مكافحة الإرهاب "سرفيس" إلى القصر

مكافحة الإرهاب "سرفيس" إلى القصر

10 يونيو 2014
+ الخط -
الطبيعي أن يستمدّ الحاكم شرعيته من شعبه، بمعانقة تطلعاته الجامعة، واستهداف أولويات هذا الشعب، والتفاعل مع حاجاته. لكن في حالات انقطاع الصلة، أو هشاشة العلاقة، فإن الحاكم مضطر، لا سيما عندما ييأس من التضليل، وتُستهلك الشعارات المبذولة للداخل، إلى استدعاء الدعم الخارجي، والتقاطع مع استراتيجية الدول الفاعلة، والدول الكبرى المهيمنة. في هذه المرحلة يصوّب كثير من الساسة العرب نحو الهدف مباشرة، وذلك بالتقاطع مع الهاجس الخارجي، الأكثر إقلاقا وإلحاحا، وهو في هذه المرحلة محاربة الإرهاب.

قد يقول قائل: لا ضير، ولا جريمة في التقاطع مع أميركا، أو غيرها، ما دام التقاطع قائماً على مصلحة وطنية، وهي محاربة جماعات التطرف والإرهاب، التي تشكل خطراً على السلم الأهلي، والأمن الوطني. بغض النظر عن الجدل المستمر حول استحقاق تلك الجماعات وصف الإرهاب، فإن المغالطة تقع، حين يوظِّف هذا الحاكم أو ذاك هذه الذريعة، وحين يستنزف كثيراً من الطاقات في هذه الحرب، من أجل استحضار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، طبعاً بهدف طمس حقوق أبناء شعبه واستحقاقات الوطن، مع أنه نفسه ممن لا يتورعون أيضا، كلما توفر السياق للمزاودة بالعداء، لأمريكا، أو رفض التسليم بنفوذها في الإقليم.

هذا ما سلكه بشار الأسد ونوري المالكي، وهذا ما يسلكه عبد الفتاح السيسي، على المستوى الأكثر عمقاً في العلاقة مع الغرب، ومن قبل حاول علي عبد الله صالح، ومعمر القذافي، اللعب على وتر التخويف من الإرهاب، مع أن الأخير، بالذات، لم يكن أيقونة للسلام ورفض التآمر. الأسد والمالكي يحرصان على تظهير التوافق الإستراتيجي مع أمريكا في محاربة القاعدة والإرهاب، وفي لقاء المالكي مع باراك أوباما في واشنطن، في نوفمبر 2013، أخذ تفويضاً للبدء بحربه على الأنبار، وقال المالكي عقب اللقاء: "إنه وأوباما لديهما أفكار ورؤى متشابهة". علماً أن أزمته في الأساس، سياسية، وموقفه فيها ضعيف؛ كونه يستغل طائفته للاستحواذ على السلطة وتهميش الطوائف الأخرى ومطالبها، بل ملاحقة أبنائها والزج بمن يعارضه أو يهدده سياسياً في السجون تحت طائلة قانون الإرهاب. لكنه أراد باستخدام ذريعة القاعدة شن حرب واسعة النطاق على الأنبار، عقر دار المعارضة العنيدة لحكمه.

قال أوباما: "دارت بيننا الكثير من المحادثات بشأن كيفية ومدى إمكانية التنسيق فيما بيننا للتصدي لهذه المنظمة الإرهابية، التي لا تؤثر على العراق فحسب، بل تشكل تهديدا للمنطقة بأكملها، والولايات المتحدة الأميركية أيضاً". علماً أن الولايات المتحدة، إذا اقتربت أكثر من قيمها، أو من نظرتها الأكثر عمقا، سترى هذه الظواهر من الإرهاب، أو اليأس المتمثل سياسياً بمظاهر سلبية شتى، متغذيةً بالظلم والتهميش، ولا تُحلُّ بالأساليب الأمنية فقط، بل إن الوسائل الأمنية مستخدمة من قبل حكام مشكَّكٌ في شرعيتهم؛ لأسباب ديمقراطية وأخلاقية، وإنسانية، ووطنية. إن تلك الوسائل حينها لا تصب إلا مزيدا من الزيت على النيران التي أسهم، ويسهم، أولئك في إشعالها.

كذلك يفعل نظام الأسد الذي كرّس أمن "إسرائيل" أربعة عقود، منذ اتفاقية فك الاشتباك 1974. لكنه حين واجه أزمة داخلية حاول الهرب منها، بالزج ببعض الفلسطينيين، بمواجهة عشوائية ومفاجئة، مع الاحتلال في ذكرى النكبة من العام الأول للثورة. مع أنه كان تحت هذا الفعل السطحي يُكنّ تلويحاً عميق الدلالة بأنه الضامن لأمن إسرائيل، وفي الوقت نفسه كان يحذّر من توغل الإرهاب، إذا ما تراجع نظامه.

أما السيسي فقد شرَع معوله، وأطلق العَنان للطائرات الحربية تبدد حياة أهل سيناء، بحرب شرسة ضد الإرهاب، سمحت له إسرائيل بموجبها، أن يتجاوز الحدود المتاحة للجيش المصري، وفق معاهدة السلام بينهما. كان السيسي، أيضاً، دعا في مقابلة مع وكالة رويترز، في منتصف مايو الفائت، الولايات المتحدة إلى تقديم الدعم لبلاده في مكافحة الإرهاب، وتجنب خلق "أفغانستان جديدة" في الشرق الأوسط. بالطبع هذا التلويح المشترك، بين الأسد والمالكي والسيسي، بخطر الإرهاب وأفغنة المنطقة، ليس موجَّها إلى إدارة أوباما فقط، بل إنه موجَّهٌ أيضا، وربما أكثر، إلى الكونغرس الأمريكي، وإلى الرأي العام الأمريكي؛ إذا ما تنبَّهنا إلى مجافاة هؤلاء الحكام للديمقراطية، التي تحقق الاستقرار الحقيقي بحسب الرأي العام الأميركي، في منطقة شديدة الحساسية والخطورة.

لا يخفى كذلك أن أمن إسرائيل من أهم محدِّدات السياسة الخارجية الأمريكية في منطقتنا، فكيف نتوقع أن تتقدم اعتبارات الديمقراطية على تفضيلات قادة إسرائيل، حيث تميل الكفة بوضوح نحو الأسد والسيسي، وحتى المالكي، إذا ما كان البديل مجهولا، أو حتى جهاديا، لا سيما على حدودها الجنوبية في شبه جزيرة سيناء، أو على حدوها الشمالية في لبنان وسورية.