استعادة تقسيم فلسطين

استعادة تقسيم فلسطين

08 ديسمبر 2014

إنزال العلم البريطاني عن ميناء حيفا عشية النكبة (14مايو/1948/أ.ف.ب)

+ الخط -

كلما مرت ذكرى صدور وعد بلفور 1917، وصدور قرار تقسيم فلسطين عام 1947، يعتصر الألم والغضب الفلسطينيين في كل مكان، وتنبعث، من جديد، شجونهم وشكواهم، ومعها إدانتهم وتنديدهم بتآمر القوى الدولية الكبرى، والمجتمع الدولي ممثلاً، بدايةً، بعصبة الأمم، وتالياً بالأمم المتحدة، عليهم وعلى وطنهم، وعدم إنصافه لهم، على الرغم مما ألم بهم من نكبات وويلات بسببه، على امتداد نحو قرن وصولاً إلى اليوم، على الرغم من قبولهم كثيراً مما كانوا يرفضون، على أمل الفوز بالقليل المتبقي، فالمجتمع الدولي، إياه، بعواصمه الكبرى الرئيسية، لا زال يمتنع عن مساعدتهم على استعادة بعض حقوقهم (لا كلها)، ويمتنع عن الضغط على الكيان الذي فرضه، وأقامه في فلسطين، لكي يقبل بإنهاء احتلاله الأراضي الفلسطينية التي استولى عليها عام 1967، ولا تشكل مساحتها سوى 22 % من مساحة فلسطين الإجمالية التي استولى على غالبيتها (78%) عام 1948.


قرار مكمل لوعد بلفور..

حتى سنوات قليلة، كنا نحيي ذكرى صدور قرار التقسيم، كل عام، بمؤتمرات وندوات نخصصها للتنديد بالقرار وعدم مشروعيته وتجاوز الأمم المتحدة ميثاقها عند إصداره، وخضوعها لضغوط أميركية وغربية، لإصداره بغالبية دفعت دفعاً للموافقة عليه، وأخرى أجبرت على الامتناع عن التصويت عليه، بدل معارضته، وثالثة صمدت أمام الضغوط وصوتت ضده (صدر القرار الرقم 181 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 33 صوتاً ومعارضة 13 صوتاً وامتناع 10)، وقلما كان المتحدثون يشيرون إلى مسؤولية قياداتنا ومؤسساتنا كافة، قبل صدوره وعند صدوره وبعيد صدوره، مكتفين بإدانة الغير، والتنديد بتآمرهم وأفعالهم، وممتنعين عن إدانة القيادات وتقصيرها وتقاعسها في فهم وإدراك مرامي السياسات الدولية وأهدافها المعلنة والمستترة وسبل التعامل معها، ومسايرتها، حين تقتضي الضرورة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرضٍ، مستهدفة بالسلب وحقوق معرضة للهدر ومواثيق تداس كلما اقتضت ذلك الضرورات والمصالح.

لم يكن صدور قرار التقسيم عام 1947 مفاجئاً لأحد في فلسطين، وغيرها من الدول العربية المعنية، بما في ذلك جامعة الدول العربية، الحديثة التأسيس آنذاك، فالكل كان على علم بوعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وبما نص عليه صك الانتداب البريطاني على فلسطين، والذي أصدرته عصبة الأمم، في أوائل عشرينات القرن الماضي، ويعرف، أيضاً، التسهيلات البريطانية بشأن هجرة اليهود إلى فلسطين، واستيطانهم فيها، وإقامة مؤسسات لهم تمهد لإقامة وطن ودولة فيها. ما قاد إلى إضرابات وهبات وثورات فلسطينية عدة، كان أهمها ثورة عام 1936، الأمر الذي استغلته بريطانيا، لتسويق فكرة تقسيم فلسطين، وإقامة دولتين فيها، للعرب ولليهود، وذلك بعد وصول لجنة اللورد بيل البريطانية، وإصدارها تقريرها المعروف بتقرير لجنة بيل عام 1937 (قبل عشر سنوات من صدور قرار التقسيم)، متضمناً أول مقترح بتقسيم فلسطين، وتبعه، بعد عام، تقرير لجنة وود هيد البريطانية عام 1938، متضمناً مقترحاً مماثلاً.

