حديث لبناني ـ سوري

حديث لبناني ـ سوري

24 يناير 2015

لاجئون سوريون في عرسال بين الثلج (9 يناير/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
دار جدال، قبل أيام، بين لبناني وسوري. لم يكن الحديث "عنصرياً"، كما اعتدنا سماعه في الآونة الأخيرة، بل تمحور حول المآسي التي تعرّض لهما لبنان وسورية على التوالي. نقلت الحديث صديقة سورية، على صفحتها في "فيسبوك"، حمل نوعاً من سوريالية غريبة، تسكن لاوعينا المجتمعي في الشرق. لم يشأ الرجلان الحديث عن تشابه الأحداث في بيروت ودمشق، سوى بحجم الدمار الذي لحق بهما. "تفاخرا" في معرض تعدادهما الموت والقتل والخراب اللاحق ببلديهما. سعيا إلى إبراز سوداوية الصورة، لاستقطاب تعاطف مقابل، أو إسكات الآخر، بحجة أن "ألمي أقوى من ألمك".
لم يعد العرب يحتاجون إلى أكثر من هذا. يحتاجون فقط إلى جعل "الألم" شعاراً للاستجداء، لا محطة فاصلة، تنقل المجتمع من الحال السلبية إلى الحال الإيجابية. لا تقتصر المفاخرة على الموضوع العسكري، بل تتعدّاه إلى ملفات عدة. لا جديد، بل فقط تثبيت لـ "تقليد" عربي قديم، بدأ منذ أيام وجود العرب في الأندلس الإسبانية بين عامي 711 و1492. لا تكمن المصيبة في الحديث بين اللبناني والسوري بحدّ ذاته، أو بالتفكير الذي يحتلّ لاوعينا فحسب، بل في أن الأمور تجاوزتنا فعلاً، إلى درجة أنه لا يُمكن القيام بأي ردّ فعل، من دون دفع أثمان باهظة، في نسقٍ ثوروي، يطال العقل قبل الشعارات أو الأهداف المادّية.
ويؤدي انعكاس الحاجة في الشعور بـ "قوة الألم" إلى تراخي ذهنية التغلّب عليه، على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية كافة. ما سيستولد، بالتالي، أجيالاً خاضعة للمنطق الاستسلامي الذي دار في الحديث اللبناني ـ السوري. وتضعنا الحاجة إلى "قوة الألم" في مصاف "الضعيف" الذي يبحث عن "قوي" يحميه، مع العلم أن هذا "القوي" سيأتي لتحقيق مآربه، لا لمعالجة الألم. والأسوأ أن العرب يعلمون أن هذا "القوي" لا يأبه بهم، لكنهم عشقوا لحس المبرد.
لا يثق بعض العرب أن كوارثهم يُمكن أن تكون مفتاحاً لمستقبل أكثر ازدهاراً. التجارب التاريخية ماثلة أمامهم، من الثورة الفرنسية التي تناسلت وتناسخت قروناً، إلى اليابان وألمانيا اللتين دُمّرتا في الحرب العالمية الثانية، إلى دول النمور الآسيوية. لم تتمكن جميع تلك الدول من النهوض سوى بعد الأزمات الدموية. لم تعتنق "الألم" شعاراً ترفعه في وجه جيرانها، بقدر ما قررت العمل على إطاحته، لتحقيق "الثأر" التاريخي، فيُصبح "الألم" جزءاً من ماضٍ سيئ فقط لا غير.
وأبعد من ذلك، لو أن الحوار بين الرجلين أدّى إلى نتيجة إيجابية، يُمكن أن يرتقيا بها معاً، إلى مستوى أعلى من التفكير، لكان الأمر حسناً. لكن، أن يُصبح الحوار مجرّد حاجة إلى تكريس قوة الألم، ضمن مبدأ "أنا الأقوى"، فيعني هذا أن الثنائي سيصلان إلى صدام عبثي، فكري أو غير فكري، سيُرسّخ نمطية اللاوعي لدى شعوب الشرق.
لم يتعلّم بعض العرب أن السبيل الأول للخروج من أي مأزق ينطلق من تغيير طريقة التفكير التي أثبتت عدم نجاعتها عقوداً. لكنهم لا يريدون هذا التغيير. هكذا هم، يرغبون في البقاء في تلك "الشرنقة"، التي لن تستمرّ، إذا حافظت على عزلتها. لا يريد بعض العرب التحرّر من سلبية التفكير، لينطلقوا إلى عالم يتصالحون فيه مع الأفكار الإيجابية، فالحديث السوري اللبناني ليس سوى عيّنة من روايات مشرقية.
لا أحد يتوقع من بلدان "تعتزّ" بأغانيها الحزينة، وتتسابق في إظهار ضعفها، أن تخرج على تاريخها البكّاء، ثائرة على واقع غير سليم. لا أحد يستطيع رؤية دول تعمد إلى إخفاء قلّة حيلتها أمام التحديات، لإبعاد الأنظار عن سلبياتها أو أخطائها أو حتى كسلها، فقط من أجل إيجاد مبرّر لعدم تقدّمها. حقاً، إن بعض العرب خرجوا من العقل مرة واحدة، ولم يعودوا.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".