عن أسرار تمويل "6 أبريل"

عن أسرار تمويل "6 أبريل"

24 يناير 2015

نشطاء في "6 إبريل" يتظاهرون ضد مرسي (6 إبريل/2013/Getty)

+ الخط -
في العلوم السياسية، تعريفات نظرية عديدة لما يطلق عليه المجتمع المدني وعن نشأته وتطوره ودوره ومجالاته، لكن التعريف الشائع أن المجتمع المدني الوسيط بين الدولة والفرد، وهو مجتمع لمجموعة من الأفراد للدفاع عن مصالح فئة ما، أو للدفاع عن مجموعة من الأفكار والمبادئ. ويتميز المجتمع المدني بأن الانضمام إليه طوعي، ولابد من وجود شكل مؤسسي أو هيكلي له، كما أنه يلتزم بالقيم المدنية، ويعمل على نشرها في المجتمع، مثل التراضي والتسامح وقبول الآخر، واحترام الحرية والمواطنة والتعايش السلمي وكيفية إدارة الصراع والخلاف والاختلاف بشكل ديمقراطي وسلمي وراق ومحترم، كما يجب أن تكون له استقلالية عن السلطة، وإن كان هو الوسيط الذي يملأ الفراغ بين الدولة والأسرة والسوق، ولذلك يعتبر جزءاً من النظام السياسي.
وقد يمارس المجتمع المدني دوراً تنمويّاً أو خيريّاً أو خدميّاً أو تثقيفيّاً أو توعويّاً، أو دفاعاً عن الحقوق السياسية أو الاجتماعية أو الدفاع عن البيئة، وكذلك دور الرقابة على السلطة والحكومات، وأيضاً الضغط على البرلمان. ولذلك، تعتبر مظلة المجتمع المدني واسعة، وتشمل الروابط والنقابات والمجتمعات والمؤسسات والمنظمات الحقوقية والاتحادات العمالية والنوادي وجماعات الضغط وجماعات السلام وجماعات البيئة والحركات الشبابية والشبكات الاجتماعية.
وهناك، أيضاً، بعض التعريفات التي تضع الأحزاب السياسية ضمن تصنيفات المجتمع المدني، لأنها تعتبر تجمعات لأفراد للدفاع عن أفكار معينة أو مصالح معينة، وهناك، أيضاً، من يستثني الأحزاب السياسية، ويضعها خارج مظلة أو تصنيفات المجتمع المدني، لأن الأحزاب قد تكون في السلطة يوماً ما، في الدول الديمقراطية، وبذلك قد يحدث تضاد أو ازدواجية في الأدوار بين الحزب الذي قد يمثل السلطة والمجتمع المدني الذي قد يكون في دور رقابي للسلطة أحياناً.
ومنذ نشأة المجتمع المدني في العصر الحديث، وهناك علاقة شد وجذب بين المجتمع المدني والدولة، وهي قد تكون علاقة تكامل وتعاون في الدول الديمقراطية، أو علاقة تصادم وصراع في الدول السلطوية والديكتاتورية. وتلجأ كذلك الأنظمة السلطوية ذات القشرة الديمقراطية أو الديكور الليبرالي إلى اختراق المجتمع ومحاصرته بالقوانين المقيدة التي يتم تجاهلها، إن كانت الجمعيات موالية للنظام الحاكم، كما يحدث في مصر، على سبيل المثال.
وتعتبر قوة المجتمع المدني مؤشراً على قوة الدولة وتماسكها وصعوبة تفكيكها، فالدولة التي فيها مجتمع مدني قوي تعتبر دولة قوية، وهناك تكامل في الأدوار وتعاون، لأنه في حالة الكوارث، أو تهديد الدولة، يقوم المجتمع المدني بسد الفراغ في وقت قصير، أما الدولة التي يحكمها نظام سلطوي، يعمل على حصار المجتمع المدني وإضعافه، فتعتبر دول ضعيفة، لأنه قد يحدث تهديداً للدولة، بمجرد سقوط النظام أو السلطة.
