العقارب العنصرية مرة ثانية

العقارب العنصرية مرة ثانية

20 سبتمبر 2014

تبارى بعضهم في لبنان في إرهاب النازحين السوريين (Getty)

+ الخط -

أكثر الكلمات انحطاطاً في المجتمعات الحديثة هي العنصرية: إنها عار، وفي لبنان ما برحت العنصرية تنبعث وتتجدد، لا على أيدي عنصريين معروفين، أمثال إتيان صقر (أبو أرز) ووليد فارس ومي المر وسعيد عقل وفؤاد أفرام البستاني، بل على أيدي رعاع الطوائف التي تحميهم طوائفهم وأحزابهم الطائفية. وقد بلغت العنصرية مستوى من النذالة، لم تبلغه أي عنصرية أخرى في المنطقة العربية، حتى الإسرائيلية (مع التحفظ). ففي الثامن من سبتمبر/أيلول الحالي، عمدت إحدى المجموعات المنحطة إلى تكبيل شابين سوريين في وسط الطريق عند المدخل الجنوبي لمدينة بعلبك، ليكونا "فرجة" للعابرين. وفرضت بعض البلدات "منع التجول" على النازحين، بعد التاسعة ليلاً. واستفاق أهالي القليعة في الجنوب اللبناني في 14/9/2014 على منشوراتٍ، تدعو إلى طرد السوريين. وأنذر مختار عين عرب، المقيمين السوريين في البلدة بالمغادرة. وفي بلدتي تولين وعِبّا في الجنوب، تبارى البعض في إرهاب السوريين، وعمد شاب من جبشيت (مقيم في عبّا) إلى جمع ثلاثة أطفال سوريين، واستل سكيناً ثم راح يهددهم بالذبح، وصوّر المشهد بهاتفه وتناقله أمثاله. وفي منطقة راشيا أطلق أشخاص "من جماعة" وليد جنبلاط (بحسب تعبيره) النار على سيارة فيها سوريون، فقُتل أحد الركاب، وتعقب المجرمون الجرحى إلى المستشفيات، وضربوهم في الأسرّة. والمعروف أن الاعتداء على النازحين السوريين باللكم والرفس وحرق الخيم حالة يومية في مناطق لبنانية كثيرة، علاوة على الإهانات بالشتم عند الحدود وفي المراكز الرسمية.
 
معظم هذه الاعتداءات يحدث في الجنوب اللبناني وفي البقاع وعكار. ومن المؤكد أن المجموعات العنصرية الوضيعة لا تلجأ إلى هذا الطراز من الاعتداءات، لولا توفر الحماية لها من جهات حزبية نافذة. وبات من الواضح أن لهذه الاعتداءات دوافع مذهبية خفية وظاهرة. فالشيعة باتوا ينظرون إلى السوريين القاطنين بين ظهرانيهم على أنهم سُنّة مؤيدون للمعارضة. وعيون السُنّة تراهم مؤيدين للنظام. بينما الحقيقة أنهم هَجَروا بلادهم إلى مكان يدعى لبنان، هرباً من قصف النظام وعسف النصرة وداعش وغيرهما، وها هم، الآن، يُهجَّرون إلى حيث لا مكان، فيحملون أمتعتهم كالهائمين، ولا يعرفون إلى أين يتجهون.
* * *
لم يحتج المثقفون اللبنانيون على هذه العنصرية، إلا قلة منهم، فكأنهم، بتواطئهم مع العنصريين، يرفعون المسدسات ضد النازحين. ويتحمل حزب الله وحركة أمل المسؤولية المباشرة عن هذه الأعمال، وتتحمل السلطات اللبنانية المسؤولية المباشرة والمسؤولية التقصيرية عن عدم حماية النازحين.

إنهم لا يحبون السوريين! لا بأس، فهذا شأنهم. لكنهم، جميعاً، كانوا، إلى أمد قريب، يقبّلون أكتافهم ويمسحون المقاعد تحتهم. ويكذب الوزراء اللبنانيون، في كل يوم، حين يزعمون أن الحكومة اللبنانية ما عادت قادرة على تأمين الأموال لرعاية السوريين، كأنها تقدم لهم الرعاية حقاً، الأمر الذي يذكّرنا بالنكتة اليهودية: شكا يهودي لصديقه بعض مشكلاته مع زوجته فقال: أتعبتني زوجتي كثيراً، فهي لا تنفك طالبة النقود في كل يوم. في أول الشهر طلبت 500 شيكل، وبعد أسبوع طلبت 400 شيكل، وطلبت 700 شيكل منذ عشرة أيام. واليوم قبل نهاية الشهر تريد 100 شيكل. فقال له صديقه: كم أصبح المجموع؟ فأجابه اليهودي: لا أدري. فأنا لم أدفع لها أي شيكل حتى الآن.

* * *
العنصرية في لبنان لا تحتاج إلى تحليل سوسيولوجي أو تاريخي أو ثقافي، بل تحتاج إلى مَن يحطم أيدي العنصرين، حتى يكفّوا عن عنصريتهم. وحين تصبح العنصرية جريمة سافلة، يعاقب عليها القانون اللبناني، عند ذلك، يمكننا الإقرار بأن لبنان بدأ رحلة الانتقال من الهَمجية إلى التحضر.