انهض أبا بكر .. أصيبوا بالجنون

انهض أبا بكر .. أصيبوا بالجنون

15 يوليو 2014
+ الخط -

أمام الشباب الفلسطيني، وشباب غزة، فرصة في رمضان وموسم الحج، لكي يتوجهوا إلى الكعبة المشرفة، ويقلدوا، مع فارق في التاريخ وفي الجنون، شباب براغ، عندما كتبوا، على طول جدران العاصمة التشيكية آنذاك: لينين استيقظ، لقد أصيبوا بالجنون.
وقتها، كانت الدبابات السوفياتية والألمانية الشرقية تدخل إلى العاصمة، باسم حلف وارسو، وكان الشباب، حينئذ، ينعون ربيع براغ الذي لم يدم طويلاً، وقتها غنى المغني الفرنسي، ميشيل ساردو، عن رياح سيبيريا التي تهب على بوهيميا، الاسم الأصلي لتشيكيا، وعن النساء الغاضبات الواقفات أمام أبواب المطاحن، وعن الزمن الذي انقضى هباءً منثوراً، لأن لا إله في السماء يهتم لأمرنا.
لم ينشغل المغني بما يقوله لينين، بل للقرابة بينه وبين القديسين الذين يباركون الشعوب من وراء الأبواب المصفحة، حيث لا باب مفتوحاً، لكي تخرج الشعوب منه، وتغادر جحيمها، جهنم المقدسة المعلنة قداساً دائماً.
أمام شباب فلسطين الفرصة، وسياق الربيع العربي لم يعمر طويلاً، تماما كصنوه في براغ،
والدبابات السوفياتية، اليوم، لها نسختها الآتية من القرن الحادي عشر.
قرن الحنين إلى الخلافة لنكتب معهم، على جدران البيت المباركة ببكة: أبا بكر، انهض، لقد أصيبوا بالجنون.
لماذا أبو بكر بن أبي قحافة؟
لأنه لم يكن يدرك أن خطبته في بيعته، إذ حمد الله وأثنى عليه، وقال إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، ستظل عالقةً في الذاكرة الجماعية للناس، وفي هواء الأمة الراكد، إلى أن تردّد صداها، بعد 20 قرناً في مسجد بالموصل، ما بعد سقوط الدولة والبعث، على لسان خليفة الفوضى الخلاقة، مولانا إبراهيم البغدادي.
لسنا، نحن جميعاً المعنيين بهذا، بالدرجة الأولى، وإن كان الجنون، منذ بداية الألفية لوثةً في الجينوم العربي والمورثات الأيديولوجية لكل النخب، بل هم الفلسطينيون فقط، من يدرك، اليوم، أن قيام دولة الخلافة، وجنون الحروب في بلدان الشرق، ما يجعل فلسطين تنأى، قليلاً وأكثر، عن خريطة الشرق الأوسط، وتسقط في وصايا أشعيا، بقوة النار المنهمرة على غزة.
الشباب الفلسطيني يعرف أن إعلان ميلاد الخلافة، لم تقم له 11 كوكبا ولا الشمس ولا القمر ساجدين، إنه بالأحرى الميلاد الذي يعطي للقاتل المعمم الفرصة، لكي يحشو بدمعه البندقية، على حد قصيدةٍ كحد السيف، كتبها محمود درويش، في صيفٍ مشابهٍ تماماً. وقتها، أيضاً، كان العالم يتمم المونديال. وقتها، أيضاً، كان النوم فريضة إيديولوجية على عربٍ يحبون أقدام مارادونا أكثر بقليل من أطراف طفل مقطع الأشلاء في الخليل.
لم تعد فلسطين مبرراً للقتال من أجل الحرية. منذ دخل الاتحاد السوفياتي إلى كابول، أصبح من فروض الطاعة لرب السماوات، العمل على قتل الملحدين في جبال تورا بورا، وحماية العقيدة من أي زلزالٍ، قد يزعزعها، وتحولت فلسطين إلى مبررٍ، لكي ينهض الصحابة من عمق الآخرة، وليباركوا خلفاء المسلمين، من الملا عمر إلى أبي بكر البغدادي.
الأمة تستحسن امتثالها إلى الحنين، كلما فر التاريخ من محرقة الحاضر إلى معادلة في

