تونس التجربة

تونس التجربة

11 أكتوبر 2015

الرباعي التونسي الفائز بجائزة نوبل للسلام

+ الخط -
لم تخرج تونس عن عاداتها. هي السبّاقة في الحراك العربي الأول، وما تلاه من انتخابات وتعديلات دستورية وتناوب على السلطة، من المفترض أن يمثّل نموذجاً يحتذى في الدول العربية التي سارت على الخط التونسي في الثورة على أنظمة الحكم. وها هي تونس اليوم تمارس ريادتها من جديد، بعدما قررت لجنة نوبل النرويجية، الجمعة، منح جائزة نوبل للسلام للعام 2015 للمنظمات الأربع التي قامت بالوساطة في الحوار الوطني في تونس؛ تقديراً "لمساهمتها الحاسمة في بناء ديمقراطية متعددة بعد ثورة الياسمين في العام 2011". 
لا حاجة للقول إن تونس، منذ البداية، كانت استثناء فريداً في الحالة الثورية العربية، بالنظر إلى أوضاع البلدان التي استلهمت من الحراك الشعبي التونسي، وقامت تهتف لإسقاط الأنظمة. هي الوحيدة التي تمكّنت من العبور بين ألغام الثورات المضادة والدولة العميقة، لتضع اللبنة الأولى لنظام عربي ديمقراطي فعلي، قائم على احترام نتائج الانتخابات، والتعايش بين طرفي السلطة والمعارضة في إطار سلمي، يصب، في النهاية، في خدمة النهج التعددي الذي من المفترض أن يكون قائماً في أي نظام ديمقراطي. بالتأكيد، لا يخلو الأمر من منغصات، على غرار الاعتداءات والاغتيالات التي شهدتها البلاد في السنوات الأربع الماضية، لكنها لم تقد الأطراف إلى احتراب أهلي، أو لم تدفع القوى العسكرية إلى استخدامها ذريعة والتدخل لقلب الأمور رأساً على عقب، على غرار ما حدث ويحدث في مصر وليبيا وسورية واليمن.
من المؤكد أن الفرادة التونسية ليست وليدة السنوات الأربع الأخيرة فقط، بل لها امتداد سابق وأرضية تحديثية، أهّلت البلاد لأن تكون أكثر قبولاً للتحول السياسي، وهو ما تفتقده الدول الأخرى التي جاء فيها التغيير بمثابة "قفزة" مفاجئة من حال إلى حال، ما دفعها إلى ما هي عليه اليوم.
الحوار أحد العوامل المفقودة حالياً في الدول العربية الأخرى، القائم فيها الاختلاف على مبدأ التخوين والعداوة وهدر الدماء. ففي عرف الدول العربية الغارقة، الآن، في القتال، لا مجال للتفاهم مع الآخر الممثل لـ "الشر المطلق" الذي لا يمكن للبلاد أن تقوم في وجوده، ولا سبيل للخلاص إلا باجتثاثه نهائياً من المشهد السياسي والميداني، حتى لو كان ثمن ذلك بحوراً من الدماء ودماراً للبلاد واقتتالاً سنوات وسنوات.
كانت الأمور في تونس على وشك أن تتجه إلى هذه الحال، في ظل عمليات الاغتيال والإضرابات الاجتماعية وانقسام البلاد بين معسكرين، إسلامي وعلماني، غير أن جلوس الجميع إلى طاولة تفاوضية، بوساطة من المنظمات الفائزة بنوبل السلام، الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، في صيف 2013، أنقذ عملية الانتقال الديمقراطي، وعلى أساسه أقيمت الهياكل الأولى "لنظام حكم دستوري، يضمن الحقوق الأساسية لجميع السكان بدون شروط تتصل بالجنس والأفكار السياسية والمعتقد الديني"، بحسب ما جاء في بيان لجنة نوبل.
مثل هذه التجربة التونسية، والتي استحقت تكريماً عالمياً، كانت تستأهل أن تكون نموذجاً للتعميم عربياً، على غرار النموذج الذي قدمته تونس أيضاً في ثورتها. ربما لا يكون الأوان قد فات، على الأقل في أغلب الدول العربية التي تشهد حروباً ونزاعات وانقسامات، لاستنساخ فكرة التعايش تحت سقف ضوابط ومحددات سياسية وثقافية واجتماعية، تترك مساحة لأركان أساسية في البلاد لعمل سياسي لا إقصائي.
من حق التونسيين، اليوم، أن يتفاخروا بريادتهم، المعترف فيها دولياً، ومن حقنا أن ننظر بحسد إلى تونس، ونأمل أن تزداد اخضراراً، وتبقى بعيدة عن الحرائق المحيطة في المنطقة.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".