العراقيون الأكراد وحلم الاستقلال بعودة الدفء مع واشنطن

العراقيون الأكراد وحلم الاستقلال بعودة الدفء مع واشنطن

27 اغسطس 2014

مقاتل من البيشمركة قرب جلولاء في ديالى (25أغسطس/2014/فرانس برس)

+ الخط -
في ظل تغير الأوضاع الميدانية لصالح أكراد العراق، من خلال الدعم الجوي العسكري الأميركي لقوات البشمركة الكردية، للتصدي لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، يتصاعد من جديد جدل واسع حول آفاق استقلال أكراد العراق، متزامناً مع بروز وقائع تدعم تشكيل دولة كردية مستقلة، وظهور تحديات كثيرة أمام تحقيق الحلم الكردي.

وترجع العلاقة الحميمة بين أكراد العراق والولايات المتحدة إلى منتصف سبعينيات القرن الماضي، حين حاولت واشنطن إضعاف نظام البعث الذي حكم العراق عقب الانقلاب العسكري في 1968، بمساعدة الأكراد لوجستياً وعسكرياً. وكانت روسيا، في تلك الفترة، حليفاً قوياً لنظام البعث، وتتمتع، في الوقت نفسه، بعلاقات متميزة مع الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي كان يتزعمه الملا مصطفى برزاني، والد الرئيس الحالي لإقليم كردستان العراق، مسعود برزاني. ويرجع إلى روسيا الفضل في توصل الأكراد ونظام البعث إلى اتفاقٍ يمنح الأكراد حكما ذاتياً، بضغطها المتواصل على نظام البعث.

ولم يدم تمتع الأكراد بالحكم الذاتي أكثر من سنتين، ولذلك، أستأنف الأكراد صراعهم المسلح ضد بغداد. ورفضت روسيا مساندة الأكراد ضد النظام السابق، ما فسح المجال أمام الولايات المتحدة وحليفتها، في ذلك الوقت، إيران، إلى ملء الفراغ، والاستجابة إلى المطالب الكردية بالمساعدة العسكرية ضد بغداد في عام 1974.

واستخدمت إيران قضية مساندتها الأكراد ورقة ضغط على بغداد، للحصول على تنازلات من العراق بشأن المنفذ المائي النفطي الوحيد للعراق، شط العرب. وتحققت الطموحات الإيرانية بعد توقيع الطرفين على "اتفاقية الجزائر" في 1975.

ولم يعر الأميركيون أهمية كبيرة للأكراد، في ذلك الوقت، لأنهم لم يكونوا يعتبرونهم قوة مؤثرة على الوضع الجيوسياسي للمنطقة. ما دفع بالأكراد إلى اللجوء إلى لإيرانيين ومشاركتهم حربهم ضد العراق في ثمانينيات القرن الماضي، الأمر الذي أغضب النظام السابق، ودفعه إلى قصفهم بغازات سامة. وعلى الرغم من تخلي حلفائهم الأميركيين عنهم، كان الأكراد يأملون أن تعاقب الولايات المتحدة النظام السابق على جريمته تلك، لكنها لم تفعل، لأنها كانت تجد في العراق الدولة الوحيد القادرة على مواجهة النظام الإيراني الثيوقراطي، الذي باتت تراه يشكل تهديداً لها وللمنطقة وللغرب.

وبعد الحملة العسكرية التي شنها النظام السابق ضد الشيعة في الجنوب، والأكراد في الشمال، بسبب تمردهما عليه، عقب انهيار الجيش العراقي وانسحابه من الكويت في عام 1991، أعادت الولايات المتحدة علاقاتها مع حلفائها السابقين، وفرضت حظراً للطيران العراقي فوق الأراضي الكردية، كما نشرت عناصر لها على الأرض، وبمشاركة بعض دول التحالف. ويبدو أن الهدف الأميركي وراء إيجاد منطقة كردية بعيدة عن سيطرة بغداد، كان لإضعاف بغداد وتحويل كردستان إلى قاعدةٍ، تنطلق منها المعارضة العراقية بكل أشكالها، الإسلامية وغير الإسلامية.

