سجال حلّ الإخوان المسلمين

سجال حلّ الإخوان المسلمين

27 سبتمبر 2014

اعتداء على مقر جماعة الإخوان في القاهرة (1يوليو/2013/Getty)

+ الخط -

مع تصاعد الضغوط السياسية التي تتعرض لها جماعة الإخوان المسلمين في مصر، منذ ثورة 25 يناير 2011، وقبل أن تصل الجماعة إلى سدة الحكم، بعد فوز جناحها السياسي، حزب الحرية والعدالة، في الانتخابات البرلمانية 2011، وفوز مرشحها الدكتور محمد مرسي في انتخابات الرئاسة 2012، ونالها ما نالها من هجوم ومحاولات تشويه، ونشر شائعات واتهامات، معظمها كان مغلوطاً وغير دقيق، حتى جاء الانقلاب العسكري الذي شهدته مصر في الثالث من يوليو/تموز 2013، ليشكل بداية مرحلة من الوحشية والدموية في مواجهة الجماعة، سواء بقتل نحو 10 آلاف من أنصارها، أو اعتقال نحو 40 ألفاً من المؤيدين لها، وصدور آلاف الأحكام القضائية المسيسة بحق قادتها ورموزها، وصدور أحكام إدارية بحل حزبها السياسي، وكذلك صدور قرار حكومي باعتبارها جماعة إرهابية.

وامتدت نيران الحملة الشرسة التي يشنها حكام مصر من العسكر، بعد الانقلاب ضد الجماعة، إلى دولٍ في الجوار الجغرافي لمصر، كما في ليبيا والسودان، بل وملاحقة الجماعة في دول عديدة، تحت فزاعة كبيرة، رفعها قائد الانقلاب العسكري هي "محاربة الإرهاب"، والتي ما جاءت إلا للقيام بهذه المهمة، في هذه المرحلة التاريخية في المنطقة العربية.
ومع اشتداد وطأة هذه الأزمة، بل الكارثة التي تواجه الجماعة، طرح بعضهم بديل "حل الجماعة"، بمبررات لعل في مقدمتها، من وجهة نظر مؤيدي هذا الطرح، أن الجماعة فشلت في انتهاز الفرصة التي أتيحت لها بعد ثورة يناير، في تقديم نموذج إسلامي مستنير للحكم، على الرغم مما تمتلكه من خبرة سياسية، تمتد أكثر من ثمانية عقود منذ تأسيسها عام 1928، ما ظهر واضحاً في نقص الخبرات والكفاءات والقيادات القادرة على إدارة تحديات المرحلة الانتقالية في مصر، وهو ما سمح لخصومها النيل منها وتشويه صورتها، وهو ما ظهر جلياً في معدلات الشعبية التي تتمتع بها، والتي انخفضت بشكل كبير في نهاية العام الأول من حكم مرسي.

وثانياً أن الجماعة، على الرغم من أنها تمثل العمود الفقرى لمواجهة الانقلاب العسكري، وتحالف دعم الشرعية الذي تأسس دفاعاً عن شرعية دستور 2012، وشرعية محمد مرسي، والحفاظ على مبادئ ثورة يناير، فإنها لم تنجح في تحقيق نجاحاتٍ حقيقية في هذه المواجهة، بل على العكس تزداد السلطة العسكرية التي تشكلت بعد الانقلاب ترسخاً وثباتاً، وتفرض مزيداً من هيمنتها على مقدرات الدولة والمجتمع، حتى ولو كانت هذه الهيمنة عبر آلتها الأمنية والقمعية.

ويرد أنصار هذه الرؤية عدم نجاح الجماعة إلى اعتبارات عديدة، منها شيخوخة القيادة، وتقليدية السياسات وعدم ثورية القرارات، وهيمنة النظرة التنظيمية على إدارتها المشهد في مواجهة الانقلاب، وعدم مراعاتها المتغير الجديد، المتمثل في تصاعد دور الشباب في الحراك الثوري الميداني، وتحجيم هذا الدور عبر قرارات وإجراءات وممارسات تنظيمية في معظمها.

المبرر الثالث الذي يقدمه أنصار هذا الطرح ومؤيدو حل جماعة الإخوان المسلمين، أن حل الجماعة يُجنب قادتها والمحسوبين عليها والمنتمين إليها الملاحقات الداخلية والخارجية، ويسقط الحجة التي يتذرع بها قادة الانقلاب في التوسع في استخدام القمع والقهر، ويحرمهم من مبررات المواجهة، لأنه لم يعد هناك جماعة، بالأساس تحمل هذا الاسم. ورابع المبررات أن بديل حل الجماعة قد يكون وسيلة لأخذ استراحة محارب، وبالتالي لإعادة البناء ومراجعة الرؤى والمرجعيات والهياكل والتنظيمات، وكذلك الممارسات والإجراءات، والاستفادة في ذلك من تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا، والذي تعرض لأزمات عديدة، وإلى الحل أكثر من مرة في الثمانينيات والتسعينيات، ثم عاد قوياً ليهيمن على الحياة السياسية في تركيا منذ عام 2002، ويحقق من الإنجازات ما يشبه المعجزة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تركيا.

