متى تظهر "كفاية" في "الإخوان المسلمين"؟

متى تظهر "كفاية" في "الإخوان المسلمين"؟

15 مايو 2014

محمد مرسي محتجزاً في محاكمته (مايو 2014 Getty)

+ الخط -
(1)
"إسلامية إسلامية.. جيشنا المصري مع الشرعية".. هكذا هتف آلاف من أنصار "الإخوان المسلمين" في ميدان رابعة العدوية في القاهرة، وسط حالة هستيرية لا تُوصف من البكاء والقفز فرحاً، والأحضان، والتكبير، والسجود شكراً. أصوات مبحوحة، وأنفاس مقطوعة، وعيون حمراء من قلة النوم، أو كثرة البكاء.
لقد أعلنت المنصة، بعد أقل من ساعة من بيان عزل محمد مرسي، أن بعض قادة الجيش انشقوا وانحازوا إلى الشرعية. أكثر من صديق حضروا هذا المشهد الدرامي، حاولوا الإمساك بمتقافزين فرحين، طالبين منهم الانتظار للتأكد، وكان الرد دائماً هو السُباب، أو تأكيد أن الخبر صحيح، لأن "المنصة قالت كده". يكفي أن تكون المنصة، ممثل القيادة، قد قالت أي شيء، ليكون صحيحاً.
فيما بعد، ظهر أن الخبر كاذب تماماً، لكن هذا لم يغير مطلقاً من تكرار الظاهرة، فصدقوا وتقافزوا فرحاً حين قيل إن قائد الجيش الثاني انشق، وسيتحرك إلى القاهرة، ثم حين قيل إن البوارج الأميركية قادمة، ثم حين قيل إن عبد الفتاح السيسي مات (ظل هذا عنواناً رئيسياً على الصفحة الأولى لجريدة الشعب، المعبرة عن حزب العمل، أحد أحزاب تحالف دعم الشرعية، طوال أكثر من شهرين)، وبالطبع، تكرر ذلك مراراً مع تصدير وهم "الانقلاب يترنح"، ومع التهليل لأنباء المحكمة الجنائية الدولية.
(2)
"23 شخصية (من رموز الانقلاب) يُقدمون، الآن، للمحكمة الجنائية الدولية. الدعوى قُبلت شكلاً ويتم التحقيق فيها. وبالتالي، بنقول انتو محاصرين بالداخل من الصامدين في الشارع ومحاصرين بالخارج أيضاً .. قريباً لن يستطيع وزير الخارجية السفر للخارج".
يحيي حامد، القيادي الإخواني، ووزير الاستثمار الأسبق في مقابلة لبرنامج بلا حدود على شاشة الجزيرة في ديسمبر/كانون أول الماضي.

(3)
على مدى أشهر، ظلت قيادات "الإخوان المسلمين" تؤكد لقواعدها، بيقين تام، قوة موقفهم في ملف المحكمة الجنائية الدولية. وقد بحثت في موقع "إخوان أون لاين" على شبكة الإنترنت، فوجدت عشرات الأخبار، منها مثلاً: "الجنائية الدولية تقبل دعوى ضد السيسي باعتباره مجرم حرب"، "إعلاميو الانقلاب في مصيدة المحاكمة الجنائية الدولية"، "الجنائية الدولية: ننظر الشكاوى المقدمة ضد الانقلاب".
مصادر هذه الأخبار متنوعة في عين القارئ العادي، لكن، من يدقق يعرف، فهذه منظمة حقوقية، أنشأها "الإخوان" في لندن، وهذا ائتلاف ثوري مجهول، أسسه شاب إخواني، وهذا قاض من "الإخوان"، وهذا مركز إسلامي أوروبي أسسه "الإخوان"، وكان مهدي عاكف شخصياً مديراً له سابقاً ...إلخ. هذا الأسلوب يَحْبِك الكذبة، ليس على عامة الجمهور، بل على من يتابع الإعلام الإخواني، أي قواعدهم أنفسهم.
وفجأة يُصدم الجميع بأن المحكمة رفضت الملف أصلاً.
ما هو ردّ فعل الشخص العادي في التنظيم السياسي العادي، حين يكتشف كذباً مماثلاً من قيادته؟ أن يسائلهم، أو، على الأقل، أن يحاول فهم ما حدث.
ما هو رد فعل الشخص الإخواني؟ أن يلعن الظروف والمؤامرة.
حين تفتح أي صفحة "إخوانية" على مواقع التواصل الاجتماعي في الإنترنت، ستجد التعليقات على هذا الخبر هو الحديث عن مؤامرة الدول الغربية الصليبية لمحاربة الإسلام، وعن أن أميركا وأوروبا يدعمون الانقلاب، لأنهم يدركون خطورة "الإخوان" الذين لو تُركت لهم الفرصة، لأعادوا مجد الإسلام، ووصلوا إلى الخلافة وأستاذية العالم طبعاً!
عزيزي "الإخواني": هل تريد معرفة سرّ رفض المحكمة الدعوى؟
قمت ببحث خارق الصعوبة، لأكتشف هذا السر الرهيب، وأدعوك لتكرار ذلك. افتح موقع "جوجل"، اكتب في خانة البحث "المحكمة الجنائية الدولية"، افتح أول نتيجة، ستجد مكتوباً في صفحة ويكيبيديا، أن المحكمة تمارس اختصاصاتها فقط ضمن الظروف التالية: إذا كان المتهم بارتكاب الجرم مواطناً لإحدى الدول الأعضاء. إذا وقع الجرم المزعوم في أراضي دولة عضو في المحكمة، أو إذا سمحت الدولة التي وقع الجرم على أراضيها للمحكمة بالنظر في القضية، إذا أحيلت القضية للمحكمة من مجلس الأمن.