ثم تتالت المقترحات والأفكار التقسيمية، إلى أن أحالت بريطانيا القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة، مع إعلانها عن عزمها على سحب قواتها من فلسطين في الخامس عشر من مايو/أيار عام 1948، وكان من ثم قرار الجمعية العامة بتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية مع تدويل القدس، في القرار الذي حمل الرقم 181 وصدر في 29 نوفمبر/تشرين ثاني 1947، على أمل منها أن يكون مدخلاً لتطبيق وعد بلفور، بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين (أي في بعضها، وليس في كلها) وعلى أمل أن يكون مدخلاً لحل الصراع المتصاعد فيها، والحيلولة دون انفجاره وتحوله إلى حرب، وهو ما حصل فور انسحاب القوات البريطانية، في ليلة الخامس عشر من مايو/أيار 1948، والتي أعلن القادة الصهاينة فيها، عند اجتماعهم في تل أبيب، عن إقامة دولة إسرائيل، استناداً لما نص عليه القرار 181 بينما غاب عن القيادات الفلسطينية أهمية وضرورة المبادرة في الليلة نفسها، أو في اليوم التالي للإعلان عن استقلال دولة فلسطين، سواء استناداً إلى ذلك القرار، أو استناداً إلى حقهم الطبيعي والتاريخي والقانوني، طالما أن الانتداب البريطاني انتهى، وأن يتبع ذلك تشكيل حكومة فلسطينية، تمثل الشعب، وتتحدث باسمه في المنابر والمحافل الدولية والعربية للمفاوضة على مستقبل فلسطين، سواء تطبيقاً للقرار المذكور، مع إدخال تعديلات عليه، أو للوصول إلى اتفاق أفضل منه.

ديبلوماسية غائبة

ربما كان الأجدر بالقيادات الفلسطينية عند صدور القرار أن تبدي بعضاً من التفهم له، واستعداداً للنظر به، والتعامل معه، لمعرفة مدى استعداد القائمين على إصداره، لتنفيذه وما يمكن أن يحققه الفلسطينيون من ذلك، بدل التمترس في دائرة الرفض المطلق له، كما سبق ورفضوا مقترحات التقسيم السابقة، مع ما كان من ضرورة للأخذ بالاعتبار أن القرار صدر عن أعلى هيئة دولية، وقد ضمن لهم دولة على نصف أرضهم، وبدل التمترس وراء اقتناع حماسي واهم، بالقدرة مع العرب على الحيلولة دون تنفيذ القرار، ومنع إقامة وطن ودولة يهودية على أرض فلسطين، والحفاظ عليها أرضاً عربية فلسطينية، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، فقد استعد الصهاينة لإقامة دولتهم، واستعدوا لخوض الحرب من أجلها، بكل ما امتلكوا من قوى، سواء في مواجهة القوات الفلسطينية المتناثرة، أو القوات العربية المتنافرة.

كاد الفلسطينيون والعرب أن ينتصروا قبل الهدنة الأولى، لكنهم، كما كانوا في السياسة والدبلوماسية، كانوا في الحرب، خسارة مدوية هناك، وخسارة أكبر دوياً هنا، من دون أي محاسبة، ومن دون أي مراجعة، ومن دون أي استعداد لتدارك الموقف، ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وضرورة المبادرة إلى إقامة الدولة الفلسطينية على ما بقي من أرض فلسطين، في مواجهة الدولة اليهودية للاستمرار في خوض المعركة، سياسياً ودبلوماسياً في المحافل الدولية. فما بقي من أرض فلسطين، ولم تتمكن القوات الصهيونية من السيطرة عليه (الضفة الغربية وقطاع غزة) سرعان ما لعبت قوة الجغرافيا السياسية لعبتها، قضماً وهضماً، وذلك عندما اعتبر الملك عبد الله ملك الأردن أنه، وقواته، تمكن من الحفاظ على الضفة الغربية وإنقاذها، وحال دون احتلالها، وله الحق، بالتالي، في ضمها إلى مملكته، عبر ما سمي مؤتمر أريحا، ضارباً عرض الحائط محاولة الفلسطينيين الخجولة، بدعم من القاهرة تأسيس حكومة عموم فلسطين في غزة، وفارضاً، في الوقت نفسه، على مصر التصرف بقطاع غزة الموجود في عهدتها بشي مشابه، عبر جعله تحت حكمها العسكري، ومنع إقامة كيان فلسطيني مستقل فيه.

