العراق على طريق سورية؟

العراق على طريق سورية؟

11 يونيو 2014

الأسد والمالكي

+ الخط -
سأل أحد المثقفين السوريين صديقاً عراقياً عن مآل الأحوال في العراق، فأجابه بسؤال: ألا ترى كيف نسير بخطى حثيثة على طريقكم، أما الدليل فواضح للعيان، ذلك:
- أن رئيس وزرائنا، نوري المالكي، يمارس السياسة، كبشار الأسد، بمنطلقات طائفية مشبعة بحقد مذهبي، يتوهم أنه قادر على حلّ مشكلات الماضي في حاضرنا، وعلى الرغم منه، كما أن المالكي مسؤول، بصورة مباشرة، عن تحويل مطالب شعبية محقة إلى حرب طائفية منظمة، تشنها سلطته، بجيشها وأجهزة قمعها، ضدّ من قدموها إليها من أهل الأنبار. يكرر المالكي، ما فعله بشار في سورية، حين حول مطالب وصفها، هو نفسه، بالمحقة إلى حرب طائفية ضروس ضد شعبه، بحجة أنه خاضع للأصولية والإرهاب، ولا يستحق الحياة.
- أن المالكي فرز العراقيين إلى جبهتين متناحرتين: شيعة موالون وسنة معارضون، وبدأ الحرب ضد "المعسكر" المعادي، لكي يؤجج العداء بين أبناء الشعب الواحد، وسط اصطفاف إقليمي، سبقه بشار الأسد إليه، وضع العراق في سلة إيران التي تخترقه، جيشاً وحكومةً وشعباً، وسمح لقواتها الرسمية و"الشعبية" بدخول بلاد الرافدين لخوض حرب تدافع فيها عن مصالح مشروعة ضد جهةٍ عراقية تهددها. بذلك، اقتدى المالكي بما سبقه الأسد إليه، وحوّل مطالب داخلية محقة إلى صراع خارجي، اعتبره الخارج سانحةً، تجيز له التدخل فيه، وحرفه عن طابعه الداخلي، الخاص، المتصل بطلب حقوق شعبية من الحكومة العراقية.

- أنه استخدم، بصورة متزايدة، طرق الحرب التي اعتمدها الأسد ضد شعبه، بعد شقه إلى معسكرين متعاديين، يدعم الخارج الإيراني أحدهما، ويعينه على خوض صراع مذهبي الطابع، تطبق فيه، أكثر فأكثر، أساليب ووسائل يستخدمها نظام الأسد المذهبي والفئوي في سورية: من القتل الجماعي، إلى المجازر ضد المدنيين من مختلف الفئات والأعمار، إلى استخدام مختلف أنواع الأسلحة الفتاكة، بما فيها البراميل المتفجرة والصواريخ البعيدة المدى، إلى تطويق المدن والتجمعات البشرية الكبيرة وحصارها، وقطع الماء والكهرباء عنها وتجويعها، إلى اقتحامها بالقوات الخاصة، وأخيراً إلى تدمير المدن والقرى على رؤوس ساكنيها، والفتك بالخارجين منها، وتحويلهم إلى مشردين داخل العراق، وقريباً، كما أخشى، إلى لاجئين في الخارج.
تلفت النظر، هنا، السرعة التي اجتاز العراق بها درباً استغرق قطعها في سورية ثلاثة أعوام ونصف العام، كأنما يجب الإسراع في تدمير المشرق العربي، لأغراض في نفس من سارعوا إلى دعم المالكي، وتسليح الجيش العراقي بما كانوا ينكرون حقه في الحصول عليه، وخصوصاً الطائرات السمتية المتطورة، من طراز أباشي المعدل، والتي طالما رفضوا بيعها له قبل المعارك الأخيرة.
والآن: هل المطلوب من لحاق العراق بسورية، ومن حرب المدن هناك، والتي بدأت منذ شهرين، استكمال تدمير المشرق الذي يشهد تصاعداً واسعاً في إرهاب الدولة، وأجهزتها الطائفية والفئوية، المافيوية الطراز والمهمات، وإرهاب حلفائها وخصومها من الأصوليين؟ وهل ستطول الحرب، وتمتد من المتوسط إلى الخليج العربي وحدود إيران، بدل أن تذهب إلى الخليج، مع ما يضمره امتدادها من ضراوةٍ في صراع القوى الإقليمية والدولية، ومن دمار مراكز حضاريةٍ تاريخيةٍ، وقضاءٍ على فرص تقدم شعبي سورية والعراق، بما لهما من ديناميكيةٍ داخليةٍ نشطة، وخبرة تاريخية في بناء دول متقدمة وكبيرة، أم أن تدمير سورية والعراق سيكفي لتغيير بنية المنطقة العربية الاستراتيجية برمتها، وطبيعة علاقاتها مع "إسرائيل" وبقية بلدان الإقليم؟ وهل يتحول ما يجري إلى بداية حرب مذهبيةٍ إقليمية الطابع دولية القيادة والنتائج، تورط إيران، وربما روسيا، في مأزق عميق، لن تكون نهايته لصالحهما، مهما بذلا من جهد، بالنظر إلى أنها ستتكفل باستنزافهما فترة طويلة، وستعطي خصومهما الوقت الكافي لإنتاج الوضع الذي يريدونه داخل المنطقة العربية، وما وراء حدودها؟
بدل أن يبتعد المالكي، عن السياسات التي تبناها الأسد في سورية، ويلاقي الشعب العراقي في منتصف الطريق، اعتمد نهجها بحماسة وطبقها باندفاع، على الرغم من النتائج الرهيبة التي ترتبت عليها، في الفترة القصيرة الماضية، بالنسبة إلى سورية، وستترتب عليها في العراق: الدولة التي انخرطت عقدين في حروب خارجية عبثية، ولن تفضي أية حرب داخلية تخوضها إلا إلى مزيد من دمار مجتمعها ودمارها هي. وبعد أن قطع تدمير سورية شوطاً مهماً، يدخل العراق، منذ أشهر، إلى وضعٍ سوري، تبينت بعض مفرداته، ويتّحد المشرق في محنةٍ، يعلم الله وحده إلى أين ستقوده، تمد أميركا فيها نظام المالكي بأسلحةٍ نوعيةٍ، ترفض تقديم بعضها إلى من يقاتلون نظام الأسد، ربما خشية إسهامها في تقصير أمد الحرب، أو إنهائها.
أليس في هذا كله ما يستوجب مواجهة شعبية سورية/عراقية مشتركة، ومنسقة، للقتلة الرسميين والإرهابيين الأجانب في البلدين الشقيقين؟ 
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.