بوتين يهرب إلى الأمام

بوتين يهرب إلى الأمام

11 أكتوبر 2015

بوتين يخشى مطالب الشعب الروسي الديمقراطية (8 أكتوبر/2015/Getty)

+ الخط -
تُقدّم وسائل إعلام عديدة التدخل الروسي الجاري في سورية على أنه نتيجة سياسية روسية صائبة، مقابل التخبط الغربي والعربي منذ أربع سنوات، فالغرب، وفي مقدمته أميركا، يُعطي انطباعاً بأنه اكتفى بتصريحات جوفاء، ولم يفعل شيئاً أمام التحالف السوري الإيراني الروسي. الأمر يختلف عن ذلك كثيراً، فلو تصوّرنا أن هذا التحالف كان مُنتصراً وثابتاً على الأرض، وأن قوات جيش بشار الأسد تتقدم على كل الجبهات، من درعا إلى حماة وحلب ودير الزور، لما احتاج إلى تغيير تكتيكاته، ودخول قوة عُظمى إلى ساحات الصراع.
المشارفة على انهيار النظام السوري، وفشل النظام الإيراني والمليشيات المذهبية المسنودة منه، على الرغم من كل ما قدم، وخسائر حزب الله الكبيرة، وأمثاله من مليشيات "الحشد المذهبي" العراقي والأفغاني، وانحسار أماكن وجودهم لصالح قوى المعارضة، هذه كلها أجبرت الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على دخول المعركة مباشرة، مُكرهاً، وليس لكونه بطلاً سياسياً محنكاً، ففشل سياسة إيران في سورية لإنقاذ النظام، على الرغم من الدعم المالي والعسكري الهائل لروسيا، هو وراء قرار موسكو التدخل المباشر.
وكأي نظام غير ديمقراطي، يبني بوتين سياسته الداخلية والخارجية على مبدأ قمع المعارضة الروسية وإنهائها؛ فهذا نظام ورث من الحكم الشيوعي مؤسساته الاستخبارية والبوليسية، ولم يستعمل الديمقراطية والانتخابات، إلا لسرقة روسيا وثرواتها، لصالح حكمه، وحكم المافيات التي يمثلها، في استعادةٍ لنهج حكمٍ يستند لأوهام الذات القيصرية.
يأتي تدخل روسيا في سورية في إطار منع ولادة أي نموذج ديمقراطي في أي مكان، خوفاً من عدوى قد تصل إلى شعبها، لكنه، في الوقت نفسه، يُعطي المعارضة الروسية وسائل جديدة لتعبئة الرأي الداخلي ضد بوتين وسياساته، خصوصاً أن الحرب الأفغانية ليست بعيدة، وعودة مئات الجنود الذين عادوا بتوابيت إلى روسيا، لم تُنسيا بعد، بالإضافة إلى مستوى الحياة المُتراجع مع الأزمة الاقتصادية، وانخفاض سعر النفط، وتكاليف حرب أوكرانيا.
بمعنىً من المعاني، يشكل تدخل بوتين في سورية، وبقوة عسكرية كبيرة، نوعاً من الهروب إلى الأمام، حيث المخاطر تحفّ بهذا التدخل من كل الجهات؛ انتصاره يعني إنقاذ الأسد وإنهاء الثورة، وهزيمته تحتم زوال الأسد ونظامه. ولسوء حظ بوتين، ليست سورية الشيشان الصغيرة، ولن يستطيع أن ينجح في ما فشل فيه الإيرانيون، بكل قوتهم وقوة حلفائهم.
الصديق الوحيد للسياسة الروسية في هذه المرحلة إسرائيل، وحدها في العالم لها مصلحة حقيقية بإبقاء النظام السوري، لأنها تُدرك أن انتصار الربيع العربي الذي سيتبع انهيار الحكم السوري خطر على وجودها، فشعوب ربيع الأمة لن تقبل انتهاك حقوق جزء منها، وهو الشعب الفلسطيني، وسرقة قطعة من أراضيها، وهي فلسطين.
من هنا، يمكن رؤية أن المشترك ونقطة الالتقاء في السياسة الدولية تجاه سورية هي مصلحة إسرائيل وأمنها، وليس مُحاربة الإرهاب، كما يدّعون، فالغرب، بتخبّطه الظاهري، وفشله في دعم الثورة، يُترجم واقعياً، سياسات تتناقض مع مبادئ الديمقراطية المؤسسة له، وحتى لمصالحه المستقبلية، تحت تأثير (ولصالح) اللوبي الصهيوني، الذي ما زال مسيطراً على كثير من مواقع القرار ووسائل الإعلام. وروسيا تتدخل كما تشاء، مدّاً وجزراً، وتتحالف عسكرياً مع من كانوا يعتبرون ألد أعداء إسرائيل، أي إيران وحزب الله، بدون أي احتجاج إسرائيلي، بل أُعطيت لهم كل المباركة والتأييد.
لنفهم بوتين، علينا أن نُدرك خوفه من مطالب الشعب الروسي الديمقراطية. ولنفهم الغرب، علينا أن نُدرك الدور الإسرائيلي، في صياغة سياسات دوله.
قد يكون مستقبل سورية والربيع العربي مرتبطاً، بشكل أو بآخر، بإرساء الديمقراطية الحقيقية في روسيا، وحينها لن تدافع إلا عن مصالح شعبها، وتتضامن مع حراك كل الشعوب، وتدعم حقوقهم بالديمقراطية والعيش الكريم. وقد يكون هروب بوتين الى الأمام "غلطة الشاطر" التي ستُعيد الصحوة والحراك إلى ملايين المقهورين في روسيا، فقد صادر بوتين حقهم بالحياة الكريمة، لصالح إمبراطوريته الوهمية.