ومع عودة العلاقة الحميمة بين الإدارة الأميركية والأكراد، حرص الأميركيون على لعب دور الوسيط للتوصل إلى اتفاق تهدئةٍ بين الحزبين الكرديين الرئيسَين، الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني، والاتحاد الوطني بزعامة جلال طالباني، اللذين دخلا في صراع مسلح، أدى إلى مقتل مئات من عناصرهما. ويعود للأميركيين الفضل في توصل الطرفين الكرديين الى اتفاقية لوقف القتال المسلح بينهما في 1998.

بعد احتلال العراق في 2003

وبعد احتلال العراق في 2003 وزوال النظام السابق، أصبح العراقيون الأكراد من أكثر الأطراف المستفيدة، فهم الوحيدون من بين أكراد الدول المجاورة، إيران وتركيا وسورية، الذين حصلوا على حكم ذاتي، بالإضافة إلى مشاركتهم المتميزة في الحكومة المركزية. وبقوا يشعرون بالامتنان، ويخلصون لحلفائهم الأميركيين، ولم يدخلوا معهم في صراع دامٍ، كما حصل مع العرب السنة، ولم يلتفوا عليهم، كما حصل مع العرب الشيعة.

ومع ذلك، شاب العلاقة بين الأكراد والولايات المتحدة بعض الفتور، بسبب وقوف الأخيرة مع رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، نوري المالكي، الذي أخد يتفرد بالسلطة ويستعدي العرب السنة والأكراد. ونجح المالكي في ضمان سكوت الولايات المتحدة والغرب عن ممارساته الديكتاتورية وفشل إدارته في الحكم، بتسويق حملته "الحرب على الإرهاب" التي استغلها لضرب أبناء المناطق المعارضة له، والتي تسكنها غالبية عربية سنية.

وكان الأكراد ينتظرون من حلفائهم الأميركيين الوقوف إلى جانبهم في صراعهم مع بغداد، خصوصاً فيما يتعلق بنفيذ الفقرة 140 من الدستور العراقي، والتي ينص أحد بنودها على إجراء استفتاء على ضم المناطق المتنازع عليها إلى الإقليم، بالإضافة إلى تفعيل قوانين النفط والغاز ووضع البشمركة. وكان الأكراد يأملون في الحصول على الدعم الأميركي كواقع حال، عندما شرعوا بتصدير النفط من الحقول الشمالية، ومن ثم بيعه في السوق العالمية في الشهور القليلة الماضية، ومن دون موافقة الحكومة المركزية واستشارة الأميركيين، ولكن، لم يفلحوا. إذ كانت واشنطن واضحةً في رفضها "التمرد الكردي" على بغداد، وفكرة الاستقلال، لأنها تخشى أن يفضي تقسيم العراق إلى تعقيد الوضع الجيوسياسي، المـتأزم أصلاً، في المنطقة.

مواجهة داعش

ومع انسحاب الجيش العراقي أمام تقدم تنظيم الدولة الإسلامية، وسيطرته على الموصل ومناطق شاسعة من شمال وغرب العراق في 10 يونيو/حزيران الماضي، تمكن الأكراد من ملء الفراغ بسيطرتهم على المناطق المتنازع التي انسحب منها الجيش العراقي، ومنها مدينة كركوك الغنية بالنفط، تمهيداً لضمها إلى الإقليم. وبدأ مسعود برزاني يلوح بالاستقلال، ويصرح بأنه لم يعد يعترف بإجراء الاستفتاء الذي نصت عليه المادة 140 في الدستور العراقي.

ولكن شهر العسل الكردي لم يدم طويلاً، فقد تقهقرت قوات البشمركة أمام زحف تنظيم الدولة الإسلامية الذي بات يسيطر على مناطق قريبة من عاصمة كردستان، أربيل، منها سنجار التي تسكنها الأقلية الأيزيدية. وطلب الأكراد مساعدة حليفتهم، الولايات المتحدة التي سارعت إلى تنفيذ ضربات جوية، لصد تقدم تنظيم الدولة الإسلامية. كما حصل الأكراد على دعم لوجيستي من عدة دول أوروبية، بدأت، في الآونة الأخيرة، تدرس تسليح البشمركة والتدخل العسكري لمسانده الأكراد، أسوة بالأميركيين.

