كله عند العرب طبيخ

كله عند العرب طبيخ

10 يناير 2015

يمين ويسار ...

+ الخط -

مَن كان يافعاً في سبعينيات القرن العشرين يتذكر، جيداً، تلك العبارة المشهورة التي كانت فاتحة لجميع التقارير السياسية اليسارية آنذاك، وهي: "لقد أثبتت الأحداث صحة موقفنا المبدئي". وثمة عبارة أخرى لا تقل عنها شهرة هي: "إن عصرنا الراهن هو عصر الثورة العالمية والتحول إلى الاشتراكية بقيادة المنظومة الاشتراكية، وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي".
أثبتت الوقائع، حقاً، أن الأمور جرت على عكس ذلك تماماً، وخلافاً لما كنا نعتقد ونكتب ونتطلع. فالصين اليوم، على سبيل المثال، دولة كبرى، يحكمها الحزب الشيوعي، وهي في الاقتصاد والسياسة والادارة والثقافة وطرائق العيش رأسمالية كلها. وكمبوديا الشيوعية في زمن بول بوت كانت أكثر توحشاً من دولة أبي بكر البغدادي. وفيتنام العظيمة، بثورتها التحررية المدهشة التي قادها هوشي منه والجنرال جياب والحزب الشيوعي، لم تتورع عن اجتياح كمبوديا للاستيلاء على مدخرات الأرز فيها، إبّان المجاعة الفيتنامية التي حاقت بالبلاد والعباد، جراء سوء الإدارة في دولة فيتنام الحرة.
كان اليسار العربي في ذلك الزمان، ومعه اليسار الفلسطيني، لا يكف عن الكلام على "التطور اللارأسمالي". وهذه الخرافة ابتدعها سوسلوف، لمراعاة خواطر جمال عبد الناصر وجوليوس نيريري وعبد الفتاح إسماعيل. ومع ذلك، لم يتمكن اليساريون العرب من إنجاز دراسة واحدة تضاهي كتاب حنا بطاطو عن الطبقات الاجتماعية في العراق، أو كتابه عن فلاحي سورية الذي صدر، أخيراً، عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. واللافت، أيضاً، أن اليسار الفلسطيني الذي برع في لوك العبارات المكرورة والمعادة لم يقدم أي مساهمة نظرية جدية ومعمقة عن فلسطينيي 1948 أو عن سكان المخيمات مثلاً، بل إن ما قدمه ليس أكثر من دراسات وصفية، كانت "أونروا" تصوغ أفضل منها بكثير. وفوق ذلك، فإن اليسار الفلسطيني ما برح يتحدث عن الطبقة العاملة الفلسطينية في إسرائيل مع ما لهذا التعبير من أغلاط تاريخية وعلمية ومنهجية، تتخطى خصوصية الفلسطينيين الذين فقدوا أراضيهم ومدنهم معاً وتحولوا إلى أُجراء هامشيين في المدن اليهودية، ولم يلاحظ تحول الفلسطينيين إلى لاجئين، أي إلى "يد عاملة"، وليس إلى "طبقة عاملة".
نعم، ثمة يد عاملة فلسطينية، أو قوة عاملة فلسطينية. لكن، من المحال ظهور طبقة عاملة بالمعنى التاريخي والسوسيولوجي للعبارة في الأحوال الفلسطينية المعلومة. وبهذا المعيار، فلا طبقة رأسمالية فلسطينية في الشتات. هناك رأسماليون فلسطينيون بالتأكيد، لكن هؤلاء يندرجون في سياق الرأسماليات التي يعملون في إطارها؛ فوجود طبقة يفترض وجود مجتمع ودولة واقتصاد ونمط إنتاج وتراكم تاريخي وفئات اجتماعية موازية أو مطابقة. وعلى الغرار نفسه، يمكننا التساؤل: كيف يمكن أن تنشأ طبقة عاملة في كثير من البلدان العربية، ولا سيما الريعية، والعمال فيها هنود وباكستانيون وبلوش وفيليبينيون وعرب مهاجرون؟ هؤلاء ليسوا طبقة عاملة، بل عمالة مهاجرة غير مستقرة، لا تعرف حتى لغة البلد الذي تعيش فيه. لذلك، ليس غريباً أن يعود ماركسيون كثيرون في لبنان إلى طوائفهم الأصلية، بعد خيبة اليسار اللبناني، وأن يتحالف شيوعي، مثل رياض الترك، مع الإخوان المسلمين، وأن يصبح قادة اليسار الفلسطيني، بعد قيام السلطة الفلسطينية، ناشطين في المجتمع الأهلي القروي، أو قادة للجمعيات المدنية التي تتلقى ميزانياتها من الدول الرأسمالية بشروط معروفة.
سُئل ياسر عرفات، مرة، في مقابلة صحافية: يُقال إنك يميني، فكيف تبرر ذلك كقائد لحركة تحرر وطنية؟ فأجاب باستغراب: أَتقول إنني يميني؟ أنا أتلقى الأموال من دول الخليج العربي لكنني أشتري بها سلاحاً من الصين والاتحاد السوفييتي؟ فمن أكون في رأيك؟ يساري أم يميني؟
مرحباً باليسار، أهلاً باليمين، والعياذ بالله من التكفيريين.