لعل أخطر ما حصل بعد حرب 1948 هو تشريد القيادات والنخب الفلسطينية، كما الشعب الفلسطيني في المنافي العربية المجاورة، حيث أصبحت متباعدة، وكل منها أسير منفاه، الأمر الذي قاد إلى انكماشها، ثم تلاشيها، وفي أحسن الحالات، اضطرارها للعمل في سياق سياسات العواصم العربية، ومتطلباتها وتناقضاتها، سواء بشأن قضية فلسطين، أو غيرها. وهذا ما حصل في المفاوضات التي قادها الوسيط الدولي، الكونت برنادوت، ومن بعده، لجنة التوفيق الدولية، عندما غاب عنها المفاوض الفلسطيني المستقل، وحل محله أكثر من مفاوض عربي، كل منهم يفاوض بحسب مقتضى مصلحة الدولة التي أوفدته، على رغم أهمية تلك المفاوضات، خصوصاً بعدما قدم برنادوت مقترحاته الشهيرة (اغتالته إسرائيل بسببها) وبعدما اضطررت إسرائيل للإعراب عن قبولها القرار 181 المتضمن تقسيم فلسطين، والقرار 194 المتضمن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، تمهيداً لقبول عضويتها في الأمم المتحدة.

وقد جرت كل تلك المفاوضات في رودس وغيرها، وجرى التوقيع على بروتوكول لوزان، بغياب فلسطيني تام، استمر حتى قرار أول قمة عربية، بمبادرة مصرية، تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964.


سياسة الـ(لعم)

في تلك المفاوضات، أعربت الوفود العربية سراً عن استعدادها للقبول بقرار التقسيم، لكنها مع توقف تلك المفاوضات، عادت عن ذلك، واستمرت بالإعلان عن رفضه، وإدانته، وبالتأكيد على عروبة فلسطين، وهدف تحريرها، وهو الهدف الذي حملته المنظمة التي أسستها القمة، لتمثيل الشعب الفلسطيني وتحرير فلسطين، من دون أي التفات عربي إلى أن تأسيس المنظمة كان يوجب منحها الأرض الفلسطينية غير المحتلة (الضفة والقطاع)، لإقامة دولة فلسطينية (وليس مجرد منظمة) عليها، لاستكمال تحرير المحتل من أرضها، بدل أن تبقى المنظمة بلا أرضٍ تقف عليها، وتمتلكها، على الرغم من توفر هذه الأرض، ووجودها خاضعة للأردن، وتابعة لمصر، وهو ما لم تتنبه إليه، أيضاً، النخب الفلسطينية المؤسسة للمنظمة، ولا تلك التي أعلنت انطلاق الكفاح المسلح الفلسطيني في أوائل 1965، وفي مقدمتها حركة فتح، وكأن تحرير فلسطين لا يوجب أن يمتلك الفلسطينيون أرضهم المحررة، لإقامة دولة لهم، تمثلهم بدلاً من منظمةٍ، للانطلاق منها نحو تحرير أو استعادة ما أمكن من أرضهم المحتلة عام 1948، بما في ذلك إمكانية المفاوضة على تنفيذ قرار التقسيم، وإعادة اللاجئين.

آنذاك، لم يفكر أحد بذلك، ولعل الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، الوحيد الذي امتلك هكذا مقاربة ورؤية، وامتلك الجرأة على عرضها ضمن مقترح معلن، بعيداً عن أناشيد التحرير المرتفعة في العواصم المجاورة لفلسطين، من دون امتلاك القدرة، أو فتح الطريق إلى ذلك. فالضفة جزء من الأردن، والقطاع تحت الحكم المصري، والقوات الدولية على امتداد الحدود المصرية مع إسرائيل، ولا أحد من الدول المجاورة على استعداد لخوض حرب لتحرير فلسطين. فالكل مستعد للتغني بتحريرها، وليس بالعمل على تحريرها، وقليل منهم يدعم الفلسطيني إذا أراد تحريرها.

مع مطلع ربيع 1965 زار الرئيس بورقيبة الأردن ولبنان، داعياً إلى اتباع سياسة المراحل، ومنتقداً سياسة الكل أو لا شيء، وقال في كلمة في مدينة أريحا في 3 مارس/آذار 1965 إنه (كان على العرب أن يقبلوا بالتقسيم، لأنهم لو فعلوا لكانوا في حالة أفضل مما هم عليه) ثم دعا في بيروت في 11 من الشهر نفسه إلى الأخذ بسياسة خذ وطالب، مؤكداً، من جديد، أن تحقيق آمال العرب في فلسطين لا يكون إلا على مراحل. عاد إلى تونس، وألقى خطاباً في 21 أبريل/نيسان 1965 دعا فيه إلى تسوية الصراع، على أساس قرار التقسيم، على النحو التالي:

1-تعيد إسرائيل إلى العرب ثلث المساحة التي احتلتها منذ إنشائها، لتقوم عليها دولة فلسطينية.