النصوص، لكي تصبح فلسطين مبرراً جيداً للجنون، لا مبرر لكي تقوم الدولة الحرة.
لا أحد يذكر أنه، بعد إعلان خلافة أسامة بن لادن، في ما بعد قيامة 2001، سارع المجرم إرييل شارون إلى الربط بين ياسر عرفات وزعيم القاعدة، لكي يقيم الدليل على أن الخلافة التي تعود من كتب التاريخ لا بد أنها تهدد إسرائيل بعودة خيبر، ولا بد من اغتيال غزة أو رام الله، لكي يطمئن العالم إلى الاندثار النهائي للهولوكوست، هنا، في الزاوية الضيقة، بين أنين الضمير الغربي على الهولوكوست، وبين حنين الأمة، تجرب غزة جنونها الأخير في أن تضع حق الفيتو بين يدي سقيفة بني ساعدة.
يعيد نتنياهو على مسامع عالمٍ يسير نائماً، مسلمة شارون، لماذا تسارعون إلى إنقاذ شعب تعوّد على القتل، وتتركون شعوباً تجرب فيها القداسة دمها الأول، شعوباً ما زالت لم تبلغ من الوجع عتياً؟
فأمام العجز الرهيب عن توازن عسكري، أو دبلوماسي، أو معنوي مع إسرائيل، أصبحت غزة أرضية التفاهم بين عجز أميركا عن ضبط حليفها وعجز العالم علن ضبط انسجامه الأخلاقي وعجز المسلمين على حاضرهم، وأصبحت أهم الوصفات المطروحة لتحرير القدس البدء بالخلافة.
المعادلة بسيطة في ذهن الخلفاء الجدد، علينا العودة إلى بداية الماضي، لكي نحضر فيه المستقبل، بتحميضٍ سريع، يجعل الصورة أوضح، فحيث الخلافة، لا مكان لإسرائيل.
انهض، أبا بكر، فقد جنّوا، لأنهم لا يعرفون أن الخلافة المقتطعة اليوم من دولتي العراق وسورية، لا توجد في كناش الأنبياء، ولا في سور القران الكريم. إنها مرسومة في خطاطات سايكس بيكو، وإن السير تشرشل، لا عمر بن الخطاب، من يجيد رسم حدود الفردوس على الأرض.
لقد جنّوا، لأنهم يعتقدون، فعلاً، أن أفضل طريقة لتحرير فلسطين هي تمزيق الدول المجاورة، في مصر أو في العراق أو في سورية، وإن أقرب نقطة إلى القدس توجد بالضبط في حدود أفغانستان، وأن بيشاور ما هي سوى البروفة الراهنة لشعاب مكة قبل ميلاد دولة الإسلام.
لقد جنّوا، لأنهم لا يدركون أن "سي. آي. إي" لا تأتمر بأوامر النبي، ولا تأتمر الـMI6
بأوامر خالد بن الوليد، وأن لعبة الأمم تصبح أسهل عندما يحلم العرب بالزمن أرضاً يقيمون عليها دولة الأوهام، ويتركون، في قلب الشرق الأوسط بقعة الصراع الكبيرة.
انهض، أبا بكر، فلا أحد منهم قادر على إقناع الضمير العالمي بأن في وسعه أن يهتز لنا، وأن الله جلّت قدرته، يملك خطة أخرى لسعادتنا، غير هؤلاء الذين يتفننون في ترحيلنا إلى بيداء نجد القديمة وأطراف ثقيف. وأننا لم نخلق للقتل، طريقة وحيدة للدلالة على وجودنا، أحياناً، من طرف العدو، وأحياناً كثيرة من طرفنا.
كلما بنوا خلافة، أعددنا الكفن لشعب فلسطين، وتيقنّا من زحف التساحال على أرضٍ داخل الدم، وخارج الأوهام الجديدة لأنبياء الجاهلية.

 

768EA96E-E08E-4A79-B950-D8980EE5911C
عبد الحميد اجماهيري

كاتب وشاعر وصحفي مغربي، مدير تحرير صحيفة الاتحاد المغربية، مواليد 1963، عمل في صحيفتين بالفرنسية، من كتبه "أوفقير .. العائلة والدم.. عن انقلاب 1972"، ترجم كتابا عن معتقل تازمامارت. مسوول في فدرالية الناشرين المغاربة.