خطر أجنبي على الجزائر حقيقة أم ابتزاز؟

خطر أجنبي على الجزائر حقيقة أم ابتزاز؟

24 ديسمبر 2014

لم يخرج سعداني عن سياق ما سطرته السلطة الجزائرية

+ الخط -
هل كان عمار سعداني، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، الحزب الحاكم في الجزائر، والذي يُعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رئيساً له، واعياً بالتأثير الخارجي لكلامه في لقائه بمناضلي الحزب في مدينة تيزي وزو، أم أن الرجل أخذته العزة بالجماهير، فراح لسانه يفرخ تصريحات تورط السلطة الجزائرية من حيث أراد أن يخدمها. قال "إن انخفاض أسعار النفط مؤامرة غربية، تنفذها المملكة العربية السعودية، بهدف تركيع خمس دول، هي الجزائر وإيران وروسيا ونيجيريا وفنزويلا، لتجويع شعوب هذه الدول التي لم يتمكن الغرب من التدخل فيها عسكرياً".

لا ندخل في متاهة البحث عن الحقيقة من عدمها في كلام سعداني، غير أن ما يهمنا أسلوب التخويف الذي باتت السلطة وزبانيتها يستعملانه في وجه كل من طالب بالتغيير، أو رفع لواء المعارضة. وإذا وضعنا التصريح في سياق حملة بدأتها، في الجزائر، أحزاب الموالاة، قبل أيام، صغيرها قبل كبيرها، ضد أحزاب التنسيقية الوطنية للحريات والانتقال الديمقراطي، والتي تطالب النظام بالتغيير الديمقراطي، وترفض نتائج انتخابات إبريل/نيسان الماضي الرئاسية، فإننا نفهم ما يرمي إليه عمار سعداني الذي أطلق النار على هذه الأحزاب بقوله "لهم أعين لا يبصرون بها، وآذان لا يسمعون بها، حيث لا يهمهم ما يحدث على الحدود الجزائرية مع الخطر القادم إليها من دول الجوار، بسبب تردي الأوضاع الأمنية في بعض البلدان، مثل ليبيا .."

لم يخرج سعداني عن سياق ما سطرته السلطة في الجزائر، منذ ثلاث سنوات، رداً على ما جرى في الدول العربية من تغييرات، فهي تُخير الشعب الجزائري، بينها كسلطة قائمة بقوة الواقع وشراء الذمم والسلم الاجتماعي بمشاريع فاشلة، أو عاجزة عن تلبية متطلبات التنمية في الجزائر. وبين العودة إلى مربع العنف واللاأمن الذي ذاقت الجزائر من كأسه الأمرين في التسعينيات من القرن الماضي، فالتغيير، في نظرها، لا يعد كونه مدعاة للعنف ليس إلا.

في الجوقة نفسها، يعزف حزب السلطة الآخر، التجمع الوطني الديمقراطي، على لسان أمينه العام، عبد القادر بن صالح، الذي اتهم المعارضة بـ "التهريج الإعلامي وتقديم أطروحات سوداوية، والهروب إلى الأمام، والدعوة إلى المغامرة بشعارات غير مسؤولة، ونداءات غير بريئة".

نال الاتحاد الأوروبي، هو أيضاً، نصيبه من انتقاد الموالاة الجزائرية، عقب تأكيد المفوض الأوروبي المكلف بسياسة الجوار، يوهانس هان، أمام طلاب معهد الدراسات العليا للتدبير في العاصمة المغربية الرباط، على أن الاتحاد سيعمل، في الفترة المقبلة، بكل الوسائل والإمكانات على إقناع دول منطقة شمال إفريقيا بفتح حدودها، نظرا للآثار الإيجابية التي يخلفها ذلك على كل المستويات، فقد اعتبرت الطبقة السياسية المحسوبة على السلطة في الجزائر أن الموقف الأوروبي يُعد تدخلاً في الشأن الجزائري، باعتبار أن فتح الحدود مع الجار المغربي أمر جزائري لا شأن للآخرين به.