2-يعود اللاجئون الفلسطينيون إلى دولتهم الجديدة.

3-تتم مصالحة، ويعقد سلام بين الدول العربية وإسرائيل، ينهي حالة الحرب الباردة بينهم.

4-تبدأ المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل، على أن يتبعها اجتماع بين إسرائيل والحكومات العربية في روما، أو في أي عاصمة أخرى.

5-وعد بإثارة الموضوع في مؤتمر القمة العربية في الدار البيضاء، وأن يتصل شخصياً بالرئيس جمال عبد الناصر حوله، إذا أخذت إسرائيل موقفاً إيجابياً من مقترحاته.

لم يكتف الفلسطينيون والعرب برفض اقتراح بورقيبة، بل سارعوا إلى التنديد به، وإدانته وتوجيه الاتهامات له، مؤكدين تمسكهم برفض التقسيم، ورفض الاعتراف والصلح والتفاوض مع إسرائيل، وهو ما أعادوا تأكيده في قمة الخرطوم عام 1967، بعيد هزيمة الجيوش العربية في يونيو/حزيران من ذلك العام.

آنذاك، استمر العرب بالتمسك بسياسة الرفض المطلق للاعتراف بالهزيمة، والتمسك بوجوب تحرير ما احتل عام 1967، إضافة إلى تحرير ما احتل عام 1948، وتجلى ذلك في قرارات قمة الخرطوم واللاءات الثلاث التي قررتها، وفي دعم الثورة الفلسطينية، والنفخ فيها وكأنها القوة المنقذة التي ستقود إلى تحقيق تلك الأهداف، علماً أن بعض الدول كانت تمنع، أو تعرقل، أو تتمنى عدم دخول الفدائيين الفلسطينيين من حدودها باتجاه الأراضي المحتلة، لتنفيذ عمليات عسكرية ضد القوات الإسرائيلية.

وكانت المفاجأة الكبيرة بعيد حرب أكتوبر/تشرين أول 1973، وما تخللها من احتلال إسرائيلي مزيداً من الأراضي، عندما قررت القمة العربية في الجزائر عام 1973 الابتعاد عن الهدف الاستراتيجي المتمثل بتحرير فلسطين، واعتماد هدف تكتيكي يتمثل بالسعي لاستعادة الأراضي المحتلة عام 1967، وما تبع ذلك فلسطينياً من ابتعاد معلن عن الهدف الاستراتيجي، واعتماد الهدف التكتيكي، متمثلاً بالبرنامج المرحلي عام 1974 لاستعادة الضفة الغربية وقطاع غزة وإقامة دولة فلسطينية فيهما، طبعاً من دون أي ذكر للتفاوض مباشرة مع إسرائيل أو الاعتراف بها والصلح معها، بل اعتماداً على المؤتمر الدولي المنشود والمفاوضات غير المباشرة. وبذلك، تجاوز العرب، ومعهم الفلسطينيون، قرار التقسيم، وقبلوا بما هو أقل منه بكثير، أي القرارين 242 و338 الصادرين عن مجلس الأمن الدولي، عامي 1967 و1973.

مرحلة التخلي عن هدف تحرير فلسطين، واعتماد الهدف المرحلي، ومعها التخلي عن رفض قرار التقسيم، بدأت آنذاك، ولم تنته فصولاً بعد، فهذه الأراضي (الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان) لا تزال محتلة، ولا تزال المقاربات السياسية، ومعها المفاوضات بشأنها، تارة هنا وتارة هناك، ومعها اتفاق أوسلو، والاعتراف المتبادل وتشكيل السلطة الفلسطينية، لا تزال هذه المقاربات تتقدم وتتراجع وتتباطأ من دون أن توصل إلى تحقيق الهدف الذي وصف يوماً بأنه مرحلي، وقد طال أمر انتظار تحقيقه، منذ اعتماده أكثر مما طال انتظار هدف تحرير فلسطين، حتى التخلي عنه عام 1973.


