تدمير المواطن

تدمير المواطن

11 مايو 2014
+ الخط -
في مجتمعنا الخليجي، يوجد عديم الكفاءة من العدم، ويولّى منصباً رفيعاً، من دون أيِّ شاهدٍ أو سيرةٍ على قدراته، ولا حتى نبوءة على ولادة شيء منها. ويتّفق الجميع، بمَن فيهم صاحب القرار، على هذا الحال الرديء، ويقال لك: الأيام والتجربة كفيلة بالتغيير، لا أحد يولد كاملاً. صحيح، ولا أحد أيضاً في هذا الكون يولد والفرص الكبيرة بانتظاره، وينتقل من منصب عالٍ إلى آخر أعلى منه، من دون توفّر الحد الأدنى من شروط شغل هذه المناصب، مدمّراً كل ما يمكن تدميره، نتيجة الغباء وعدم الكفاءة وضعف الأهلية، وغارساً في مَن حوله الإحباط واليأس، نتيجة القاعدة التي أقرّها وجوده.
إنها مناصب سيادية، يا هذا، وشروط شغلها لا علاقة لها بالكفاءة فقط، لو انتبهت!، ويكون الدفاع والأمن سيادة، والشؤون الخارجية والإعلامية سيادة، والمال سيادة، والرياضة، أيضاً، سيادة. ويجد الناس، معظم الناس، أنفسهم محشورين في ركن ضيّق من بلادهم، وهم يشاهدون أصحاب "الباراشوتات"، يسقطون من الأعلى على مفاصل إدارة الدولة، بحجة معرفة ما لا نعرف نحن. ولأن فئة صغيرة من المجتمع مسكينة وضعيفة، ولا يتمتع أبناؤها بالكفاءة اللازمة، ولا طاقة لهم على الدراسة والعمل العام وتحمّل الصعوبات، ولا بدّ أن يكون لها نصيبها من المناصب الرفيعة، فتشغل معظمها تاركة للبقية الفتات!
في مجتمعاتنا، تجري عملية تدمير للمواطن، وتكاد تكون شبه منظّمة، أولاً، بتكريس منطق أعوج للحقوق، لا يمكن القبول به في أي مجتمع حر، وهيمنة النظام المتمثل بالأسرة الحاكمة على كل شيء، واختزال الدولة بالفرد وأسرته، وملحقاتها العائلية والفئوية من المجتمع، واعتماد مبدأ الولاء مقياساً للقبول والنجاح والترقّي والمشاركة، واحتكار الإدارة والسياسة والتجارة، وتحويل الحياة في الدولة إلى ما يشبه المزرعة، أو الاقطاعية، كل شيء فيها خاضع لقوانين المالك ومزاجه وميوله وأهوائه، ويخوض قطيع المواطنين عملية تنافس لكسب الرضى، واغتنام الفرص السانحة.
ليست هذه المصيبة، وقد قنعنا بها عقوداً، المصيبة ما تقوم به أجهزة الدولة الخليجية من محاولات لتعويض النقص في روح هذا المواطن، بتضخيم ذاته، وتعزيز أهميته، من دون أن يكون مهمّاً، وتحويل انشغاله عن حقوقه الأساسية إلى ما لا يستحق. إن محاولات نفخ المواطن يتّضح أثرها في الشارع والوظيفة والمظهر واللغة والخطاب الدارج، وهي واضحة في وسائل التواصل الاجتماعي، وجليّة في نوعية الاهتمام العام، وما يمكن أن يشكل قضية رأي عام، وما يمر مرور الكرام، وفي الموقف من العرب والأجانب المقيمين في الدولة، وفي قضايا لا حصر لها، وتعكس، أولاً وأخيراً، وجه الخلل الرئيسي في حاله وحقوقه،  كمواطن مفترض في بلاده.


 

D6F4AA67-E319-40DD-95D6-786BF0C295EB
علي الظفيري

كاتب وإعلامي في قناة الجزيرة