استراتيجية إسرائيل لتهويد النقب

استراتيجية إسرائيل لتهويد النقب

27 يناير 2015

مشهد عام لمنطقة وادي النعم في صحراء النقب (14مارس/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

تتجسد مأساة الشعب الفلسطيني في أوضح صورها في منطقة النقب جنوبي فلسطين المحتلة، فمن الاعتقال والملاحقة للشباب العربي وقتلهم، كما حصل في مدينة رهط قبل أيام، مروراً بهدم المنازل وتدمير القرى العربية، وصولاً إلى مصادرة الجيش الإسرائيلي ما تبقى من الأراضي العربية.

وقد زادت الوضع سوءاً الشعارات العنصرية التي أطلقها قادة إسرائيل وأحزابها السياسية في السنوات الأخيرة، والتي تدعو، في مجملها، إلى القيام بحملة تطهير عرقي كبيرة، من أجل طرد العرب الفلسطينيين من أرضهم، ومن بينهم عرب النقب جنوبي فلسطين المحتلة. ولتهيئة الظروف من أجل إفراغ منطقة النقب من أهلها العرب، سعت الحكومات الإسرائيلية، المتعاقبة منذ عام 1948، إلى حرمان العرب هناك من أبسط الحقوق الإنسانية، من تعليم وصحة وخدمات اجتماعية أخرى.

لكن الأخطر ما حدث أخيراً، وتحديداً قتل الشرطة الإسرائيلية يوم الأحد 18-1-2015 شابين من مدينة رهط التي تعتبر أكبر تجمع في صحراء النقب، حيث يقطنها 60 ألف عربي، وقبل ذلك، إزالة الجرافات الإسرائيلية قرية العراقيب في منطقة النقب بشكل كامل 80 مرة، بعد أن أعاد إعمارها أهل القرية، بغية الانقضاض على الوجود العربي في منطقة النقب وتهويدها في نهاية المطاف. ولهذا، باتت الضرورة ملحة لإلقاء الضوء على سياسة إسرائيل، إزاء عرب النقب الذين يواجهون سياسة تهويد محكمة.

الجغرافيا والديموغرافيا

تستحوذ منطقة النقب في جنوب فلسطين المحتلة على أكثر من 50% من مساحة فلسطين التاريخية، البالغة 27009 كيلومترات مربعة، وبفعل الزيادة السكانية العالية بين العرب في تلك المنطقة، ارتفع عددهم من 15 ألفا في 1948 إلى حوالي 200 ألف في بداية العام الحالي 2015 يمثلون 12،5% من إجمالي عدد العرب داخل الخط الأخضر، والمقدر بمليون وستمائة ألف عربي فلسطيني. وقد سعت سلطات الاحتلال، منذ السنوات الأولى لإقامة إسرائيل، إلى السيطرة المباشرة على ما تبقى من أراضي البدو في النقب، لصالح بناء الترسانة العسكرية الإسرائيلية من جهة، وبناء مزارع حكومية وخاصة من جهة أخرى.

وتبعا لذلك، ألزمت السلطات الإسرائيلية أهالي منطقة النقب في بداية السبعينيات تسجيل أرضهم في دائرة ما تسمى هيئة أرض إسرائيل، في وقت تعلم فيه السلطات الإسرائيلية حقيقة عدم احتفاظ غالبية أهالي النقب البدو بمستندات حول ملكيتهم في أراضي النقب والتجمعات والقرى هناك، خصوصاً عاصمة النقب بئر السبع.

