استثناء يكسر القاعدة

استثناء يكسر القاعدة

24 ديسمبر 2014
+ الخط -
بفارق خمسة في المائة أو أقل، تقدم الباجي قايد السبسي على منافسه، منصف المرزوقي، في أول انتخابات رئاسية تعددية ومفتوحة وشفافة إلى حد ما في تونس، مهد الربيع العربي.
ليس السياسي العجوز من انتصر على الرئيس السابق المرزوقي. الذي انتصر، حقيقة، هو التجربة الديمقراطية الفتية التي خرجت من رحم الربيع العربي في تونس، الذي تحول إلى خريف استبدادي، بفعل تواطؤ الشرق والغرب والداخل والخارج، لإجهاض مسلسل التحول الديمقراطي في العالم العربي.
المرزوقي الذي يعد من الوجوه الكثيرة لثورة الياسمين، لم يكن يواجه فقط السياسي المخضرم الباجي قايد السبسي. كان يواجه من ورائه دولاً كثيرة في الشرق والغرب، لم تنظر إليه يوماً بعين الرضا، واستثمرت مليارات لإجهاض الثورة، وللانتقام من المرزوقي الذي تحالف مع حزب النهضة الإسلامي، ولأنه يمثل هذا الربيع الذي تحول إلى كابوس في غرف نوم قادة المنطقة. المرزوقي كان يواجه، إلى جانب "نداء تونس"، حكام الجزائر التي لم تكن راضية عن تحول تونس الصغيرة نحو نظام ديمقراطي برلماني، فيما جارتها الكبيرة والغنية تعيش في زمن العسكر.
واجه المرزوقي، أيضاً، الماكينة الانتخابية لحزب التجمع الدستوري المنحل، بكل الإمكانات المالية والإعلامية التي كانت، ولا تزال، في حوزتها، فأغلبية نخب زين العابدين بن علي هاجرت جماعياً إلى "نداء تونس"، مستفيدة من تعطيل قانون العزل السياسي، الذي عارضته النهضة في المجلس التأسيسي السابق، مخافة انزلاق البلاد إلى الإقصاء الذي يولد الحقد والكراهية والانتقام. التقط "نداء تونس" إحساس التونسيين بالخوف من الوضع الأمني المضطرب، وفشل الحكومة الانتقالية التي واجهت وضعاً صعباً ومعقداً، مع سقف عالٍ من الانتظارات والمطالب الكبيرة التي تفجرت عقب الثورة. ولهذا، حصد المرتبة الأولى في البرلمان، ووضع الرئاسة في الجيب.
واجه المرزوقي، أيضاً، نسبة إقبال متوسطة على صناديق الاقتراع (59%)، وهذا ما خدم خصمه الذي لعب جيداً على الآلة الانتخابية التي جاءت بها نخب بن علي، مضافاً إليها التيار النقابي واليساري الذي دفعه كرهه الإسلاميين إلى التحالف مع رجل قادم من زمن مضى، (كان وزيرا للداخلية في عهد بورقيبة)، لقيادة البلاد نحو مستقبل لا يعرف أحد تفاصيله.
مع كل هذا، انتصرت تونس، وانتصر نموذجها في التحول الهادئ نحو الديمقراطية والقبول بقواعد اللعبة، واعتماد التوافق بين كل التونسيين، حتى من هو ضد قيم الديمقراطية وقواعدها، وبقي على كل القوى أن تحمي هذه المكاسب من الردة والتراجع المحتمل عن مسار الإصلاح السياسي.
لقد أبانت حركة النهضة عن نضج كبير، عندما لم ترشح أي عضو فيها للرئاسة، واكتفت بدعم المرزوقي من وراء الستار، حتى لا تشعل فتيل التقاطب الإيديولوجي في مرحلة انتقالية حساسة. اللعبة التي لعبها "نداء تونس"، ومع كل التحفظات التي يمكن إبداؤها حول طبيعة هذا الحزب، مقبولة، ويمكن البناء فوقها لتداول سلمي على السلطة، إن احترمت قواعد اللعبة، ونجحت تونس في الدفاع عن استقلالية قرارها الوطني ضد تدخل الدول الغربية والشرقية التي لا تؤمن بشيء، اسمه الديمقراطية العربية.
لا أشك أن جزءاً من التونسيين، الذين جربوا حكم الترويكا عقب الثورة، صوت للباجي عقابا للمرزوقي وحلفائه، كما عاقب "النهضة" في الانتخابات البرلمانية، كما أن جزءاً من الناخبين ابتعد عن المسرح الانتخابي، من كثرة الاستشارات الانتخابية في وقت وجيز. لكن، تبقى تجربة تونس متقدمة جداً على التجارب المصرية واليمنية والسورية والعراقية، حيث انزلقت كل هذه الدول إلى بركة الدم وخراب اللااستقرار.
تونس هي فرصة الربيع العربي، ليؤسس الاستثناء الذي يزعزع القاعدة.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.