أميركا تواصل حربها على العراق

أميركا تواصل حربها على العراق

21 مايو 2014

أوباما والمالكي في البيت الأبيض (نوفمبر 2013 Getty)

+ الخط -
لا يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية التي سحبت قواتها من العراق، نهاية 2010، بعيدة عما يدور في هذا البلد، بل يشي واقع الحال بأنها مازالت لاعباً رئيسياً في الساحة العراقية، وليس بإمكان حاكم البيت الأبيض، باراك أوباما، تجاوز عقدة العراق التي خلفها له سلفه جورج دبليو بوش، كون العراق ليس مجرد نزوة حربية أميركية في لحظة عابرة، بقدر ما هو هدف استراتيجي لواشنطن، يتجاوز الوجوه التي يمكن أن تذهب أو تخرج من البيت الأبيض.
فعلى الرغم من الغضب الأميركي على رئيس الحكومة العراقية، نوري المالكي، والذي تجلى في أوضح صورته، في زيارة الأخير إلى واشنطن قبل خمسة أشهر ويزيد، من خلال رفض واشنطن طلبات تسليح تقدم بها المالكي، إلا أن تلك الإدارة سرعان ما بدأت بتغيير موقفها من موضوع تسليح المالكي وحكومته، خصوصاً بعد أن بدأ رئيس الحكومة حربه على الأنبار منذ أشهر، ومحاولته المتواصلة استعادة مدينة الفلوجة التي باتت خارج سيطرة الحكومة، منذ مطلع العام الجاري.

الأنباء الأخيرة التي نشرتها صحف أميركية عدة بشأن صفقة سلاح كبيرة، تعتزم واشنطن تسليمها لبغداد، تؤكد أن المالكي تجاوز عتبة الغضب الأميركي، وبالتالي، ليس السلاح وحده قد يورد لحكومته، وإنما حتى آمال المالكي بولاية ثالثة، انتعشت، وبات أمراً ممكناً.

تشمل الصفقة الجديدة، وفقاً لما نشرته الصحافة الأميركية، طائرات حربية حديثة وسيارات مصفحة، في حين أوردت صحيفة فورين بوليسي تفاصيل أكثر عن تلك الصفقة، مؤكدة أنها ستشمل طائرات هليكوبتر هجومية من طراز أباتشي، ودبابات m1a1K  وطائرات إف 16، وصواريخ هل فاير. وتؤكد الصحيفة أن حكومة بغداد تضغط على واشنطن، من أجل شراء طائرات مقاتلة من دون طيار، بمواصفات الطائرات الأميركية التي تستخدمها واشنطن في حربيها في أفغانستان واليمن.

حكومة المالكي، وفقاً لفورين بوليسي، طرحت على واشنطن فكرة استقدام مقاتلين ومدربين أميركيين مع صفقة السلاح الجديدة، في محاولة لإقناع واشنطن بأن تلك الأسلحة سوف تستخدم في حرب المالكي على ما يعرف بالإرهاب.

ولقد سوّق المالكي حربه على الأنبار بأنها ضد ما يعرف بتنظيم دولة العراق والشام الإسلامية "داعش"، وقدم خطابه إلى الرأي العام العالمي عبر شركات دعاية وإعلام متخصصة، حيث كشفت مصادر عراقية أن المالكي دفع نحو 50 مليون دولار أميركي لإحدى الشركات المتخصصة، لتحسين صورته في واشنطن، وأيضاً للتأكيد على أنه يخوض حرباً عالمية ضد الإرهاب. واستكمل المالكي الدور بإعلانه، قبل أيام، أنه يعتزم إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب في بغداد.

وعلى الرغم مما يبذله المالكي في هذا الإطار، فإن الصور القادمة من الفلوجة، على ندرتها، تؤكد أن هناك حرباً ضد أهل المدينة، خصوصاً وأن جيش المالكي، وعلى الرغم من 22 محاولة اقتحام فاشلة للمدينة، لم يتمكن من تقديم أي دليل على وجود عناصر "داعش" في المدينة، فحتى وجودهم الضئيل والبسيط في الفلوجة، عقب محاولة القوات الحكومية فض ساحات الاعتصام في الأنبار مطلع العام، تلاشى بعد أن سيطر ثوار عشائر الفلوجة على المدينة، ولم نعد نسمع، أو نشاهد، شيئاً من تلك الصور التي اعتاد التنظيم الإعلان والدعاية لنفسه من خلالها.

الولايات المتحدة تؤكد، بموافقتها بيع المالكي هذه الكميات والأنواع من الأسلحة، أنها باقية وتتمدد، على رأي متطرفي "دولة العراق والشام"، وأنها في مرحلة تقاسم نفوذ جديدة بينها وبين طهران، من خلال اتفاقيات، بعضها ربما لم يعرف فحواه حتى اللحظة، خصوصاً وأن ملف إيران النووي، وعلى الرغم مما عرف باتفاق جنيف الأخير، إلا أنه مازال يواجه صعوباتٍ جمة في الوصول إلى أرضية مشتركة.

واشنطن تخوض، اليوم، في دماء العراقيين، كما خاضت بها قبل 11 عاماً، وهي، اليوم، تواصل حربها ضد العراقيين، ليس بتوفير الدعم والغطاء لإجرام الحكومة بحق أهالي الأنبار وغيرها من المدن، وإنما بتوفير كل هذا الدعم العسكري لهذه الحكومة.

الأخطر أن أسلحة فتاكة بهذه الكميات المعلنة، لا تشكل خطراً على العراقيين وحدهم، وإنما أيضاً على شعوب المنطقة بأسرها، خصوصاً وأن شخصاً، كرئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، المعروف بولائه لإيران، لن يتورع في تحويل جزء من تلك الأسلحة لطهران، أو على الأقل، كشف أسرارها لخبراء السلاح الإيراني، ناهيك عن إمكانية وصول جزء منها إلى نظام بشار الأسد.

لا نحلم، ولا نريد أن نخدع أنفسنا، فأميركا لم ولن تكون يوماً ما صديقة للعرب، ولا يمكن لها أن تتحالف مع عربي، أياً كان، كما أنها لا يمكن أن تفرط بمصالحها، وهي ترى أن مصالحها اليوم عبر تحالف غير معلن مع إيران، وربما لا نحتاج إلى جهد كثير للدلالة على هذا الحلف، فالمشاهد القادمة من سورية والأنبار، وصولاً إلى لبنان وحتى اليمن، تؤكد أن التحالف الإيراني الأميركي ماض في تحقيق غاياته، ولا عزاء للعرب.
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...