هل من استراتيجية جديدة في العراق؟

هل من استراتيجية جديدة في العراق؟

19 سبتمبر 2014

الضرورة تقضي باتباع خطط عسكرية جديدة (Getty)

+ الخط -

يحدث في العراق، منذ ثلاثة أشهر، على يد تنظيم "الدولة الإسلامية"، وخصوصاً بعد سقوط الموصل وفقدان ثلث أراضي العراق، اضطهاد للناس وقتل وتهجير وقطع للرؤوس وتفجير للجوامع والكنائس والسيطرة على أملاك وأموال وعقارات وملاحقات واختطاف وسبي للنساء وجرائم بحق العراقيين المتنوعين في الموصل ولواحقها، من المسلمين والمسيحيين واليزيدية والكرد والتركمان والأرمن والشبك وغيرهم، وبحق كل الطيف المجتمعي. وعلى الرغم من جملة المساعدات لآلاف من المهجّرين وصلت من دول أوروبية، إلا أن العالم حبس أنفاسه عندما قطعت رقبتا أميركيين، وكذلك لما تمدّدت داعش في كل من سورية والعراق، وزحفت نحو أربيل، عاصمة إقليم كردستان، في حين لم يقف أحد لمواجهة الزاحفين نحو الموصل وسقوطها بأيديهم. ويعتقد كثيرون أن ما حدث رد فعل جراء السياسات السيئة التي اتبعتها حكومة نوري المالكي السابقة، بل ويعتبرون المالكي نفسه ضالعاً ومسؤولاً عن كل ما حدث، وظن أن اللعبة ستبقيه على رأس السلطة، لكنه رضخ للهزيمة، فانبثقت حكومة جديدة.

ولكن، ما المسؤولية التي يمكن أن تضطلع بها هذه الحكومة؟ وكيف ستواجه التحديات القادمة؟ وهل ستبقى من دون تأسيس استراتيجية جديدة، من أجل التغيير الذي يطالب به معظم العراقيين؟ أتمنى على الحكومة الجديدة تطبيق ما جاء من مواد في برنامجها الذي طرح، قبل أيام، ولكن، هل سيجري تنفيذ ذلك؟ وأقصد تغيير السياسة التي اتبعها المالكي ثماني سنوات مضت.

ثمة تعقيدات لوجستية في الإقليم، خصوصاً مع حكومة عراقية جديدة غير مكتملة، إذ تخلو، حتى اليوم، من وزيرين لكل من الدفاع والداخلية وحقائب أخرى. فمتى سيجري اختيار وزيرين مستقلين قويين لبدء سياسة داخلية أمنية جديدة وسياسة دفاعية جديدة؟ ما موقف الحكومة الجديدة، سياسياً، إزاء إبعاد التحالف الدولي النظامين السوري والإيراني عن التحالف؟ ولا يعرف، حتى اليوم، ما طبيعة موقف الحكومة العراقية المركزية من العلاقة مع إيران التي لها أجندتها المشتركة معها وهيمنتها عليها؟ وما طبيعة موقفها، أيضاً، من النظام السوري الذي كانت حكومة المالكي السابقة مؤيدة له؟

وثمة تحديات ومخاطر عديدة تنذر بأن الاستراتيجية الأميركية الجديدة لن تكون بهذه البساطة عندما ستفرض قوتها في الجو، واعتمادها في الأرض على العراقيين، فهل فكرت الحكومة العراقية في أية خطط فاعلة على الأرض؟ هل ستصغي إلى ما سيقوله لها الأميركيون، أم ستبقى ألعوبة بيد النظام الإيراني؟ هل بدأت الحكومة العراقية طرح خطط جديدة من أجل بناء علاقات داخلية طبيعية مع كل العراقيين؟ هل ستنجح الدبلوماسية العراقية في عهد الوزارة الجديدة بتحقيق الممكن في تبديل ما انتهجته الحكومة السابقة من مواقف متشنجة مع الآخرين؟ وهل سينجح إبراهيم الجعفري في قيادة الدبلوماسية العراقية في أحرج وقت يمر به العراق؟ كنت أتمنى أن تمنح هذه الحقيبة لشخصية عراقية أخرى، لها إمكاناتها وباعها في العلاقات الدولية والإقليمية.

