إعادة حفتر إلى الجيش الليبي

إعادة حفتر إلى الجيش الليبي

11 يناير 2015

قوة من "فجر ليبيا" في عملية قتالية (30 ديسمبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -
يأتي صدور قرار رئيس برلمان "طبرق" في ليبيا، في 3 يناير/ كانون الثاني الجاري، بعودة اللواء المتقاعد والمتمرد، خليفة حفتر، إلى صفوف الجيش الوطني ضمن 129 ضابطاً متقاعداً، في سياق تغيّرات داخلية وإقليمية عديدة ترتبط بالشؤون الليبية. وتكمن أهمية القرار في أنه لا يعيد هيكلة المؤسسات الليبية فقط، لكنه يؤثر على العلاقات السياسية بين الكيانات الليبية، ما يضع البلاد أمام أزمات مزمنة، بسبب غموض خلفيات القرارات المصيرية.
ويعكس صدور القرار من رئيس المجلس، عقيلة صالح، بعد عرضه للتصويت في جلسة سابقة، ارتباط سياسة الحكومة الشرقية لليبيا (طبرق) بقيود داخلية وخارجية. فداخلياً، هناك تباين في المواقف بين الكتل النيابية وصعوبة حسمها عن طريق التصويت أو التوافقات السياسية. أما الجانب الثاني، فقد صدر القرار في سياق زيارة صالح للقاهرة، ما يزيد من احتمالات وجود دور للسياسة المصرية في دعم المسار السياسي والعسكري لحفتر. وعلى أي حال، يبدو بوضوح وجود انقسام بين فريق الكرامة وانهيار الحد الأدنى من مقومات استقلال القرار السياسي.
وعلى الرغم من عدم وضوح عدد المشاركين في جلسات برلمان طبرق، فإن قدرة كتلة
التحالف وحلفائهم (نحو 30 عضواً)، على منع صدور القرار يعكس محدودية النواب، وهو ما يثير الجدل بشأن مشروعية استمرار المجلس في مباشرة سلطاته، على الرغم من إبطال الانتخابات، وعدم توافر نصاب انعقاد الجلسات.

انقسامات "طبرق"
وعلى الرغم من التوافق بين محمود جبريل وعملية الكرامة على استمرار المعارك في كل مناطق ليبيا وانعقاد مجلس النواب في طبرق، فقد كشفت مسيرة المجلس عن وجود اختلاف في المصالح السياسية، حيث شكل اعتراف مجلس النواب بانضواء عملية الكرامة تحت مظلة الجيش الليبي نقطة خلافية بين كتلتي التحالف والفيدراليين، وامتنع التحالف عن تأييد القرار، على اعتبار أن "الكرامة" لا تتمتع بالانضباط السياسي أو العسكري، وتعمل خارج القانون، ولا تخضع لرئاسة الأركان (طبرق)، وتخضع لقيادة من خارج الجيش (حفتر). وعلى الرغم من حجية هذه الوجهة، هناك جانب آخر يفسر موقف التحالف الوطني، حيث قدمت رئاسة الأركان طلباً بإعادة تعيين ضباط مفصولين، وكان خليفة حفتر ضمن القائمة. وهنا كان اعتراض التحالف، ليس فقط على منح "الكرامة" الصفة السياسية والقانونية، ولكن ضمه للجيش، حيث ستعزز هذه الخطوة فرص حفتر في الوصول إلى قيادة الجيش، وتنفيذ مشروعه قائداً سياسياً وعسكرياً.
كما يثير اختلاف النظر للمسار السياسي لدى فريق "الكرامة" أسئلة كثيرة بشأن قدرتها، ليس فقط على تحقيق الاستقرار، ولكن قدرتها على السيطرة على البلاد، وهي في حالة أكثر تفككاً ومن دون إنجاز واضح. وكانت هذه المسألة أهم مظاهر الخلاف بشأن الدور السياسي لحفتر. وهنا تبلورت ثلاثة اتجاهات: فمن جهةٍ، رأى "التحالف الوطني" وجوب تقييد الدور السياسي لحفتر وعدم انفراده بسياسة بناء الجيش، وخلص "الفيدراليون" إلى أن سيطرته على الجيش سوف تضعف فرص طرح خيار الفيدرالية، أما الأعضاء المستقلون، المنتمون للمنطقتين، الجنوبية والغربية، فيرون أن التصورات العسكرية لحفتر سوف تؤدي إلى تهميش مناطقهم في إدارة الدولة والإخلال بتوزيع الثروة والسلطة.