أما القوانين المصرية المتعلقة بالمجتمع المدني، كقانون الجمعيات أو قانون النقابات وغيرها، فليس خافيا أنه تم إعدادها بهدف الحصار والاحتواء والاختراق والتحكم من الحكومة للمجتمع المدني بأشكاله كافة، إلى جانب أنه تم "تفصيلها" منذ أكثر من 30 عاماً، وقبل ظهور الصيغ أو الأنواع أو التجمعات الجديدة التي قد تندرج تحت تصنيف المجتمع المدني، كالحركات
والروابط وجماعات الضغط والتجمعات المدافعة، وهو ما لا نجده في الخارج، ففي الدول الغربية مرونة وسهولة لتسجيل وإشهار أي تصور لأي تجمع أو جماعة، بمجرد الإخطار، طالما أنها لا تشجع على العنف أو الكراهية، وهو ما ليس موجوداً في مصر، حيث تحرص الدولة ممثلة في الحكومة ووزارة التضامن الاجتماعي على التحكم والمنح والمنع والتوجيه والتعطيل والتيسير. وأقرب مثال إلى ذلك حركة 6 أبريل التي ظهرت في 2008 بعد إضراب عمال المحلة، كتجمع شبابي لدعم الحريات والحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وللدفع في اتجاه التحول الديمقراطي من أجل أن تكون مصر دولة حديثه متقدمة. ولكن، بالتأكيد لا يوجد في قانون الجمعيات الأهلية العقيم ما ينطبق على الحركات الشبابية أو الاجتماعية أو مجموعات المدافعة أو الروابط أو أي من الأشكال الجديدة التي تندرج حديثاً كمجتمع مدني، وهو ما استغلته الأنظمة السياسية للهجوم على حركة 6 أبريل المزعجة وتشويهها، فوجدنا الاتهامات نفسها، الكاذبة بالعمالة والخيانة والتمويل الأجنبي، في عهد حسني مبارك، ثم عهد المجلس العسكري، ثم عهد محمد مرسي، ثم عهد عبد الفتاح السيسي، على الرغم من عدم وجود أي إعلان رسمي لهذه الاتهامات الكاذبة حتى الآن.
وبعد قضية المنظمات الأجنبية في 2011، وعلى الرغم من ثبوت أن أحمد ماهر وباقي قيادات "6 أبريل" لا يملكون شيئاً، ولم يتلقوا تمويلاً أجنبيّاً بصوره شخصية، إلا أن الاتهامات الإعلامية لا تزال مستمرة، ما استدعى القيام بخطوة لتقنين وضع الحركة في 2011، على الرغم من أن القانون الحالي لا يلائم نشاط "6 أبريل".
ولكن، تم إشهار مؤسسة شباب 6 أبريل كياناً مؤسساً خاضعاً لإشراف الدولة الممثلة في وزارة التضامن، وكذلك تم إعلان أن للمؤسسة حساب يمكن للدولة متابعته بسهولة، وكذلك يمكن متابعة حسابات الأشخاص، إن وجدت، وذلك لوقف القيل والقال، ولوقف الحملات الإعلامية التي يشنها أتباع السلطة. وعلى الرغم من التقنين والشفافية، لم تتوقف حملات التشويه والتخوين والاتهامات الكاذبة بالتمويل، بل إنه صدر منذ عام حكم من محكمة الأمور المستعجلة بحظر حركة 6 أبريل، بناء على تسريبات مشكوك في صحتها، أو بناء على صور لأشخاص ليس لهم علاقة بـ"6 أبريل". وبالطبع، استغلت الحكومة ذلك الحكم الغريب، وعلى الرغم من أنه من محكمة درجة أولى، إلا أن وزارة التضامن قامت بتعطيل أي نشاط تنموي، أو توعوي أو خدمي للحركة، إلى حين إفتاء الشؤون القانونية للوزارة في ذلك الحكم وتبعاته، وهو ما لم يحدث حتى الآن. وبالتالي، تحظر الوزارة النشاط التنموي للحركة، وتستمر حملات الكذب والاتهامات، ثم يسأل السيسي، بكل براءة مصطنعة، لماذا لا يساعد المجتمع المدني الحكومة في التنمية؟

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017