أي مستقبل ينتظر تونس؟

أي مستقبل ينتظر تونس؟

24 ديسمبر 2014
+ الخط -
الإهداء: إلى الشباب التونسي الذي قال للحاكم المستبد: "لا" بملء الفم والعقل والقلب والدّم، وارتقى بقراره إلى منصة الإستشهاد"
.. أتعب الماراثون الانتخابي التونسيين، غير أنّ ذلك لم يمنعهم من القدوم للتصويت وانتخاب رئيسهم، ومن ثم استكمال مشوارهم الديمقراطي، والخروج، بالتالي، بالبلاد من طور، المؤقت، إلى رحاب المؤسسات الدائمة، يحدونا أمل في بناء ديمقراطيتنا واستدامتها، غير أنّ الشباب التونسي آثر العزوف، وهو ما انعكس، بوضوح، على نسبة التصويت المتدنية، وقد فسّر بعضهم هذه المقاطعة بتفشي البطالة والمشكلات الاقتصادية، علاوة على حالة إحباط انتابت عديدين من الشباب التونسي، بعد أن رأى أحلامه بغد مشرق، تتدحرج صوب الهاوية، في ظل أوضاع اقتصادية وأمنية واجتماعية مهتزة، شهدتها البلاد، عبر ثلاث سنوات ونيف من عمر ثورة أشعلها البوعزيزي، بعد أن خرّ صريعا ملتحفا لهيبا بحجم الجحيم..
وهنا أقول: لا أحد بإمكانه أن يزايد على مهر الحرية الذي دفعت البراعم الشبابية أرواحها، ثمنا له، ولا أحد كذلك يستطيع الجزم بأنّ ما تحقّق في تونس من إنجاز تاريخي عظيم تمثّل في سقوط نظام مستبد جائر، إنما هو من إنجازه. لا أحد إطلاقا. فكلنا تابعنا المشاهد الجنائزية التي كانت تنقلها الفضائيات في خضم المد الثوري الذي أطاح، كما أسلفت، رأس النظام مضرجا بالعار، ومنح الشعب التونسي تذكرة العبور إلى ربيع الحرية.
تلك المشاهد الجنائزية كان ينضح من شقوقها نسيم الشباب. شباب وضع حدا لهزائمنا المتعاقبة، قطع مع كل أشكال الغبن والاستبداد، خلخل حسابات المنطق، جسّد هزّة عنيفة مخلخلة للوعي المخَدّر والمستَلب، وصنع، بالتالي، بدمائه الطاهرة إشراقات ثورية، قدر الطغاة فيها هو الهزيمة والإندحار..
أقول، مرّت ثلاث سنوات ونيف على ثورة حملت معها حلم الانعتاق من واقع القهر والبؤس في تونس، إذ صاغ الشعب، بدماء شيوخه وشبابه، صفحة جديدة من تاريخ تونس الحديث. ولئن كان النفس الرافض مبهراً في تجلياته الثورية، فإنّ الشغل الشاغل، اليوم، هو عن سؤال أي مستقبل ينتظر الثورة، وأي دور للشباب التونسي مستقبلا؟
استطاعت تونس تحقيق خارطة الطريق التي راهنت عليها القصبة 2، والتي كان الشباب الحاضر الأبرز فيها، فتمّ إنشاء دستور حظي بإجماع نواب المجلس الوطني التأسيسي، وتمّ إنشاء قانون للعدالة الانتقالية ومؤسسات دستورية، لحماية مكتسبات الثورة، وتستعد تونس، في هذه الأيام المثقلة بالطموح والأمل، لتكوين حكومة، وبذلك، يكون مسار البناء رهين اختيارات المجتمع، بصوته الانتخابي، وعمله المدني، وإبداعه الثقافي والفني، كما إنتاجه العلمي والمعرفي.

