ثقافتهم وثقافتنا

ثقافتهم وثقافتنا

31 يناير 2015

في مسيرة في باريس بعد الاعتداء على "شارلي إيبدو"

+ الخط -
هدأت عاصفة الاحتجاجات الإسلامية على الرسوم التي أعادت مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية نشرها، وانحسر الحديث عن الإرهاب الإسلامي في أوروبا، وصار في الإمكان الكلام بطريقة مختلفة، فلنصغِ إذاً إلى ما يلي: في سنة 1200 ميلادية، أصدر ملك فرنسا، فيليب أوغست، أمراً مَنَعَ عمدة باريس بموجبه من القبض على العلماء والمفكرين. والتزم ملوك بريطانيا جمعيهم، منذ عهد هنري الثالث فصاعداً، حماية الحصانة العلمية لجامعة أوكسفورد وأساتذتها وطلابها. ومنذ أكثر من مئتي عام، كانت الجامعات الأوروبية تناقش، بكل حرية، وجود الله وعذرية مريم وعلاقة المسيح بمريم المجدلية. وأنتجت هذه الجامعات أعظم إنجاز هو البرهان والعقل البرهاني، بينما ظل العرب غارقين في القياس وخرافة الإجماع واستحلاب الجديد من القديم.
في سنة 1994، قال عمر عبد الرحمن، القابع اليوم في أحد سجون الولايات المتحدة الأميركية: "لو قتلنا نجيب محفوظ لما تجرأ سلمان رشدي" (مجلة "الوسط"، 24/10/1994)، فكانت تلك العبارة فتوى لمجموعة من الجهلة الأميين، لكي يبادروا إلى قتل محفوظ. وقبل ذلك في 1992، اغتيل فرج فودة غداة المناظرة المشهورة مع حسن الهضيبي وصلاح أبو إسماعيل. لكن الأنكى أن الشيخ محمد الغزالي لم يتورع في شهادته أمام المحكمة عن القول: "إن فرج فودة بما قاله وفعله كان في حكم المرتد. والمرتد دمه مهدور. والتهمة التي ينبغي أن يحاسب بموجبها الشبان الواقفون في القفص ليست القتل، بل الافتئات على السلطة".
لولا فتوى الإمام الخميني بقتل سلمان رشدي، بعد كتابه "الآيات الشيطانية"، لظل رشدي كاتباً عادياً. واليوم، لولا العجاج الذي أثير في شأن الرسوم الكاريكاتيرية التي نُشرت، أول مرة، في جريدة دنماركية لما عرف بها أحد. لكن العقل الهمجي لدى جماعات إسلامية مسلحة تأبى إلا إثارة الزوابع الدموية، وابتكار المعارك الخاسرة، واكتساب كراهية الشعوب التي يعيش المسلمون في ظهرانيها. فبعد نشر تلك الرسوم في 30/9/2005، خرجت تظاهرات في لندن، وهي ترفع شعارات تقول: "إلى الجحيم أيتها الحرية" و"اذبحوا من يسيء إلى النبي"، و"استأصلوا الذين يسخرون من الإسلام" و"أوروبا ستدفعين الثمن: كارثة 11 سبتمبر في الطريق إليكم".
لا يعلم فقهاء الإرهاب أن التعرض لحرية التعبير في الغرب هو تعرض للمقدسات التي يعتنقها المجتمع الغربي. أما رسم الأنبياء فهو مسألة عادية جداً. وعلى سبيل المثال، عرضت متاجر "كوب دنمارك" أحذية عليها صور المسيح ومريم العذراء، لكنها لم تلبث أن أنزلتها عن الرفوف، بعد رسالة من أسقف مدينة روسكيلد، ولم تقم القيامة. وألغت شركة عطور إعلاناً يتضمن مشهد العشاء الأخير للمسيح، وهو محاط بنساء عاريات، ولم تهب الجماهير المؤمنة لتدمير الشركة. وأظهر فيلم "السلام عليك يا مريم" لجان لوك غودار المسيحَ في صورة طفل سمين، وهي تورية قبيحة، ولم يُقتل غودار. أما مَن قُتل فهو الهولندي تيوفان غوخ، لأنه أخرج فيلم "الخضوع" (2004) عن نصه كتبته الصومالية، أعيان حرزي، تتحدث فيه عن الاضطهاد الذي تلاقيه المرأة في المجتمعات الإسلامية.
هل تسيء الرسوم التي نشرتها مجلة "شارلي إيبدو" إلى مشاعر المسلمين؟ نعم بالتأكيد. لكننا لسنا إزاء إساءة إلى المشاعر، بل أمام جريمة قتل إرهابية. ثم ما بال المسلمين يسيئون، في كل يوم، إلى مقدسات الآخرين، ويسخرون من عقائد المسيحيين والبوذيين والأرواحيين والبرهمانيين؟ ليتوقف المسلمون في أوروبا عن ختان البنات وتعدد الزوجات وذبح الأضاحي في الأحياء الفرنسية ورفع صوت الأذان في الأماكن السكنية، لكيلا يستدرجوا الكراهية إليهم والسخرية منهم. وأبعد من ذلك، هل المطلوب الموت في سبيل الله، أم الحياة في سبيله؟
يحيا الاستعمار إذاً، ولتفرح الصهيونية!

دلالات