السؤال الأهم: هل ستكون للحكومة الجديدة سياسات جديدة في تجسير الهوّة بين السنّة والشيعة في العراق، بعيداً عن المنزلق الطائفي الذي مزّق المجتمع العراقي شرّ مُمزّق؟ على الحكومة العراقية الجديدة أن تدرك أن ثمة علاجات واقية وسريعة للعراق، تتمثّل في عملها على كسر الحواجز الطائفية بين أبناء الشعب العراقي، وكسب ثقة العراقيين جميعاً في مواجهة أخطار جسيمة كانت الحكومة السابقة سبباً رئيسياً فيها، وفي ضياع العراق؟ وعلى الحكومة الجديدة اتخاذ إجراءات سريعة من أجل إنقاذ العراقيين المهجّرين، مهما كانت أديانهم ومهما كانت مذاهبهم وأطيافهم، وإعادتهم إلى ديارهم، فما يعاني منه هؤلاء هو أنهم قد أصبحوا بين المطرقة والسندان، أي بين اضطهاد الميليشيات الطائفية والمنظمات الإرهابية.

إذا لم تحدث الحكومة الجديدة تغييراً جذرياً، وبقيت تأمل في أن يتحقق النصر من خلال التحالف الدولي بقيادة الأميركيين ضد داعش، فهي واهمة، إذ ستكون الحرب المقبلة مأساوية، ما لم يكن في العراق أي "مشروع وطني" يعيد اللحمة بين أبناء البلد الواحد، ويعيد العلاقة العضوية بين المركز وإقليم كردستان، من أجل مواجهة التحديات الصعبة، والأهم من هذا وذاك أن يجري ترتيب أولويات بشأن ذلك كله في تشريعات وقوانين رسمية تحرّم أية نزعات وعمليات تعمل ضد المشروع الوطني. ولو غيّرت الحكومة الجديدة سياساتها واستراتيجيتها، سوف تكسب معظم أبناء الشعب العراقي الذي كان، ولم يزل، ينتظر حكومة وطنية، تخدمه وتعامله معاملة متساوية وكريمة.

إن لم تأخذ الحكومة العراقية مبادرات تشريعية جديدة، سياسياً وإعلامياً، فإن تداعيات السنوات الثماني الماضية ستزداد مخاطرها بشكل لا يوصف، وستتفاقم مشكلات أخرى. إذ لا بد من بداية جديدة تنطلق على نحو عملي في القضاء على الميليشيات الطائفية، وتحريم استخدامها أنواع الأسلحة، وعدم دمج الميليشيات في المؤسسات العسكرية والأمنية الرسمية، وأن لا تسمح مطلقاً للآخرين بالعمل كيانات تحكمها عصابات في داخل الدولة. وعلى الحكومة الجديدة أن لا يذهب تفكيرها بأنها أرضت السنّة العرب في العراق، كونها ضمت وزراء منهم، ذلك أن الوجوه التي أتت بها هي نفسها التي افتقدت ثقة الناس بهم، وإن إبقاء الوجوه القديمة، أو تبديلها بوجوه أخرى، لا يكفي إن لم تبدّل النهج السياسي تبديلاً جذرياً، ذلك أن أهم ما يحتاجه العراق هو التغيير في السياسات الغبية التي اتبعها رئيس الوزراء السابق، والذي أسند إليه منصب نائب رئيس الجمهورية، وهو الذي ارتكب أخطاء لا تغتفر على امتداد ثماني سنوات، وينبغي مساءلته ومحاكمته.

سيرحل تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن هزيمته مرهونةٌ بمَن يحارب على الأرض، والضرورة تقضي باتباع خطط عسكرية جديدة، وإعادة بناء الجيش بسرعة على أسس وطنية وترسيخ العقيدة العسكرية. وهذا لا يأتي إلا عبر مشروع قوي الفاعلية للمصالحة الوطنية، حتى يمكن تأليف فرق عسكرية لكل إقليم من أبنائه، لكي يدافعوا عن ترابهم وأهلهم وأعراضهم وأموالهم دفاعاً حقيقياً. وعلى العراقيين أن يستعدوا لمواجهة تداعيات صعبة لما حدث سابقاً، وخصوصاً بعد الذي حدث من خطايا بحق هذه الملّة، أو تلك الفئة، وبحق كل الأبرياء الذين امتُهنوا وهُجّروا واضطهدوا واختطفوا وذبحوا ولاقوا المصاعب التي لا يمكن أن يتخيّلها أحد في هذا العالم.