خلافات التحالف والكرامة
وبينما تشير تصورات حفتر إلى اتساع الدور السياسي للجيش، عبر تكوين مجلس عسكري يمثل السلطة التشريعية والتنفيذية، فإن موقف التحالف الوطني يخلص إلى أن إعادة هيكلة الجيش والشرطة تكون في إطار ابتعاد العسكريين عن الشؤون السياسية، بحيث يتم إنشاء المجلس الأعلى للجيش وكذلك المجلس الأعلى للشرطة، كمؤسسات احترافية. وتعد هذه الجزئية نقطة خلاف رئيسية بين الطرفين، ليس فقط لأسباب تتعلق بالديمقراطية وحكم القانون، ولكن لأن اتساع الدور السياسي للجيش سوف يطيح وجود التحالف الوطني والمستقبل السياسي لمحمود جبريل، حيث يتطلع حفتر إلى أن يكون محور السياسة الليبية.
لعلّه من الأهمية لفت الانتباه إلى أن تصورات فريق "الكرامة" اتجهت، بكل وضوح، إلى إجراء تغييرات هيكلية في المؤسسات الليبية، تجاوزت دور المؤتمر الوطني العام كسلطة تشريعية، وهي لا تختلف في جوهرها عن صيغة "المجلس العسكري الأعلى"، والتي يمكن اعتبارها تجاوزاً لمجلس النواب، وترسيخاً للديكتاتورية، ما يثير الجدل حول خصائص المسار
الديمقراطي لدى التحالف الوطني، فهو يتجه إلى تشكيل لجنة، خلافاً للإرادة الشعبية، لتقوم بمهام دستورية. وفي الوقت نفسه، يعلن تأييده دعم عمل مسلح خارج القانون.
وعلى الرغم من كل هذه الاختلافات، أعلن التحالف الوطني مبادرة في 21 مايو/ أيار 2014 لتأييدها، ولكن وفق شرطين: ابتعاد العسكريين عن السياسة والتزام المسار الديمقراطي. وقد وضع التحالف تصوره للانتقال الديمقراطي، بتشكيل لجنة مشتركة من الهيئة التأسيسية والمفوضية الوطنية للانتخابات، وتختص بإصدار التعديلات اللازمة في الإعلان الدستوري، وتسريع إجراء انتخابات مجلس النواب، والإعداد لانتخابات رئاسية مباشرة، قبل نهاية يوليو/ تموز 2014.

الخسائر الدائمة للكرامة
من الناحية العسكرية، منيت "الكرامة" بخسائر متماثلة في المعارك التي خاضتها منذ 16 مايو 2014 في كل أنحاء ليبيا، فكما كانت خسارتها سريعة للعاصمة طرابلس وضواحيها، لم تستطع الحفاظ على مواقعها في بنغازي، على الرغم من الدعم الخارجي، سياسياً وعسكرياً، ما اضطرها إلى الانتقال إلى مرحلة التعبئة والحشد الاجتماعي ضد "فجر ليبيا"، بسبب عدم جدوى الضربات الجوية، حيث اتجهت إلى تكوين ميليشيات قبلية، تحت مظلة برلمان "طبرق"، بما يشكل موجة ثانية لعملية "الكرامة".
ويمكن القول إن استمرار التحالف الوطني (محمود جبريل)، داخل مجلس النواب، يشكل خسارة سياسية، ما يدفع باتجاه إعادة التفكير في ترتيب أوراقه، مرة أخرى، وهو في ذلك الإطار يكون مدفوعاً بعاملين: الخسائر العسكرية الشديدة في غرب البلاد وتفكك الألوية العسكرية المؤيدة لتوجهاته السياسية، خصوصاً بعد سيطرة قوات (فجر ليبيا) على غالبية المدن الغربية، وصولاً إلى مدينة سرت. كما أن الكيانات المنضوية تحت مظلة "التحالف الوطني" صارت أكثر اقتراباً من رئيس مجلس النواب، ومن خليفة حفتر، ما يعكس حدوث تحول في الولاء السياسي، أدى إلى تهميش الدور السياسي لجبريل، في مرحلة مبكرة من الصراع على السلطة، وإغراء أهم حلفائه في المنطقة الشرقية بمناصب دبلوماسية.

التغيّرات الإقليمية
على المستوى الإقليمي، يبدو ثمة اختلاف في المواقف تجاه الصراع في ليبيا، فمن الملاحظ اتساع العلاقات المصرية مع حكومة طبرق، وتوفير الدعم السياسي لها، حيث ظلت تؤكد على شرعية مجلس النواب، بتشكيله المنعقد في طبرق، وتكثف من اتصالاتها مع أركان حكومته ورئيسه. لكن الأكثر أهمية ما يتعلق بالدعم المصري للدور السياسي لحفتر، وتعزيز هيمنته على المؤسسات الليبية، وذلك من دون طرح بدائل تحفظ تماسك الحكومة الليبية في شرق البلاد.
وفي هذا السياق، يمكن تفسير زيارة وفد من الحكومة الليبية (طرابلس) دولة الإمارات، على وجود توجه إلى إعادة ترتيب العلاقات بين الأطراف الليبية، خصوصاً بين "التحالف الوطني" والكيانات السياسية المنضوية تحت مظلة "فجر ليبيا"، حيث إن إلحاق حفتر بالجيش يعكس تطورين شديدي الأهمية: يتمثل الأول في خروج التحالف عملياً من الترتيبات السياسية لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة. أما الثاني، فسوف تنحصر سياسات هيكلة المؤسسات في خيار وحيد، يتعلق بدمج العسكريين في الشؤون السياسية.
وإلى جانب تفكك إنجازاته العسكرية، سوف تواجه مساعي حفتر لتكوين الجيش الليبي قيوداً كثيرة، فهي تحتاج إلى استقرار سياسي وقدرات قيادية تمثل قطيعة مع مرحلة معمر القذافي، بما يؤكد عدم الوصول إلى حكم عسكري، فالقتال الذي خاضه الليبيون، أربع سنوات، ساهم في بلورة كيانات عسكرية ومسلحة، تقاوم لأجل إنهاء فلسفة القذافي في الحكم، وهي على النقيض من جوهر المشروع العسكري لحفتر. وهنا، تبدو أهمية فقدانه التنظيمات السياسية أو العسكرية واعتماده على دمج المتطوعين غير المدربين في الوحدات العسكرية الموالية له في المنطقة الشرقية. وبالتالي، سوف تتركز مواقف "الكرامة" في تبني سياسة تميل إلى إحداث الاضطرابات الأمنية، والسعي نحو الحرب الأهلية من دون وجود بدائل أخرى.
وفي ظل التغيّرات، سوف تكون أمام فرص نجاح عملية الكرامة قيود داخلية وخارجية عديدة، ليس بسبب تنامي الدور السياسي والعسكري لـ"فجر ليبيا"، ولكن، أيضاً، بسبب أن القرارات الأخيرة لرئيس "النواب" سوف تساهم في هدم ما تبقى من مشروعية تتكئ عليها بعض الأطراف الخارجية.

دلالات

5DF040BC-1DB4-4A19-BAE0-BB5A6E4C1C83
خيري عمر

استاذ العلوم السياسية في جامعة صقريا، حصل على الدكتوراة والماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وعمل باحثاً في عدة مراكز بحثية. ونشر مقالات وبحوثاً عديدة عن السياسية في أفريقيا ومصر والشرق الأوسط .