انتصار فلسطيني لا غزاوي

انتصار فلسطيني لا غزاوي

29 يوليو 2014

شبان فلسطينيون يواجهون جيش الاحتلال قرب رام الله (28يوليو/2014/الأناضول)

+ الخط -

فلسطين انتصرت في أحدث حلقات حرب العدو الصهيوني عليها، بالتأكيد، لن تكون الحرب الأخيرة؛ ويقيناً فإن النصر الأكبر آت لاريب فيه، وسيكون ساطعاً ومبيناً ومبهجاً، ممتدا في كل بقعة من الأرض الفلسطينية، ذلك أن الأرض الفلسطينية، كلها بلا استثناء، انتفضت وتوحدت بما عليها من بشر وحجر متبايني الرؤى السياسية والأيديولوجية والعقائدية أيضاً.

وإذا كان قدر غزة الصامدة وشرفها، بمساجدها وكنائسها، أن تقود، عسكرياً وميدانياً، هذه الجولة من العدوان الصهيوني المجنون، فإن الضفة الغربية ورام الله وشوارع القدس الزيتونة اللاشرقية ولا غربية، يكاد زيتها يضيء دروب العزة والبسالة، ولو لم تمسسه نار، لتكون فلسطين، بكل مكوناتها "نور على نور"، تقدم درساً عملياً ناصعاً في معنى الوحدة الوطنية.

من حسن الحظ أن ذلك يحدث في لحظة تاريخية فارقة، نرى فيها خفافيش الظلام تقدم صورة بالغة العتمة والقتامة، بتهجير المسيحيين في العراق النازف منذ سنوات، في اللحظة نفسها التي يسعى فيها الانقلابيون في مصر، وبخبث ومكر شديد، إلى إحداث شرخ حقيقي في علاقة المواطنين المصريين، مسلمين ومسيحيين؛ وآية ذلك الإلحاح على تصدير رموز مسيحية وكنسية وتقديمها في مشهد الانقلاب، بصفتها الدينية، لا السياسية، تأجيجاً لمشاعر هي بالتأكيد ملتهبة بالأساس.

الدرس الفلسطيني البهيج يقدم الانتصار بوعي فطري سليم، وبسلاسة لا ادعاء فيها ولا طنطنة فارغة؛ ويقينا سيفهمه الأذكياء، أما الذين استمرأوا البلادة، وجمعوا بين الغباء والفجور، فلن يعوا منه شيئاً، وهو من حسن حظ الشعوب، أيضاً، أن يحتفظوا ببلادتهم وفجورهم، فذلك مما يلهم الشرفاء ويقودهم لتجنب مواطن الزلل، وعدم السقوط في هاوية الخلاف الفكري والاختلاف العقائدي اللذين هما من السنن الكونية في الاحتفاظ بالتنوع الذي يثري الحياة.

لست في وارد النصيحة لأحد، لكنني أحتفظ لنفسي بحق التأكيد والإلحاح الدائم على أن "الانتصار الحقيقي، وفقا لتفاوت رهيب في القوة والتسليح الماديين بين فلسطين والعدو الصهيوني" هو انتصار لفلسطين، بشعبها الموحد المتحد الصبور، لا لقطاع ولا لفصيل سياسي واحد، ومن هنا، فإن استثماره في تأكيد المصالحة الوطنية وتأصيلها وترسيخها، يأتي ضمن المعلوم من السياسة بالضرورة.

الانتصار الفلسطيني في واحد من تجلياته ونتائجه، إعادة اعتبار لأمة تتعرض لحرب ضروس، على يد منتسبين لها، صهاينة ومتصهينين من فصائل المتردية والنطيحة في الحكم، والسياسة، والإعلام، والاقتصاد، وأخشى أن بحثاً موضوعياً علمياً دقيقاً في أصول تلك "الفصائل" وجذورها التاريخية والإنسانية، قد يأتي بنتائج صادمة لكثيرين، لكنها ستكون بالتأكيد ذات دلائل موحية، تمنح تفسيراً أقرب للمنطق والاستيعاب والتصور لتصرفات وكلمات، بل وقرارات، أقرب ما تكون لصفة "المجون السياسي" بأي معيار إنساني، قبل أن يكون معياراً عربياً.

إن الوعي بالمقدمات والعوامل والنتائج للملحمة الفلسطينية، التي لم تزل في توهجها وعنفوانها، والإصرار عليها والاستثمار والبناء عليها، هو أقل ما يمكن أن يقدم وفاء لدماء الشهداء الزكية وآلام الجرحى والمقهورين، أما الوفاء للأطفال والعجائز منهم، فلست أدري كيف يمكن أن يكون، فكل فعل أو كلام يتضاءل أمام نظرة واحدة من عيونهم المفعمة بالأمل، المشرقة بيقين الراحلين إلى حياة أكثر رحابة وجمالا.

ولكل عربي، بل ولكل إنسان، أقول قدمت الملحمة الفلسطينية الأحدث لك تفسيرا مبيناً لقيم الحق والخير والجمال، انتصرت فلسطين لك؛ فماذا قدّمت لها؟

50C80A35-B0FB-49CC-BE88-9A8FC8B80144
نزار قنديل
كاتب وصحافي مصري، مدير مكتب مصر ورئيس قسم المراسلين في موقع وصحيفة "العربي الجديد". عمل في عدد من المؤسسات الإعلامية العربية والمصرية. يعرّف نفسه: كل لحظة تمر، بدون أن تكون لك كلمة حق وخير وجمال، هي وقت ضائع. كل لحظة لا تصمت فيها، إذا لم يكن لديك كلمة نافعة، هي ثرثرة ضارة. بعيداً عن الوقت الضائع، والثرثرة، أحاول أن أكتب. إن شئت فاقرأ ما تيسر من كتابتي.