ولكن، ما يبعث على القلق، هي النسبة المتدنية لمشاركة الشباب في الاقتراع، ما يرسّخ المخاوف من استمرار الفجوة بين النخب السياسية من جهة، والشباب من جهة ثانية. على الرغم من أن الشباب، هم الذين فجّروا الحدث الثوري، لكن خيبة الأمل التي أصيبوا بها، بعد ذلك، شكّكتهم في أهمية الديمقراطية وجدواها.
في هذا السياق، يقول المدير العام للمرصد الوطني للشباب، وأستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية، محمد الجويلي: "الشباب مهتم بالشأن العام عبر وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية والمجتمع المدني، كما نجده في الاحتجاجات الميدانية، أما الانتخاب فهو بالنسبة للشباب سلوك جديد.."
و
أكّدت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس أنّ نسبة مشاركة الشباب في العمليات الإنتخابية: التشريعية/الرئاسية التي شهدتها تونس منذ أواخر أكتوبر/تشرين أول 2014 إلى غاية الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، كانت جد ضعيفة، فيما تحدثت منظمات غير حكومية عن نسبة لم تتجاوز 10% من الشباب المسجّل في القوائم الانتخابية.
وأكد البنك الدولي، قبل أيام، أنّ الشباب التونسي يعانى من ارتفاع معدل البطالة والإحباط، وأن لديهم حضورا محدودا في عالم السياسة، ومازالوا يواجهون حالة من التجاهل وعدم التشاور المنظّم معهم بشأن القضايا الرئيسية التي تمسهم مباشرة في البلاد.
وكشف استطلاع رأي منظمة "أنا يقظ أجرته عن الديمقراطية التشاركية، أنّ نسبة اقتناع الشباب بأهمية الدّيمقراطية التشاركية، والعمل البلدي تتجاوز الـ80% إذ يعتبرونها الطريقة الأفضل إلى إيصال أصوات المواطنين إلى ممثلي الشعب المنتخبين. كما أظهر استطلاع الرأي أنّ الشباب التونسي يفضّل المراقبة عن بعد، والبقاء بعيداً عن المشاركة في الحياة السياسية في البلاد..
ولكن..تونس تشهد، على غرار بقية البلدان العربية التي عرفت موجة انتفاضات الربيع العربي، عزوفاً للشباب عن المشاركة في الحياة السياسية بصفة عامة، على الرغم من المشاركة الكثيفة للفئات الشبابية في الثورة، علما وأنّ يوم الانتخاب في تونس لم يكن حدثاً بارزاً قبل الثورة التي أطاحت نظام الرئيس المخلوع: بن علي، لأنّ النتيجة كانت معلومة سلفاً، كما يقول تونسيو كثيرون. وتراجع اهتمام الشباب بالسياسة في تونس، أواسط تسعينيات القرن الماضي، مع حملات التضييق على الجامعة التونسية من أجهزة النظام البائد.
وهنا أضيف: كان الشباب التونسي طليعياً في خطوات ملحمة الدم منذ اليوم الأول للحراك الثوري في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، وصولاً إلى يوم فرار المخلوع في 14 يناير/كانون ثاني 2011، لكنّه صار الضحية الأولى، بامتياز، لعملية الاستيلاء الممنهج على مفاصل الدولة.

وعندما أقول الشباب، أعني كل قطاعاته، ممن يناضلون من داخل جامعاتهم ومدارسهم الثانوية، وأولئك الذين استطاعوا، بإرادة شبابية فذة، إشعال الأحياء الشعبية والأرياف وهجاً ثورياً، لكنّهم تعرّضوا لحملة تحييد واختزال لدورهم في الحراك الميداني، وجرت محاولات عديدة لاستعمالهم أداة تنفيذية في الجسم الحزبي والخصومات الإعلامية.
وهنا أختم:
إننا اليوم، ونحن على أبواب مرحلة مهمة من مراحل بناء ديمقراطيتنا واستدامتها، ومن ثم التأسيس لتشييد أركان جمهوريتنا الثانية، يتضح أن الطلاب والشباب المعطّل عن العمل والشباب العامل يتخذ على نفسه مسؤولية ومهاما متفقة مع رهانات المرحلة، ويعود إلى الساحة الوطنية بنفس جديد، وإرادة في التنظيم والفعل، لا يستهان بها، كما أنّه أمام سؤال تشبيك العلاقات والروابط فيما بينه وطنياً، ومع التنظيمات والنقابات الشبابية العالمية.
الحصن القوي والواقعي لتونس، بعد رحيل بن علي، هو جيل يحمل قيم الحرية والعدالة والكرامة، ويعمل لها وفيها من خلال مجتمعه وعبر مؤسسات دولته.
وما على النخب السياسية إلا استيعاب الإقبال الشبابي على العمل النقابي والمدني، ومن ثم تشريكه في الحياة السياسية، خدمة للمشروع الديمقراطي والاجتماعي الذي تناضل من أجله التنظيمات الشبابية في تونس ما بعد الثورة. إذ، لا مستقبل لبلد يصبو إلى أن يكون منتجا وخلاّقا، في ظل عزوف الشباب عن المشاركة في الحياة السياسية.
وأرجو..أن تصلَ رسالتي إلى عنوانها الصحيح.

avata
avata
محمد المحسن (تونس)
محمد المحسن (تونس)