحقوق السياسية، أو قانون الانتخابات، ولا تكفي زيادة نسبة الفردي، ولا القوائم المطلقة، ولا تكفي قائمة (في حب مصر) التي شكلتها الأجهزة الأمنية، لتضمن الولاء الكامل. يجب، أيضاً، تغيير هذا الدستور، لسد أي ثغراتٍ قد يتسلل منها شعاع الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. لكن، ماذا عمّن لا يزالون في السجون على خلفية قانون التظاهر، ويصرّ من في السلطة على الانتقام منهم؟ هل هناك برلمان سيجرؤ على تعديل هذا القانون، أو وقف التنكيل بأسماء بعينها؟ هل يجرؤ أحد على المطالبة بالإفراج على من يتم تعمد الانتقام منهم، وتعمد استثناءهم من الإفراجات الأخيرة؟ هل اكتفى الجميع بمراوغات السيسي، قبل سفره إلى نيويورك، ليتجنب الانتقادات الدولية والمحلية المتكررة؟
منذ قرار إجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمان، ثم ما تبعها من ترتيبات وتشريعات، مثل قوانين الدوائر والانتخابات، والكل يعلم أن البرلمان سيكون نسخة أسوأ من برلمان 2010. عادوا لينتقموا، فالذي كان منهم متعاوناً مع الأجهزة الأمنية قبل "25 يناير" أو "30 يونيو" وبعدهما، ضمن مقعده في قائمة "في حب مصر" الأمنية، وبعضهم سيجد مكافأة بالمقعد على جهوده في نشر الشائعات، وترويج نظرية المؤامرة.
أما الشباب الآخر الذي يحاول خداع نفسه، قبل خداع الآخرين، بأكذوبة إمكانية التغيير من داخل البرلمان، أو بواسطته، فلا فارق كبير بينهم وبين مرشحي الأجهزة الأمنية، فهؤلاء هم المحلل والمبرر للنظام السلطوي، ولن يجنوا سوى فتات، فحتى هؤلاء، ونقدهم الرقيق للمنظومة، غير مرغوب فيهم. لكن، ماذا فعل من بقوا من شباب الثورة خارج السجون؟ وماذا فعل من لا يزال يدافع عن قيم "25 يناير"، كالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؟ وماذا تفعل بقايا الحركات الثورية، بما فيها "6 إبريل"، للدفاع عمّن يتم التنكيل بهم في السجون، ومن تم الإفراج عنهم؟ هل يتذكّرهم أحد غير الأهل والأصدقاء؟ هل يعلم أحد أنهم محرومون من أبسط الحقوق؟ ربما تكون هناك محاولات أو مبادرات أو مجهودات فردية أو جماعية، لكنها، للأسف، لن تمثل ضغطا حقيقياً.
بعيداً عن قانون التظاهر، ومن يتم التنكيل بهم، ماذا ستفعل المجموعات التي لا تزال تؤمن بقيم ثورة 25 يناير في أثناء الانتخابات البرلمانية؟ هل هناك خطط أو تنسيق لما بعدها؟ وما البدائل المتاحة للتواصل مع الناس؟ وكيف ندافع عن قيم "25 يناير"؟ وكيف نجعل الديمقراطية وحقوق الإنسان قضايا شعبية؟ هل هناك مجهود منظم، أو جامع، أو طويل المدى؟ للأسف، غير واضح، أما الأسماء المعدودة في السجون بسبب قانون التظاهر، فليس لهم إلا الله.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017