الصراع حول المسلّمات

الصراع حول المسلّمات

06 ابريل 2014

ماذا فعل بنا الانقلاب في مصر؟

+ الخط -

أي نقاش حول المسلّمات والحقائق المطلقة، أو لنقل شبه المطلقة، والأمور المتفق عليها، والتي باتت محسومةً عند البشر، لا يجب الالتفات إليه، إِلا إذا كان نقاشاً تعليمياً أو تربوياً، في الحدود الضيقة، وبأغراض محددة، مثل تربية أبنائك على قيم العدل والمساواة والحرية وغيرها، أو كما يفعل معلم في المرحلة الثانوية، مع طلبته، في عصفٍ ذهنيٍّ حول حق الإنسان في التعبير عن رأيه. ما عدا ذلك مرفوض، ويجب التشدد في قمعه وإقصائه ومناهضة من يدفعنا إليه. لابد من الحزم في هذه المسألة، مهما كانت أغراض الذي يجرنا إلى نقاشات كهذه، نتيجة الغباء والجهل، أو رغبة التشكيك في ما لا يقبل التشكيك.

كيف؟ ألا يناقض هذا الأمر مبدأ حرية التعبير وإبداء الرأي، ومطابقٌ تماماً لما نحاربه، ونعمل ضده، طيلة الوقت؟ أليس أمراً مذموماً يميز الأنظمة الشمولية، ومثقفيها الذين يقمعون الاختلاف والنقد؟ لا، إنه، بكل بساطة، يحارب ما يقومون به، ومنذ اللحظة التي صححت فيها الثورات مسار النقاشات العمومية في عالمنا العربي. إنّ كل ما يقوم به الفلول، والذين كنا نتردد في إطلاق هذا الوصف عليهم، تحت ذرائع وحجج كثيرة، تَبيَّن عدم جدواها، ورغبة منا بدمجهم في الحالة العربية الجديدة، هو استغلال هذا الأمر لهدم الثوابت والمسلمات والبديهيات، وزرع مسلماتهم وبديهياتهم البالية، الساقطة في أذهان الجمهور العربي، ومن جديد، في محاولةٍ لإسقاط مشروع التغيير الذي تحرك في المنطقة برمتها، ونستطيع ضرب أمثلة على ذلك.

ما هي أول نتيجة مباشرة لثورة 25 يناير؟ النتائج كثيرة، لكني سأدلل بحدثٍ أو اثنين، في عام 1996، تقدم حزب سياسي مصري (الوسط) بطلب اعتماد لدى لجنة شؤون الأحزاب في مجلس الشورى، وفي 13 مايو/أيار من العام نفسه، أصدرت اللجنة قرارها برفض قيام الحزب، وتكرر الطلب مرتين في عامي 1998 و2004، مع توفر الشروط اللازمة لإعلان الحزب، وتكرر الرفض أيضاً. لكن، ماذا حدث بعد سبعة أيام فقط من خلع حسني مبارك؟ في 19 فبراير/شباط 2011 على وجه التحديد؟ أُلغي قرار لجنة شؤون الأحزاب بالاعتراض على تأسيس الحزب، وظهر إلى العلن أول حزب سياسي، بعد الثورة المصرية، بعد خمسة عشر عاما من المماطلة والتأخير.

مثال آخر، كانت جماعة الإخوان المسلمين محظورة منذ 1954، بعد حادثة المنشية، ما هي أول انعكاسات الثورة المصرية على الجماعة؟ أسست في 6 يونيو/حزيران 2011، أي بعد ثلاثة أشهر من انطلاق ثورة يناير، حزب الحرية والعدالة، وانتخب الدكتور محمد مرسي رئيساً له، والمفكر المسيحي، رفيق حبيب، نائباً للرئيس، وفاز الحزب، ضمن التحالف الديمقراطي من أجل الديمقراطية، بنحو 47% و59 من مقاعد مجلسي الشعب والشورى.
ما معنى ذلك؟ في الحالتين، أعادت الثورة الاعتبار للبديهيات. وتحديداً، أعادت الاعتبار لبشريتنا. كل ما في الأمر أن جماعة من المواطنين يرغبون بتشكيل حزب سياسي، والمشاركة في الحياة السياسية. هذا كل ما في الأمر، وهو ما يحدث في جزر موريشيوس وجمهورية الرأس الأخضر وجنوب إفريقيا وسلوفينيا وبوتسوانا وأستونيا وتشيلي وسلوفاكيا والهند وقبرص وليتوانيا وجامايكا وبولندا وبوليفيا وبلغاريا والسلفادور وغينيا الجديدة وناميبيا وبنغلاديش وهندوراس، وغيرها. هل هذا كثير علينا، هل تبدو عملية تأسيس حزب، ومزاولة النشاط السياسي، عمليةً غريبةً ومستهجنةً في القرن الحادي والعشرين؟

ماذا فعل بنا انقلاب الثالث من يوليو/ تموز في مصر؟ وماذا فعل بنا الإعلام العربي المساند للانقلاب قبل حدوثه، وفي أثناء حدوثه، وبعد حدوثه، وتبيُّن نتائجه وانكشاف نواياه، وتعهد القائم عليه بعدم الترشح للرئاسة، وعدم رغبة المؤسسة العسكرية بإدارة الدولة، والإيحاء بالانحياز للرغبة الشعبية، ثم النكوص عن ذلك كله! كل ما قامت، وتقوم، به منظومة الانقلاب في العالم العربي، هو هدم المسلمات والبديهيات التي ثبتت ثورات الربيع العربي أركانها في أذهان الناس ووجدانهم، وهذا ما لا يجب الاستسلام له، حتى وإن رضخنا للأمر الواقع على الأرض، وسلمنا بموازين القوة القائمة. 

D6F4AA67-E319-40DD-95D6-786BF0C295EB
علي الظفيري

كاتب وإعلامي في قناة الجزيرة