هذا عن حجج أنصار فكرة "حل الجماعة"، والداعين إليها ومروجيها، فماذا عن تبعات مثل هذه الفكرة وتداعياتها حال تطبيقها. أما حجج أنصار استمرار الجماعة مع إعادة هيكلتها، فكرياً وسياسياً وتنظيمياً، فأُولاها أن إعلان الحل يؤدي إلى أزمة فكرية شديدة بين أبناء الجماعة وأنصارها، والذين تربوا على مبادئ الجماعة وقيمها عبر ثمانية عقود، وإعلان الحل يعني، بالنسبة لهم، عجزاً وعدم قدرة على إدارة الأزمة التي تتعرض لها الجماعة، منذ الانقلاب العسكري. والثانية أن إعلان الحل سيعطي الفرصة لقادة الانقلاب وآلته الإعلامية، لمزيد من الحشد والتعبئة ضد الجماعة وتاريخها، والاستمرار في سياساتهم الإقصائية الاستبدادية، في ظل وجود قضاء مسيس ودولة عميقة متواطئة، ضد ثورة يناير والمدافعين عنها، وفي مقدمتهم الإخوان المسلمين.

المبرر الثالث أنه إذا كان من بين أهداف "أطروحة الحل" وقف الهجمة الشرسة التي يتعرض لها أبناء الجماعة وأنصارها من قادة الانقلاب ومؤيديه، فإنه لا توجد ضمانات حقيقية لذلك أمام هيمنة الأجهزة الأمنية على مقدرات الدولة السياسية والاقتصادية والإعلامية، واستغلالها في إطاحة معارضيها، وخصوصاً مع وجود بيئة دولية وإقليمية، حاضنة للانقلاب العسكري وقادته وداعمة له، وتستخدمه أداة لتنفيذ أجنداتها في المنطقة. ورابعاً أن الجماعة لا تمارس فقط عملاً سياسياً، ولا تسعى فقط إلى أداء دور سياسي، لكنها، عبر تاريخها، تمارس أدواراً اقتصادية واجتماعية وتربوية وصحية وخدمية ودعوية وفكرية عديدة، ولم يعد هذا الدور قاصراً على مصر، لكنه امتد عبر عشرات الدول، ومن الصعب، إن لم يكن من المستحيل، إعلان "حل الجماعة" لما يمثله من هدم لبناء ترسخت جذوره عبر عقود، حتى لو كانت هناك أخطاء في الممارسة في جانب من الجوانب الحياتية.

المبرر الخامس، أن الحديث عن "حل الجماعة"، باعتباره استراحة محارب غير منطقي، لأن المنطقي أن المحارب لا يستريح، بل يقوم بالتطوير والتحديث والإصلاح، وهو صامد على الحدود والثغور التي يتولى عبء الدفاع عنها وحمايتها، ولذلك، لا مجال للاستراحة، خصوصاً أن منطق الجماعات يقوم على ضرورة تعرضها للأزمات، وعليها أن تُطور من أساليب مواجهتها وإدارتها هذه الأزمات، ولو كانت كارثية. وسادساً، هناك فرق كبير بين مفهومي الهدم وإعادة الهيكلة، وفكرة الحل أقرب للهدم منها للبناء، أما إعادة الهيكلة فتقوم، في جوهرها، على المراجعة الدورية للرؤى والتصورات، للأهداف والغايات، للخطط والسياسات، للإجراءات والممارسات. وهو ما يمكن أن يتم، وبشكل جاد وحاسم وجذري، من دون إعلان حل الجماعة، بل التأكيد على الاستمرار والاستقرار مع التطوير والتغيير.

وبين هذين الفريقين، تأتي أهمية التأكيد على أن القدرة على البقاء من عدمها، والقدرة على الاستمرار من عدمه، تبقى رهناً بقدرة التنظيم (أي تنظيم)، وبقدرة الجماعة (أية جماعة)، على إدراك المتغيرات والتحولات التي تمر بها، والفاعلية في التعاطي معها، والتجديد المستمر في رؤاها وأهدافها ورموزها وقادتها وخططها وممارساتها، وكذلك قدرتها المستمرة على بناء التحالفات، واحتواء الصراعات والانشقاقات، والتفاعل مع الخصوم والمعارضين بشكل يضمن بقاء القضايا الخلافية عند حدودها الدنيا، في إطار من النزاهة والشفافية.

A57B9A07-71B2-477E-9F21-8A109AA3A73D
عصام عبد الشافي

باحث وأكاديمي مصري، دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية، يعمل أستاذاً للعلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة رشد التركية، من مؤلفاته: البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه المملكة العربية السعودية (2013)، السياسة الأمريكية والثورة المصرية (2014).