تحديات استقلال الأكراد

وتعترض الولايات المتحدة والدول الغربية على قيام دولة كردية مستقلة في الوقت الحاضر، خصوصاً إذا جاء ذلك بإعلانٍ أحادي، وبدون موافقة بقية الأطراف العراقية والدول المجاورة. فقوات البشمركة لا تستطيع، وحدها، الدفاع عن حدود الدولة الكردية المستقلة، بدون دعم هذه الأطراف، خصوصاً مع توقع استمرار تهديد المتشددين الإقليم فترة طويلة، وصعوبة السيطرة على المتشددين في سورية التي أصبح الوضع فيها أكثر تأزماً.

على الصعيد الإقليمي، قد يتسبب تشكيل حكومة كردية مستقلة بتداعيات مهمة، قد تزعزع الاستقرار في المنطقة، لا سيما تركيا وإيران، اللتان تخشيان من أن استقلال الأكراد في العراق قد يدفع أقلياتهما الكردية إلى المطالبة بالاستقلال أيضاً.

عربياً، لا تؤيد الدول العربية إعلان الدولة الكردية، بسبب تخوفها من احتمال تشكّل حلف بين الدولة الكردية المستقلة وإسرائيل التي أعلن رئيس وزرائها عن دعم بلاده لها، معتبراً أن ذلك يعزز التحالف بين قوى الاعتدال في المنطقة. من جهتهم، يتخوف الأكراد من إعلان دولتهم وسط اعتراض المحيط عربي، خوفاً من فشلها في تحقيق الازدهار والتقدم الذين ينشدونهما.

تظاهرة للأكراد في لندن (20 فبراير/1999/Getty)

 ويعتبر الانقسام بين صفوف الأحزاب الكردية الرئيسية من أهم العقبات التي تواجه إعلان الاستقلال في الوقت الحالي. وتخشى هذه الأحزاب من خسارة بعض المكتسبات، وتأجيج صراعاتٍ بينها، في حال أعلن الاستقلال في هذه المرحلة. ومن المعروف أن الحزب الديمقراطي الكردستاني من أشد المتحمسين للاستقلال، فيما لا يبدو منافسه، حزب الاتحاد الوطني الكردستاني مقتنعاً بالفكرة.

وعلى الرغم من دعم حركة التغيير، بزعامة نشوروان مصطفى، فكرة الاستقلال، إلا أنها تخشى أن ذلك قد يفضي إلى سيطرة عائلتي زعيمي الحزبين الرئيسين، برزاني وطالباني، على مؤسسات الدولة، وتوجه الحكم في كردستان إلى الحكم الشمولي. ويبدي حزب العمال الكردستاني في تركيا تخوفه من دعوة برزاني إلى الاستقلال، ويرى أن مصلحة الأكراد تكمن في حصولهم على حكمٍ ذاتيٍّ في ظل حكومة مركزية ديمقراطية. ويعزو مراقبون اعتراض حزب العمال على فكرة استقلال كردستان العراق إلى قلقه من خوض الدولة الكردية المستقلة حروباً طويلة الأمد مع الجماعات المسلحة المتشددة.

ويبدو، من تتبع تصريحات المسؤولين الأكراد، أنهم سيرفعون سقف مطالبهم شرطاً أساسياً لمشاركتهم في الحكومة العراقية المقبلة، بزعامة رئيس الوزراء المكلف، حيدر العبادي. ويصرح القادة الأكراد أنهم سيطالبون باعتراف السلطة المركزية بسيطرة الإقليم على المناطق المتنازع عليها، والتي فرضوا سيطرتهم عليها، في أعقاب انسحاب القوات العراقية من تلك المناطق، إثر هجوم لمسلحي تنظيم الدولة الإسلامية. ويرى مراقبون أن حصول الأكراد على مكاسب جديدة، قد يدفعهم إلى تأجيل فكرة الاستقلال في الوقت الحاضر. مع ذلك، يرى بعضهم أن هذه المطالب تعجيزية، ولا يمكن أن تقبلها بغداد، وهذا ما يدفعهم إلى الاعتقاد بأن استقلال كردستان سيحصل في القريب العاجل.

ويبقى الأكراد الرابحين الوحيدين من تأزم الوضع الأمني الحالي في العراق والتدخل الأميركي والغربي لطرد متشددي تنظيم الدولة الإسلامية، ومؤكد أن الأكراد سيقبضون ثمناً يخدم طموحهم، في مقابل محاربتهم التنظيم المذكور، عاجلاً أم آجلاً.

دلالات