ومن الأهمية بمكان الإشارة، أيضاً إلى أن المحاكم الإسرائيلية كانت أقرت في عام 1948 بأنه لا ملكية للبدو في أرضهم وأرض أجدادهم. وبفعل عمليات المصادرة الإسرائيلية المبرمجة منذ عام النكبة، قبل أكثر من 66 عاماً، فإن الحقائق والدراسات المختلفة تفيد بأن مساحة المنطقة المأهولة بالسكان البدو العرب، أصحاب الأرض الأصليين، لا تتعدى 240 ألف دونم من أصل مساحة صحراء النقب، البالغة نحو 13.5 مليون دونم، ومن بين أهم الحجج الإسرائيلية للسيطرة على أراضي البدو في النقب حجة الحفاظ على التنظيم الهيكلي للمنطقة، وضبط عمليات البناء بشكل ممنهج، ناهيك عن الدواعي الأمنية والعسكرية، بغية بناء مزيد من المعسكرات والمصانع العسكرية والمطارات الإسرائيلية في الأراضي العربية، بعد إتمام مصادرتها وتهويدها. ومن بين أهم المفاعلات النووية الإسرائيلية مفاعل ديمونة في صحراء النقب، ويعد من أهم المفاعلات التي تمتلكها إسرائيل.

وقد تمكنت السلطات الإسرائيلية، عبر سياسات ديمغرافية واستيطانية محكمة، من عدم الاعتراف بكل التوسعات العمرانية العربية في منطقة النقب، وقامت السلطات الإسرائيلية بتجميع بدو النقب في مناطق محددة، لأسباب أقلها محاولة كسر التمركز الديمغرافي الشديد للبدو في مناطق لها هوية عربية خالصة، ومن تلك المناطق التي تم إسكان قسم من البدو فيها بلدة مرعيت، وكانت هذه الخطوة بمنزلة اقتلاع وترحيل قسري لعرب النقب في الوقت نفسه.

وثمة مخططات إسرائيلية عديدة لإعادة تجميع عرب النقب في ثلاث مناطق في جنوب فلسطين المحتلة، هي: ديمونا وعراد وبئر السبع. وفي الاتجاه نفسه، قد تتم عمليات التجميع في سبع قرى، عوضا عن 70 قرية بدوية منتشرة في صحراء النقب غير معترف بها أصلا من السلطات والإدارات الإسرائيلية المختلفة، وهو ما سيجعل حياة البدو أكثر هامشية في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية الأخرى.
مخطط برافر

توضح دراسات وجود مخططات استيطانية إسرائيلية رسمية وأكاديمية للانقضاض والسيطرة على ما تبقى من أراضي البدو، في قرى صحراء النقب، لتحويلها إلى مناطق ومزارع عسكرية إسرائيلية. وتشير الدراسات إلى وجود مخططات استيطانية إسرائيلية رسمية، وأكاديمية أيضاً، للانقضاض والسيطرة على ما تبقى من أراضي البدو في قرى صحراء النقب، لتحويلها إلى مناطق ومزارع عسكرية إسرائيلية. وفي هذا السياق، تندرج عملية تدمير قرية العراقيب وإزالتها بالكامل.

واللافت أنه جرى حديث في وسائل الإعلام الإسرائيلية، في أكثر من مناسبة، عن احتمالات مصادرة نحو 800 ألف دونم من أراضي البدو في النقب، في السنوات القليلة المقبلة، ما يجعل البدو العرب يتركزون في مأوى، ولكن من دون الاعتراف بهم مواطنين، لهم حقوق المواطنة الكاملة في دولة تدعي الديمقراطية لمواطنيها.

ومحاولةً منها لتهويد ما تبقى من أراضٍ بحوزة الأقلية العربية داخل الخط الأخضر، وضعت السلطات الإسرائيلية مخططات لتهويد الجليل، وكسر التركز العربي في المنطقة المذكورة، عبر أسماء مختلفة؛ في مقدمتها ما يسمى مشروع تطوير منطقة الجليل، ومشروع نجمة داود لعام 2020، هذا إضافة إلى ظهور مخططات لكسر التركز العربي في منطقة النقب التي تشكل مساحتها 50% من مساحة فلسطين التاريخية، كما أشرنا؛ ومنها "مخطط برافر" الذي يسعى إلى مصادرة 800 ألف دونم؛ وتجميع عرب النقب، وعددهم نحو 200 ألف نسمة، في مساحة هي أقل من 100 ألف دونم، أي على أقل من 1% من مساحة صحراء النقب.

