سحر الدكتاتورية الخفي

سحر الدكتاتورية الخفي

20 مايو 2014

Meriel Jane Waissman

+ الخط -
استقرت الجزائر، بعد انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الكرسي المتحرك لنظامها السياسي، ونامت الجمهورية، المنحدرة من ثورة المليون شهيد، في حصن الرئيس الذي ينوب، حضورياً عن العسكر.
الثورات العربية تنام خمسين سنة، كما في هذه الحالة، أو تنام سنة، كما في مصر، أو ثلاثاً، كما في ليبيا، أو تظل صاحية ومستيقظة كما في سورية، ولا تحلم سوى بالجنرالات، أو من يفوض لهم تاريخ العسكر العربي النيابة عنهم. وما أضفناه من خزينة ما قبل زمن الثورة إلى ما بعده هو (الهودج الديموقراطي)، صندوق اقتراع وسرير ليناما معاً في ظلال السيوف.
في سورية، يشكر القائد العظيم ظلاله، لأنها ترافقه في طريق الفراغ الطويل إلى صندوق الاقتراع. يشعر بامتنانٍ كبير إزاء أشباحه، فهو لا يصدّق أنها تطاوعه إلى هذا الحد، وتقدم ترشيحها ضده. لذلك، لم يكن مستبعداً أن يردد الرئيس الجنرال، بشار الأسد، بأنه يعترف للمنافسين له بأنهم، أيضاً، يتمتعون بالنّفَس الطبقيّ، ويملكون الشرعية المطلقة، لكي يشهدوا على انتصاره، إلى حين يفرغ من حبّ الشعب السوري العظيم.
يليق بخاتم البعثيين، الدكتور الرئيس، القائد العام للثورة الوطنية والمرشح السابع لقيام جمهورية الأشباح، يليق به، فعلاً، أن تكون له سبعة ظلال، وسبع إحالات إلى حياة طويلة في قيادة الدولة إلى .. الهاوية!
في مصر، يتكرر المارش العسكري، ولا يتكرر الرئيس. الرئيس المتوج قبل الديموقراطية، ديموقراطية الأعراس بسحر الدكتاتورية الخفي. ... هناك، لا بأس، أيضاً، من أن يشكر عبد الفتاح السيسي حمدين صباحي، لأنه هو، أيضاً، البديل الوحيد الممكن، لكي لا يبقى وحيداً في وجه.. وجهه! وللمنافسين أن يتمتعوا بالفرصة الممنوحة لهم، بأن يكونوا منافسين، فلا أحد يصدّق أن العسكر العربي لا ينتصر! الجيوش تنتصر دوماً، حيث لا وجود للمعركة، وحيث السلاح الوحيد الممكن هو التصويت، وصناديق الاقتراع، لا صناديق الرصاص والخراطيش.
في الجزائر تلعب العسكرتارية الموروثة عن حرب الأوراس وسنوات الجمر، من وراء حجاب. والرئيس المدني يقلدها تقليداً أعمى: إنه بدوره مختف، لا نعرفه إلا بآثاره القليلة التي تدل عليه، كإله قديم في مخيلات شعوب المايا.
كل الأشياء ممكنة في عالم الديموقراطية المسلحة في بلدان الربيع والخريف العربيين: حتى التفكير مكان الخوف ممكن، شريطة أن ينبهروا بالزعيم الضروري للأمة، والذي لا يترك ساحة المعركة، إلا لكي يقود الشعوب إلى مقصلة، لكي تشاهد، بأم عينيها، كيف تذبح الديموقراطية!
من يرينا الصراحة التي خاطب بها الرفيق الدكتور بشار الأسد منافسيه ومواطنيه، والفوز المبرمج من الآن للمشير السيسي، والتداعي الرهيب للرئيس الجزائري أمام شعبه، هي أخطر أنواع الذكاء السياسي والمهارة الاستراتيجية. هكذا يحدث لنا، ولكي يكون حقيقياً، لا بأس من أن نجد في التاريخ المعاصر من نشبهه بنا: لماذا لا الجنرال ديغول! الرجل الفارع الطول والتاريخ معاً، ألم يكن جنرالاً، وقاد فرنسا إلى النصر، ثم إلى السلام وإلى ألمانيا من بعد؟ لا حاجة لنا بانتصاره، فقد ولى زمن الانتصارات، ولا حاجة لنا بجمهوريته الدستورية (الجمهورية التي مأسست دستورياً الكاريزما الرئاسية)! لا حاجة لنا لقيم الحلفاء، ولا للفكرة الديموقراطية. نحتاج عصا الجنرال وبذلته فقط في هذه المسرحية البهلوانية لتقليد زعيم فرنسا بالعكس! 
أعود إلى مصر، كلازمة في قصيدة المتنبي، وأتأمل المشهد الذي يتشكل بين مطرقة القاضي والمارش العسكري، فليس في مقدور العقل أن يتحمس لتفسير الرزمة القانونية التي أطلقها القضاء المصري ضد جماعة الإخوان المسلمين، عندما أصدر مئات الأحكام بالإعدام، وأضاف إليها أحكام إعدام أخرى، وصفيحة كاملة من المؤبد والقضبان. عبثية الأحكام عقدت لسان الخيال، وشلّت دورة العقل، لهذا نستكين إلى ما في السخرية من .. سوداوية، ونحلم بأن الذي يحصل ربما له معنى في سلم العبث، ولا معنى له في منطق الثورات. أسأل: هل مسطرة القانون الجنائي أصبحت كتاب السياسة الوحيد، والمختصر المفيد في فك التعقيد في القضية المصرية الداخلية؟ هل الديموقراطية خطة عسكرية، تستوجب التقدم تحت أعواد المشنقة والاقتراع تحت نيران الأعداء؟ وهل مصير الثورة أن تتقدم على أطراف أحلامها إلى حتفها، والقاضي يعود بها إلى سيرة روبسبير الذي فضّ تناقضاتها بحدّ السيف؟ لا أجد جواباً. لم يكن الخيار لدى الأعزاء في مصر الشقيقة بين غضب الله والعار الديمقراطي؟ فليس ضرورياً أن تحب جماعة الإخوان المسلمين لكي تكره الإعدام، أو تصفق لهدا العبث المتولد من الثورة. 

 

768EA96E-E08E-4A79-B950-D8980EE5911C
عبد الحميد اجماهيري

كاتب وشاعر وصحفي مغربي، مدير تحرير صحيفة الاتحاد المغربية، مواليد 1963، عمل في صحيفتين بالفرنسية، من كتبه "أوفقير .. العائلة والدم.. عن انقلاب 1972"، ترجم كتابا عن معتقل تازمامارت. مسوول في فدرالية الناشرين المغاربة.