ببساطة الحالات الثلاث غير منطقبة، لذلك أي شخص عادي يمكن أن يعرف مصير القضية. كيف لم تعرف قيادة الإخوان، التنظيم الدولي المهيب، المدعوم بعدد كبير من المنظمات والكوادر القانونية، وميزانية ضخمة بملايين الدولارات، هذه المعلومة البسيطة البديهية؟ أم أنهم عرفوا وتعمدوا بيع الوهم للقواعد؟
في الحالتين، الجهل وضعف المستوى، سيكون التصرف الطبيعي هو مساءلة القيادة، أما في حالة "الإخوان"، فالسؤال لم يُطرح أساساً. وبالطبع، يصبح السؤال، قبل ذلك، عن سبب عدم توقيع مصر على الاتفاقية في عهد حكم "الإخوان"، من قبيل الرفاهية غير المتاحة.
(4)
قال الدكتور عز الدين الكومي من حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، ووكيل لجنة حقوق الإنسان في مجلس الشورى المنحل: "إن التصديق على الاتفاقية يجرنا للمحاكمات خارج مصر؛ ما يؤدي إلى إهانة القضاء المصري. مجلس الشورى يخشى من الوقوع في محظور لجوء الآخرين، بشكلٍ مستمر، إلى المحاكمات خارج مصر، ولا بد من وضع تلك المحاذير أمامنا عند التصديق عليها". وأضاف: "لا يجب أن ننسى أن المحكمة الدولية لا تزال مسيسة"، مستشهداً بما حدث مع الرئيس السوداني، عمر البشير.
من تقرير منشور على موقع "إخوان أون لاين" في 23 فبراير/شباط 2013، عن رفض مجلس الشورى الإخواني التصديق على انضمام مصر إلى محكمة الجنايات  الدولية.
(5)
السؤال الأهم من البحث عن أسباب فشل قيادات "الإخوان" وتخبطها، وعن كل الفرص التي كانت بيدهم، وأضاعوها بغباء أو غرور، قبل مسيرات 30 يونيو/ حزيران 2013 وبعدها، هو السؤال عن سبب اتباع قواعد "الإخوان" قياداتهم دائماً.
لماذا أيّدوا قرار عدم الترشح للرئاسة، ثم أيدوا الترشح في آخر لحظة؟ لماذا أيدوا التحالف مع أحزاب مدنية في انتخابات البرلمان ضد حزب النور، ثم أيدوا التحالف عكسياً مع "النور" ضد الأحزاب المدنية في لجنة الدستور؟ لماذا صدّقوا كل معلومة كاذبة، و برّروا كل قرار خاطئ مراراً وتكراراً، على الرغم من كل هذه الصدمات السياسية والنفسية؟
لم ترتكب هذه القيادات، فقط، أخطاء سياسية فادحة، بل هم يتحملون جانباً من وزر الدماء الغالية المهدورة، ومع ذلك، لا يوجد أي تيار داخلي واضح يقول: يا محمود حسين ويا إبراهيم منير "كفاية". لكن الجماعة العجوز لم تعرف في تاريخها أصلاً ثقافة المراجعة، أو تعدد التيارات الداخلية، فلم يثمر الصدام التاريخي مع جمال عبد الناصر، مثلاً، مراجعة للأسباب السياسية التي أدت إلى ذلك، بل اعتبرت أدبيات التنظيم ما حدث مؤامرة من الغرب والعلمانية، و"محنة" لهؤلاء المؤمنين. المحنة قدر ربّاني، ابتلاء له حكمة علوية، وبالتالي، لا علاقة له بمسار الجماعة السياسي الأرضي.
ما زال "ركن الثقة"، كما أسماه حسن البنا يوفر مرجعية فكرية ودينية، وما زال ضغط القمع والقتل والاعتقال يوفر مرجعية عاطفية، أيضاً، وقبل ذلك كله، يقف تعامل أنصار "الإخوان" مع تنظيمهم كطائفة أقرب للقبيلة، وكعقيدة دينية مقدسة، حائلاً صلباً تتحطم عليه أي أفكار للمراجعة. يمكنك أن تراجع مسار فصيلك السياسي، لكن، من شِبه المستحيل مراجعة أسرتك، أو دينك.
أخشى ألا يبقى بعد سنوات إلا ذكر "المحنة" الثانية، لتبقى الجماعة في المسار نفسه الذي تدفع ثمنه، قبل أن يدفعه الوطن معها. لن يَصْدُق وهم "ترنح الانقلاب"، إلا إذا ترنحت كراسي قياداتكم، بأيديكم أولاً.