تنازلات متأخرة

وقد نص الميثاق الوطني الفلسطيني الصادر عام 1968 (بعيد هزيمة 1967) في المادة التاسعة عشرة منه (يعتبر تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947 وقيام إسرائيل باطل من أساسه، مهما طال عليه الزمن، لمغايرته لإرادة الشعب الفلسطيني، وحقه الطبيعي في وطنه ومناقضته المبادئ التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة، وفي مقدمتها حق تقرير المصير). ألغيت هذه المادة من نص الميثاق، في اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني في غزة 1996، مع 12 مادة وتعديل 16 مادة أخرى من مواد الميثاق، البالغ عددها 33 مادة، الأمر الذي يعني، عملياً، أن الميثاق الوطني أصبح في خبر كان.

وقبيل ذلك، وتحديداً في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1988، نص إعلان الاستقلال الذي أصدره المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر على أنه (ومع الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب العربي الفلسطيني، بتشريده وحرمانه من حق تقرير المصير، إثر قرار الجمعية العام رقم 181 عام 1947 الذي قسم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية، فإن هذا القرار ما زال يوفر شروطاً للشرعية الدولية، تضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في السيادة والاستقلال الوطني).

استند اتفاق أوسلو إلى القرار 242، بعد أن اضطررت القيادة الفلسطينية للتخلي عن هدف تحرير فلسطين، وللتخلي بعدها عن رفض القرار 181 وعن كل اللاءات، والعمل بعكسها، أملاً بأن تقبل إسرائيل تطبيق القرار 242 والانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى خطوط الرابع من حزيران 1967 لإقامة دولة فلسطينية، على ما مجموعه 22% من مساحة فلسطين، هي مساحة الضفة والقطاع معاً. إلا أن إسرائيل، وعلى الرغم من كل ما قدمته القيادة الفلسطينية من تنازلات كبيرة وجسورة، ترفض هكذا انسحاب، وترفض حتى اعتبار انسحابها من قطاع غزة عام 2005 نهاية لاحتلالها له، وذلك عبر رفضها إيداع وثيقة لدى الأمم المتحدة بنهاية هذا الاحتلال، لئلا يصبح القطاع في القانون الدولي أرضاً فلسطينية محررة ومستقلة، يحق للفلسطينيين إقامة دولة ذات سيادة فيها، وترفض أكثر الانسحاب من الضفة، معتبرة سحب قواتها من مدن الضفة، وبعض مناطقها، بمثابة إعادة انتشار لقواتها وليس انسحاباً منها، الأمر الذي يمكنها من إعادة اقتحام تلك المناطق، والانتشار فيها، كلما أرادت. والأدهى أنها ترفض حتى اعتبار نفسها قوة محتلة هناك، كما تؤكد ذلك قرارات الأمم المتحدة، وتصر على اعتبار القدس جزءاً من أرض إسرائيل، وعاصمة أبدية لها، وعلى استمرار التوسع الاستيطاني في الضفة، الأمر الذي يعني أن إسرائيل، وعلى الرغم من كل ما قدمه الفلسطينيون لا تزال ترفض تمكينهم من الحصول على الـ 22 % من أرض فلسطين، (وهي لا تشكل سوى 50% مما منحهم إياه قرار التقسيم)، وتراهن على إمكانية أن يحين الوقت الذي يضطر فيه الفلسطينيون للقبول بنصف مساحة الـ 22%، أو بأقل من ذلك عبر القبول بعرض يقضي بتقسيم الضفة، أو الاستمرار في احتلالها، والاستيطان فيها واستمرار التضييق على الفلسطينيين فيها، عبر فرض مزيد من الحصار والتجويع والتهجير عليهم وجعل مدنهم ومناطق سكناهم كانتونات مقطعة الأوصال، لا حق لهم فيها سوى الإقامة المؤقتة وتنظيم الإدارة الذاتية، عملاً بما سبق، وأن أعلنه مناحيم بيغن، زعيم حزب الليكود ورئيس وزراء إسرائيل، عندما ادعى أن الضفة وقطاع غزة أراض إسرائيلية محررة.

تراهن إسرائيل، اليوم، على الفوز بالضفة كلها بعد استيطانها أو بتقاسمها مع الفلسطينيين مؤقتاً عبر دفعهم المتواصل إلى هاوية اليأس في زمن يزدادون فيه ضعفاً على ضعف، بسبب افتقادهم مصادر القوة المعهودة، وانشغال الأشقاء عن قضيتهم الأولى بقضايا أكثر إلحاحاً وذات طابع وجودي بالنسبة لهم.