الغائبون الحاضرون

ولقد برزت قضية اللجوء داخل الخط الأخضر، وخصوصاً في منطقتي النقب والجليل، إثر نكبة الفلسطينيين الكبرى في 1948، حيث بقي في المناطق التي أنشئت عليها إسرائيل 156 ألف فلسطيني، فبعد أن سيطر الجيش الإسرائيلي على أملاك اللاجئين وأرضهم، من خلال استصدار ما يسمى قانون الغائبين في 20-3-1950، أصبح الحاضرون في وطنهم، وغير القاطنين في قراهم ومدنهم، غائبين، وصودرت أملاكهم وأراضيهم، وبلغ عدد هؤلاء في 1950 نحو 45 ألف لاجئ فلسطيني، حسب تقرير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في العام المذكور، وقد شرد هؤلاء بفعل ارتكاب المجازر من 44 قرية فلسطينية في عام 1948، وتركز معظمهم في منطقة الجليل في شمال فلسطين. وفي الوسط الفلسطيني والجنوب، وهؤلاء يعانون ظلماً مزدوجاً، فمن جهة هم جزء من الأقلية العربية داخل الخط الأخضر التي تواجه تمييزاً عنصرياً إسرائيلياً، كنموذج خاص في التاريخ الإنساني المعاصر، ومن جهة أخرى، هم مهجرون يعانون جراء عدم القدرة في العودة إلى قرية أو مدينة الأصل التي طردوا منها.


النقب ويهودية الدولة
برزت، أخيراً، نداءات إسرائيلية وشعارات حزبية تؤكد ضرورة تهويد ما تبقى من أرض عربية في صحراء النقب، وقد تنعكس محاولات المؤسسة الإسرائيلية في ترسيخ شعار يهودية الدولة على الأرض، أيضاً على النشاط الاستيطاني الإسرائيلي وتعزيزه في صحراء النقب، لجهة طمس الهوية العربية في تلك المنطقة، وهذا ما اتضح على الأرض في تدمير وإزالة معالم قرية العراقيب في النقب 80 مرة بعد أن أعاد أهلها الشرعيون إعمارها. وقد تستخدم الحكومة الإسرائيلية ومراكز البحث الإسرائيلية مسميات عديدة، تحت ما تسمى عمليات التطوير، من أجل تكثيف الاستيطان وتسمينه، بغية ابتلاع مزيد من أراضي البدو في صحراء النقب.

مما تقدم، اتضحت معاناة عرب النقب، الأمر الذي يتطلب، أكثر من أي وقت مضى، تسليط الضوء على أوضاع العرب داخل الخط الأخضر، خصوصاً في صحراء النقب، وهذا يتطلب فضح السياسات الإسرائيلية المتبعة ضدهم، والهادفة إلى تهجير أكبر عدد ممكن من العرب الفلسطينيين إلى خارج أرضهم، أو إلى إعادة توزيعهم في قرى أخرى، غير قراهم التي ترعرعوا في كنفها، فضلاً عن ابتلاع ما تبقى من أراض عربية في حوزة العرب الفلسطينيين في جنوب فلسطين المحتلة.

واللافت أنه على الرغم من أن الأقلية العربية داخل الخط الأخضر تشكل نحو 20% من إجمالي سكان إسرائيل لا تمتلك تلك الأقلية في أرضها التاريخية سوى 2% من مساحة المنطقة المقامة عليها إسرائيل، الأمر الذي يؤكد خطورة الخطوات الإسرائيلية في تهويد الأرض الفلسطينية، ما يعد ركيزة أساسية في استمرار التوجهات الإسرائيلية وبناء المؤسسات الإسرائيلية، وفرض الأمر الواقع على حساب الشعب الفلسطيني وأرض أجداده.