المصالحة منتهى الحلم العربي

المصالحة منتهى الحلم العربي

23 ابريل 2014
+ الخط -
هكذا تتدحرج الأنظمة العربية وتهوي إلى المنحدر، إلى قاعٍ بلا قرار. على مدار أكثر من ستين عاماً، تنتقل الأنظمة البائسة من مرحلة انحدارٍ إلى أخرى، وتؤكد، في كل مرة، أن الشعار الذي تختاره لا بديل له، والأكثر جدوى، بل وتذهب إلى حد اعتباره "خياراً استراتيجياً وحيداً"، وهو أمر يبدو مقبولاً، في ظل بوار حقول السياسة والزراعة معاً.
 

من مواجهةٍ عسكريةٍ، للأسف بائسة، مع العدو الصهيوني في 1948، إلى مراحل من الكرّ والفر والحروب التي تمت هندسة نتائجها سياسياً؛ لتبقى انتصاراً ناقصاً، ثم عبوراً، (الأكثر دقة هرولة)، إلى معاهداتٍ تخلص الأنظمة العربية في صيانتها، على الرغم من علمها، بل ورؤيتها بالعين المغمضة، وهي تنتهك من طرفٍ آخر، هو، أساساً، كيان بـُنِيَ على الخيانة،  ثم دخولاً في مرحلة الاستجداء، وصولاً إلى مرحلةٍ بديعةٍ من الاستغناء عن المواجهة والهرولة والاستجداء، إلى الاقتتال الأهلي والصراع، المسلح أحياناً، بين أبناء كل قطر عربي،  بالاضافة الى حروبٍ استمرت سنواتٍ بين أقطار عربية.


وقد أصبح الحال كذلك، فليس غريباً أن أضحت "المصالحة خياراً استراتيجياً وحيداً"، وحلماً، بكل أسى، بعيد المنال وصعب التحقق، بين أبناء كل قطر عربي، فالاستقطاب يستعر، والمغذيات جاهزة، والحالة الوحيدة التي يسمح (الأصح يمرّر) فيها المجتمع الدولي بأسلحة خفيفة ومتوسطة، بل وثقيلة أحياناً، هي حالة الاحتراب الأهلي بين الفصائل والقبائل والعشائر، بينما العدو هناك، أو هنا، يبدو سعيداً بما يحدث، ولا يكتفي بذلك، بل يطلب المزيد، ويسمح لنفسه بأن يفرض، بطرقٍ مباشرة، متى وكيف، وما أسس المصالحة.


إن شئت فاقرأ في دفتر المآسي، الممتلئ عن آخره، بمحاولات المصالحة بين حركتي فتح وحماس في فلسطين، سلطة الانقلاب العسكري ومؤيدي الشرعية في مصر، حكومة نوري المالكي الطائفية بامتياز والسنّة وفصائل من شيعة العراق، قوى الأيام المختلفة من شهر آذار في لبنان، جنوب السودان وشماله، سنة وشيعة البحرين، ومثلها، وإنْ بدرجةٍ مغايرة في تونس وليبيا واليمن، الذي لا أعرف متى كان سعيداً منذ قرن. أما عن الجرح السوري الأليم، فأرجوك كفَّ عن القراءة، فالحروف فيها مكتوبة بالدماء، وبأشلاء جثث الأهل والأشقاء.


ما الحل إذن؟
هل نكف عن السعي إلى المصالحة؟ ونكتفي بالفرجة والانتقاد؟ هل ننتظر أَن يهبط علينا ملك من السماء، لن يأتي بكل تأكيد، ليعقد لنا المصالحة؟ أَو نمكث حتى تحل بنا كارثةٌ تجبرنا على الصلح؟
الحل، في تصوري، سيأتي من حيث لا تحتسب الأنظمة العربية التي أدخلتنا في أتون الحروب الأهلية، بدرجات متفاوتة؛ ذلك أنها بلا إرادة حقيقية، فإرادتها فقط هي الكرسي، ولا تسَـلْ كيف الوصول إليه، فالأمر لديها، سواء على كرسي للمقعدين والعجزة، أو على دبابة وعربة مصفحة.

الحل قادم من أصحاب الإرادة الحقيقية، من الشوارع والأزقة، في مدنٍ عربية، تحتضن شباباً واعداً، يدرك أنه لا حرية ولا كرامة ولا عيش بلا ثمن، ومن حسن الحظ أنه مستعد لدفع الثمن؛ يدفع كل يوم أرواحاً ودماء زكيةً يطهر بها الأرض العربية، ليحصد مصالحة حقيقية مع العصر والعالم، وقبل ذلك مع النفس أَولاً.


ارفعوا أيديكم الباطشة عنه، أو حتى لا ترفعوها، فهو سيكفها بطريقته، وحتماً، سيأتي بما هو أبعد من المصالحة. قد تطول به الأيام قليلاً، لكن الحلم الساطع حتما آت.
50C80A35-B0FB-49CC-BE88-9A8FC8B80144
نزار قنديل
كاتب وصحافي مصري، مدير مكتب مصر ورئيس قسم المراسلين في موقع وصحيفة "العربي الجديد". عمل في عدد من المؤسسات الإعلامية العربية والمصرية. يعرّف نفسه: كل لحظة تمر، بدون أن تكون لك كلمة حق وخير وجمال، هي وقت ضائع. كل لحظة لا تصمت فيها، إذا لم يكن لديك كلمة نافعة، هي ثرثرة ضارة. بعيداً عن الوقت الضائع، والثرثرة، أحاول أن أكتب. إن شئت فاقرأ ما تيسر من كتابتي.