لم تكتف السلطة في حملتها بأحزابها الكبيرة، فاستدعت الأحزاب النكرة، أيضاً، لتعزف سموفونية التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية، والتخويف من الخطر القادم من الخارج، خصوصاً أن السلطة تعيش أزمة مشروعية، بعد سقوط المشاوارات حول مشروع الدستور في الماء أو تكاد، والتي قادها الأمين العام لرئاسة الجمهورية والأمين العام السابق لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى. ووصول الجولة الأولى من المشاورات التي قادتها جبهة القوى الاشتراكية لشرح مبادرة "إعادة الوفاق الوطني"، حلاً لأزمة الحكم في الجزائر إلى طريق شائك، بعد رفض بعض رموز أحزاب التنسيقية الوطنية للحريات والانتقال الديمقراطي لها، وتحفظ الطبقة السياسية عليها، ودعوتها إلى وجوب طرح مسألة "تغيير النظام جذرياً باعتبار أن البلاد في أزمة على كل الأصعدة". أما أحزاب الموالاة، والتي شاركت في المشاورات، فلقد وضعت بعض الشروط، لعل أبرزها رفض الحديث عن العهدة الرئاسية، ورفض الطعن في شرعية المؤسسات الحالية "المنتخبة"، والابتعاد عن الحديث عن مرحلة انتقالية، لأن ذلك يعني، في نظرها، وجود فراغ في السلطة، وهو ما ترفضه الموالاة، جملةً وتفصيلاً.

من رحم هذا الطرح، جاء الإيعاز لأحزاب السلطة، وما يدور في فلكها من جمعيات المجتمع المدني بتحريك دواليب آلتها الدعائية، بأن الجزائر مهددة بخطر أجنبي، وهو ما يستدعي، حسب قولها (جبهة داخلية تقف في وجه محاولات المساس بالوحدة الوطنية)، فمعاودة الحديث عن اللحمة والوحدة الوطنيتين تبدو كأنها حق أريد به باطل، إذ لا يوجد جزائري واحد يرضى بالعودة إلى أتون الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد في التسعينيات، ولا يوجد عاقل يرضى عنفاً أو دماراً يأتي على الزرع والضرع لا قدر الله، لكنها السلطة التي كلما تحركت المعارضة في اتجاه المطالبة بتغيير النظام وإصلاحه ومحاربة الفساد، إلا ووضعت العصا في عجلتها بدعوى التكالب الأجنبي على الجزائر، وأنها معرضة لمخاطر خارجية، لا حصر ولا عد لها.

قد يكون الحديث عن خطر العنف وفوضى السلاح القادمين من دول الجوار، مثل ليبيا أو مالي، مبرراً نظرا لما يعرفه البلدان من تدهور أمني، وهو ذهب إليه الفريق قايد صالح، نائب وزير الدفاع الجزائري ورئيس أركان الجيش، بقوله إن "الجزائر تواجه تحديات ورهانات أمنية خطيرة على الحدود"، إلا أن التلويح الدائم بورقة الخطر الأجنبي لا يعدو كونه وسيلة ضغط على المعارضة، وابتزازها بوطنية مزعومة، ولعل ذلك أصبح مدعاة للسخرية والتندر، أكثر من كونه مسألة تحمل من الجدية ما تحمل، ولعله ينطبق على السلطة، في هذا الأمر، مثل شعبي جزائري مفاده: من يخونها ذراعها تقول عيون الحساد هم السبب.

خليل بن الدين
خليل بن الدين
إعلامي جزائري، من مواليد 1962، عمل في الصحافة المكتوبة، وفي التلفزيون الجزائري، وأستاذا مشاركا في قسم الإعلام جامعة وهران، وعمل في تلفزيون دبي كبير مراسلين ومشرف نشرات، ويعمل حالياً في قناة الجزيرة.