العراق ..الفيدرالية = الانفصال

العراق ..الفيدرالية = الانفصال

09 يناير 2015
+ الخط -

عاد الحديث، في الأيام الأخيرة، عن الفيدرالية، ليطغى على تحركات السياسيين العراقيين وأحاديثهم، وينتقل إلى الأروقة الدولية، في ظل البحث عن حلول ومعالجات للمأزق القائم من جراء عدم التقدم في الحرب ضد "داعش". وصارت مطروحةً على بساط البحث مسألة تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم، كردي، شيعي، سني، محفزاً لتجييش العراقيين في مواجهة الخطر الذي يشكله "داعش" باحتلال قرابة ثلث مساحة البلد.
أول من أعاد إحياء هذه القضية وربطها بعملية الاستنفار ضد "داعش" هو الطرف الكردي الذي اعتبر أن المناطق التي انتزعها من قبضة "داعش" في سنجار، وتلك التي يعمل على استعادتها في كركوك، سيتم ضمها إلى إقليم كردستان. وقال أكثر من مسؤول كردي، بمن فيهم رئيس الإقليم، مسعود البرزاني، إن الأكراد ليسوا على استعداد لتقديم تضحيات من أجل تحرير مناطق من "داعش"، ليتم تسليمها إلى أطراف عراقية أخرى. وجزم الأكراد كذلك بأنهم لن يقاتلوا "داعش" خارج المناطق التي يعتبرونها جزءاً من أراضي إقليم كردستان. ومعنى هذا الكلام أن كلاً من الأقاليم الثلاثة معني ببسط سلطته على الأراضي التي يعتبرها تقع تحت سيادته.
لا يبتعد كلام الأكراد عن مجريات الأمور ميدانيا، على الرغم من أن تصريحاتهم تذهب منحى آخر، فالتناحر الشيعي السني يعد أحد أسباب تعثر الحملة الدولية ضد "داعش"، فالأطراف الشيعية ترى في الصف السني "داعشيا"، ولذا ترفض وتعارض تسليح السنة، بينما يرد السنة على ذلك بأنهم الطرف الوحيد القادر على هزيمة "داعش"، ويستشهدون بتجربة الصحوات التي سبق أن كانت ناجحة.
وفي ظل هذا التنازع، طرحت زيارة رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أخيراً، مدينة البصرة، مسألة الأقاليم من ناحية توزيع العائدات النفطية التي كانت عنواناً للنزاع بين سلفه نوري المالكي والأكراد عدة سنوات. وقدم مجلس محافظة البصرة مرافعة حول ضرورة معاملة البصرة كإقليم، لرفع الظلم الواقع عليها في ما يتعلق بحصتها من عائدات النفط التي قدّرتها الحكومة السابقة بخمسة دولارات عن كل برميل، لكن المحافظة لم تحصل على أكثر من دولار واحد.
ومن يتأمل انعكاسات معاملة كردستان كإقليم على صعيد التنمية، يجد أن من حق الشيعة والسنة أن يشعروا بالغبن الكبير اللاحق بهم، فالأكراد استطاعوا أن يسخّروا المردود النفطي لتطوير وتنمية مناطقهم التي باتت، اليوم، تنافس بعض عواصم الخليج، في حين أن مستوى الحياة في باقي مناطق العراق لا يزال متردياً جداً، إلى حد يمكن تشبيهه بدول فقيرة مثل بنغلاديش، والسبب يعود إلى استئثار الحكومة المركزية، خلال ولايتي نوري المالكي، بثروات البلاد التي نهبتها مافيات محلية ودولية.
ولا تقف مسألة المطالبة بالفيدرالية على أهل الجنوب، بل إن الكتل السنية في الغرب تجدها حلاً يمكنه أن يوفر توزيعاً عادلا للثروة، ويحد من المركزية التي أثبتت فشلها وتمييزها المناطقي والطائفي منذ احتلال العراق. وبعيداً عن مطالب الشيعة والسنة، صار الأكراد في عجالة من أمرهم لتشريع المسألة التي نص عليها دستور عام 2005، بتحويل العراق من دولة بسيطة إلى دولة مركبة اتحادية، ولكن، لم يتم نقل الأمر إلى أرض الواقع، باستثناء كردستان التي تتمتع بوضع خاص منذ عام 1992.
لا يبدو وضع العراق شاذاً عن بعض بلدان العالم العربي التي تعيش، اليوم، نزاعات، مثل اليمن وليبيا، وليس سراً أن الفيدرالية مطروحة بقوة، اليوم، في هذين البلدين خياراً، في وقت تتعذر فيه سبل العيش المشترك، ويهدد الاقتتال الأهلي بإحراق الأخضر واليابس.
الفيدرالية مطروحة هنا خياراً انتقالياً، وهذا يصح حين يتم الانتقال منها إلى الدولة الاتحادية، وليس العكس، لأنها غير ذلك لا تعني إلا الانفصال.

 

1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد