عدوان.. لا إرهاب

عدوان.. لا إرهاب

01 يناير 2015

من أسماء الله الحسنى ... إبداع مغربي (Getty)

+ الخط -

في كل مرة أسمع، أو أقرأ، خبراً يتعلق بالإرهاب، تعاودني رغبتي القديمة بتأصيل هذه المصطلح الذي راج كثيراً، في السنوات الأخيرة، في العالم كله، وخصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 في الولايات المتحدة الأميركية، ومن خلال سياستها وإعلامها أيضاً. لكنني كلما بدأت البحث عن جذور مصطلح "إرهاب"، أصاب بخيبة أمل، وأنا أقارن بين معنى المصطلح في اللغة الإنجليزية (واللغات الغربية عموماً) واللغة العربية.
مَن الذي ترجم مصطلح "Terrorism" الغربي إلى "إرهاب" بالعربية؟ حاولت البحث كثيراً عنه، وفشلت للأسف. مع هذا، أستطيع القول إنه اجتهد وأخطأ، إن كان قد فعلها بحسن نية، أما إن فعلها بسوء نية فقد نجح في مسعاه، حيث ألصق ذلك المصطلح البغيض بنا، عرباً ومسلمين، بطريقة لغوية، ساهمت في ترسيخ صورة العربي والمسلم الإرهابي في العالم كله!
الغريب أننا استسلمنا لتلك الترجمة التي أساءت لنا ولثقافتنا العربية ولديننا الإسلامي، وأصبحنا نستخدمها كما يستخدمها أعداؤنا ضدنا، بل وساهمنا في ترويجها، في كل أدبياتنا، حتى أصبحت واقعاً لغوياً وثقافياً راسخا!
لماذا استسلمنا، نحن كعرب تحديداً، لتلك الترجمة التي تحيلنا إلى معنى قرآني، فريد من نوعه، ورد في أكثر من آية بغير المعنى الذي يشير إليه المصطح الحديث؟ لماذا لم ندقق في تلك الكلمة التي وردت بمشتقاتها في القرآن الكريم بمعانٍ، ليس منها ذلك المعنى المشاع راهناً؟
لماذا لم ينتبه العرب، كسياسيين ولغويين ومترجمين واصطلاحيين، لذلك الخلط الشنيع الذي أحدثته الكلمة، بصورتها العربية، ما بين مفاهيم ثقافية عربية وإسلامية كثيرة، في مقدمتها مفهوم الجهاد الذي شُوِّه تماماً، واتخذه بعضنا، نحن العرب، مادة للسخرية، بدلاً من أن يكون أسلوباً لترسيخ الحياة الحرة في المجتمعات الحرة؟
لم ترد تلك الكلمة بمشتقاتها في القرآن، ولا في لغة العرب، مرة واحدة في معنى من المعاني التي تشير إليها التعريفات الغربية للمصطلح، وأمامي، الآن، عدة تعريفات، جمعتها من مصادر مختلفة، تشترك كلها في الإشارة إلى الإرهاب باعتباره "عملاً عنيفاً أو عملاً يشكل خطراً على الحياة الإنسانية، وينتهك حرمة القوانين الجنائية في أية دولة"، فهل هذا النوع من التهديد هو ما تشير إليه كلمة إرهاب في اللغة العربية، وفي القرآن الكريم تحديداً؟ بالتأكيد لا، وأي لغوي مبتدئ يعرف أن هناك فرقاً شاسعاً جداً بين الكلمة القرآنية، في أصلها العربي، ومعناها مصطلحاً حديثاً. ومع هذا، استسلمنا لتلك الترجمة، بدلاً من تصحيح الأمر، بالبحث عن مقابل دقيق للمصطلح، ينفي عن ثقافتنا العربية وديننا الإسلامي بعضاً من الظلال السوداء التي حاول كثيرون إلقاءها عليهما، وترسيخ ذلك في نفوس الناشئة والعامة من العرب والمسلمين، لغوياً على الأقل.
ولو كنت أنا أول مَن ترجم ذلك المصطلح الغربي إلى اللغة العربية، لترجمته بكلمة عربية واضحة المعنى والدلالة، حتى في سياقها القرآني، وهي كلمة "العدوان"، التي لم ترد في اللغة العربية والقرآن الكريم إلا في ظلال معنوية سلبية، على عكس كلمة الإرهاب المرتبطة بمعنى الخشية ذات النزعة الإيجابية.
قد ينظر بعضهم لهذه المسألة، الآن، باعتبارها ترفاً لغوياً زائداً، ولا مجال للبحث فيه، بعد أن انتشر المصطلح، وراج بين العرب، لكنني لا أراها كذلك، وأرى أنها مسألة مهمة جداً، في نضالنا ضد كل مَن يحاول تشويه الدين الإسلامي والثقافة العربية، ويحاربهما بحجة الحرب على الإرهاب، فعلى الأقل، علينا ألا نوافقه على استخدام أسلحته المزيفة، ونستخدمها مثله في تلك الحرب غير العادلة. وسأبدأ بنفسي، لن أستخدم مصصلح "إرهاب" بعد الآن، في معناه الشائع ترجمة لـ"Terrorism"، وسأستخدم بدلاً منه مصطلح "عدوان"... هل من رفيق؟

 

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.