طهران وخيوط اللعبة

طهران وخيوط اللعبة

28 سبتمبر 2014

صحفيون يراقبون الضربات الجوية الموجهة لـ"داعش" (26سبتمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

بدأ هدير طائرات التحالف الغربي-العربي خرق الأجواء السورية، ودك معاقل "داعش" و"النصرة" وأخواتهما. حزم باراك أوباما أمره، وقرّر التصدي لهذه الظاهرة البربرية والاستئصالية الجديدة على طريقته التي تنم عن تردد وحذر شديديْن. لم يشأ ضرب النظام السوري وبنيته العسكرية، على الرغم من موجة الاشمئزاز والتعاطف الواسعين في العالم، إثر استعمال بشار الأسد، صيف العام الماضي، السلاح الكيماوي ضد الشعب السوري، و"فضّل" التصدّي لهذا الوحش الذي صنعه النظام السوري نفسه، بعد أن تمدد وتحوّل إلى أخطبوط، يمسك بخناق أكثر من دولة عربية، ويهدد أمن الغرب.

ولا شك في أن قرار المواجهة هذا ستترتب عليه مضاعفاتٌ خطيرة، من شأنها أن تغيّر وجه المنطقة. إذ هناك أربعون دولة، في مقدمتها خمس عربية، لم يكن ممكناً صياغة التحالف الدولي من دونها، لاعتباراتٍ عديدة وأساسية، أهمها العامل المذهبي-الديموغرافي-البنيوي المتأصل في تركيبة شعوب المنطقة، فالحرب تشن، اليوم، على مُكوّن أكثري سنّي الانتماء، كَبر وغُذّي وانتفخ وتوحش، وقرّر التصدي للنفوذ الايراني وأذرعه الممتدة من الخليج إلى المحيط، ومن البحر المتوسط إلى البحر الأحمر، من دمشق وبيروت إلى بغداد ثم صنعاء، والحبل على الجرار. ومواجهته والتصدي له لا يمكن إلا أن تكون على الأقل "مطعمة من جنسه"، والخطر يشمل الجميع.

يتقدّم هذا التحالف الولايات المتحدة التي بدأت شن غاراتها في العراق، معقل "دولة الخلافة الإسلامية" منذ نحو شهرين، وها هي، اليوم، تتصدر الغارات على سورية، أرض منبت "داعش". في العراق، بدأت الحملة بعد إزاحة نوري المالكي، رجل طهران في السلطة، ووافقت طهران على مضض، لعدم قدرتها على الاستمرار في دعمه، بعد أن قام عليه بنو جلدته الشيعة أنفسهم، ولعلمها، أيضاً، أنها، في مطلق الأحوال، تبقى حاضرة في أرض الرافدين التي باتت أشبه بمحمية إيرانية. فالخوف من "داعش" فرض وجود الأميرال الإيراني، قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس"، شخصياً على الأرض للدفاع عن بغداد، باعتراف النائب الإيراني، علي رضا زاكاني، المقرب من مرشد الثورة، علي خامنئي.

وفي سورية، "تعاونت" طهران وواشنطن، كل من منطلقاتها وحساباتها، على إبقاء الأسد في السلطة. فخامنئي دفع "الحرس الثوري" و"حزب الله" وميليشيات شيعية عراقية أخرى للقتال دفاعاً عن النظام، لكي يبقى ورقة تفاوض قوية بيده، وأوباما رفض دعم المعارضة السورية وتسليحها، بحجة عدم تقوية المجموعات المتطرفة والإرهابية، وها هو، اليوم، يضطر إلى تشكيل تحالف دولي لضربها.   

وطالما أن "داعش" أصبح يشكل خطراً على الجميع، فلماذا لم تشارك إيران في الحملة، أو لماذا لم يتم إشراكها فيها؟ فها هي "الدولة الإسلامية في العراق والشام" تسيطر على قسم من شمالي سورية، وتزحف نحو لبنان، وتسيطر على محافظات عراقية، وتقترب من بغداد. لم يجد زاكاني أي حرج في القول أمام برلمان بلاده إن "ثلاث عواصم عربية باتت بيد إيران، بيروت ودمشق وبغداد، وقبل أيام لحقتها رابعة هي صنعاء"، إلى درجة قوله إن "ثورة الحوثيين في اليمن امتداد للثورة الخمينية". فإذا كان هذا الكلام حقيقياً وواقعياً، فلماذا يجب أن تشارك طهران في حملة أميركية تهدف إلى "استعادة" هذه العواصم؟

أعلنت الإدارة الأميركية أنها لم تطلب من إيران المشاركة في "التحالف الدولي" الذي شُكل، والقيادة الإيرانية تؤكد أنه طلب منها المشاركة ورفضت. وبغض النظر عن صحة ما يقوله الطرفان، لا مصلحة لواشنطن في إشراك طهران في "قتال السنة"، ولا الدول العربية المشاركة، السعودية والإمارات والبحرين والأردن وقطر، ترضى بأن تشارك طهران التي تسعى إلى بسط نفوذها عربياً والهيمنة على منطقة الخليج، وتحريك المشاريع المذهبية والفتنوية في داخل هذه الدول.

في المقابل، لا مصلحة لإيران الشيعية في المشاركة في القتال، وتأجيج مشاعر العداء السنّي لها أكثر مما هي عليه، ولا هي تريد مساعدة "الشيطان الأكبر" على تحقيق مكاسب عسكرية واستراتيجية على الأرض، من شأنها أن تعيد خلط الأوراق في الشرق الأوسط. ولكن، في الوقت عينه، سيكون نظام الملالي سعيداً إذا تمكن "التحالف الدولي" من ضرب "داعش" الذي بات يشكل خطراً على "منجزاته" في سورية والعراق.

لذلك، تستمر طهران في التواصل والتفاوض مع الإدارة الأميركية، وعينها على ملفها النووي، تاركة للأسد فتات التغني بالسيادة، وتوسل إشراكه، أو التنسيق معه، في عمليات الإغارة على مواقع "داعش"، علماً أنه لم يفعل ذلك في الأشهر الماضية.

5231ACF6-F862-4372-9158-B1655EE52A60
سعد كيوان

صحافي وكاتب لبناني، عمل في عدة صحف لبنانية وعربية وأجنبية.