العراق... واقع لا تغيره الانتخابات

العراق... واقع لا تغيره الانتخابات

07 مايو 2014
+ الخط -
على الرغم من أن نسب المشاركة في الانتخابات النيابية العراقية، في الثلاثين من إبريل/نيسان الماضي، تبقى قابلة للنقاش والجدال، فإن مشاهد يوم الانتخابات تؤكد أن العراقيين شاركوا بكثافة مقبولة في التصويت، وخصوصاً في تلك المناطق السنية التي عانت الأمرين من سياسات نوري المالكي الطائفية. وكان شعار التغيير ينتقل من يد إلى أخرى، ومن فم سياسي إلى آخر، فحتى إن لم تكن النسبة التي شاركت في التصويت 60%، كما أعلنت مفوضية الانتخابات، فإن المشاركة كانت مقبولة نسبياً، في أوضاع أقل ما يقال عنها، إنها غير مستقرة في بعض المناطق، ومتفجرة في أخرى.
هذه الرغبة بالتغيير لدى العراقيين، والتي لمسها قادة الكيانات السياسية المشاركة في الانتخابات، هي التي جعلت بعضهم يتخذون من التغيير شعاراً لهم، وكل ينشد تغييره الذي يراه، لا التغيير الذي يتمناه المواطن العراقي البسيط، والذي لم تغير واقعه انتخابات 2005 ولا انتخابات 2010. وعلى الرغم من أن الانتخابات العراقية شهدت هذا الإقبال المتوسط نسبياً، فإن السؤال الأهم، ماذا بعد؟
قراءة واقع التحالفات السياسية التي شاركت في الانتخابات، وميول المصوتين مع التسريبات التي بدأت تظهر من مراكز العد والفرز، تؤكد، من جديد، أن الانتخابات في العراق ما هي إلا حركة تجميلية لوجه قبيح، يسمى العملية السياسية.
ليس هذا تشاؤماً بقدر ما هو قراءة منطقية لواقع عراقي صعب، ومعقد وشائك، فالتحالفات التي شاركت في الانتخابات، هي في الأعم الأغلب، ذات التحالفات التي شاركت في انتخابات 2010، فالشيعة، حتى بعد القطيعة التي حصلت، أخيراً، مع حكومة نوري المالكي، عادوا بالكيانات الرئيسية الثلاثة ذاتها، تيار المواطن بزعامة عمار الحكيم، وتيار الأحرار بزعامة مقتدى الصدر، وطبعا تيار ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي. وبقي المشهد الكردي ثابتاً غير قابل للتغيير، بوجود الحزبين الكرديين التاريخيين، الديمقراطي والاتحاد، مع دخول منافس ثالث لا يبدو أنه مؤهل، حالياً، ليشكل تغييراً حقيقياً، في خريطة السياسة الكردية، ألا وهو حزب التغيير، أو حركة التغيير بزعامة نوشيروان مصطفى.
وعلى الرغم من التشظي الذي أصاب القائمة العراقية، بزعامة إياد علاوي، عقب انتخابات 2010، بعد فوزها بالمرتبة الأولى، والالتفاف الذي مارسه المالكي بحق القائمة، خصوصاً وأنها كانت القائمة المفضلة لدى العرب السنة، وحصدت المركز الأول بأصواتهم، إلا أن انتخابات 2014 عادت لتجمع بعض وجوه تلك القائمة، تحت مسمى القائمة الوطنية، بزعامة علاوي أيضا، في حين اختار عدد كبير من رموز تلك القائمة الانضمام إلى قائمة "متحدون"، والتي باتت المعبر الأكثر قرباً للعرب السنة.

هذه التحالفات والكيانات الرئيسية التي شاركت في انتخابات 2014 هي ذاتها التي حصدت أغلب مقاعد البرلمان الجديد، وفقا للنتائج الأولية، وبالتالي، فإن الحديث عن تغيير مرتقب ربما يكون أمراً غير منطقي.
ربما تنجح العملية الانتخابية في تغيير شخص المالكي، خصوصاً إذا ما أصر مقتدى الصدر على موقفه من المالكي، ولكن، بالمطلق لن تنجح من تغيير سياسات الإقصاء والتهميش التي مارسها نوري المالكي بحق خصومه.
فبعد ساعات قلائل من انتهاء التصويت، خرج عمار الحكيم، زعيم قائمة المواطن، بالتزامن مع تسريبات بتقدم قائمته، ليتحدث مجدداً عن إعادة الروح إلى التحالف الوطني "شيعة"، مع استمرار المعركة ضد الإرهابيين، كما وصفهم، وهذه الأخيرة تعني ما تعني بالنسبة لسنة العراق.
الوجوه نفسها ستعود إلى البرلمان العراقي، مع تغييرات بسيطة، بل والأكثر من ذلك، إن السياسات نفسها يمكن أن تتواصل، خصوصاً وأن مشاريع إنتاج عراق ما بعد 2003 لم تكن سوى مشاريع رديئة الإنتاج والتصميم والإخراج.
رئيس الحكومة المقبل، ربما هو التغيير الأكثر إثارة الذي سيطرأ على عراق ما بعد انتخابات 2014، وحتى هذا يمكن أن يتجمد، إذا ما وضعت إيران فيتو على أي اسم قادم، ورغبت بإعادة إنتاج المالكي، عبر سلسلة من التحالفات الجديدة، ضمن البيت الشيعي لتشكيل الكتلة الكبرى.
مرة أخرى، ليس تشاؤماً، وإنما هو واقع عراقي مرير، كرسته سنوات الاحتلال الأميركي، ولم تفعل القوى العراقية الفاعلة على الساحة ما يساعد على تغييره، بل سعى بعضها إلى تكريسه، وعمل آخرون لتغييره، غير أنهم لم يكونوا بفاعلية تمكنهم من ذلك. يضاف إلى ذلك واقع إقليمي ودولي، لا يبدو أنه معني بما يكفي لإعادة الأمور في العراق إلى نصابها.

 

96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...