مشروع قناة السويس الجديدة.. غموض وأسئلة ومخاوف

مشروع قناة السويس الجديدة.. غموض وأسئلة ومخاوف

20 ديسمبر 2014

باخرة تعبر في قناة السويس (31أغسطس/2013/أ.ف.ب)

+ الخط -

أعلن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إطلاق قناة السويس الجديدة، وأشار إلى أن بعضهم تصور رفض القوات المسلحة المشروع الخاص بتنمية قناة السويس، لأسباب تتعلق بخلفية الرئيس السابق، ولفت إلى أن موقف الجيش لم يتغيّر، بالموافقة على مشروع شرق التفريعة، وشدد على أن الجيش المصري لا يمكن أن يقف أمام المصلحة الوطنية لمصر، وهذا لا يتعلق بطبيعة الرئيس الموجود في الحكم. وقال: "الثوابت واحدة، وصاحب القرار الوحيد في المشروع هي وزارة الدفاع"، وأوضح أن التصور الماضي كان إنشاء قناة موزاية بالكامل، مع تشكيل لجنة للقوات المسلحة لتدرسه، وتصبح مسؤولة عن إيجاد منطقة عرضها من 7 إلى 10 كيلومترات بين القناتين، على امتداد قناة السويس، لعمل كيان جديد. وأضاف: لكن، لدواعي الأمن القومي، خصوصاً في سيناء، تم استبعاد إنشاء قناة، والعمل فقط على شق 35 كلم فقط، لافتاً إلى أن لسيناء وضع حساس، وأن لمحور قناة السويس دماغ واحدة ممثلة في القوات المسلحة، وأن الجميع سيعمل تحت إشراف مباشر منها، مع التأكيد على مراعاة أمور الأمن القومي بالعمل تحت مظلة 22 شركة مصرية. ولفت إلى أن مشروعات الحفر والبنية الأساسية للمشروع ستكون برأس مال وطني من المساهمات المختلفة، تتضمن البنوك المصرية والمواطنين، حتى الأطفال سيتم عمل أسهم صغيرة لهم بقيمة 5 و10 جنيهات.

تفاصيل المشروع

1ــ إنشاء قناة جديدة موازية للأصلية، وتحويل المنطقة من مجرد معبر تجاري إلى مركز صناعي ولوجستي عالمي، لإمداد وتموين النقل والتجارة.

2- طرح مشروع تنمية قناة السويس ثلاث مرات، مرتان في عهد حسني مبارك في حكومتي كمال الجنزوري وأحمد نظيف، والثالثة في حكومة هشام قنديل في أثناء عام حكم محمد مرسي.

3- يبلغ طول قناة السويس الأصلية 190 كيلومتراً، ويبلغ طول القناة الجديدة 72 كيلومتراً، منها 35 حفر جاف، و37 توسعة وتعميق للقناة الأصلية.

4- تنافست 14 مجموعة شركات على تنفيذ القناة الجديدة، وفاز بها تحالف يضم الجيش مع شركة دار الهندسة.

5- تشرف على إنشاء المشروع لجنة وزارية، يرأسها رئيس مجلس الوزراء، وتنفذه القوات المسلحة منفردة، وبالشراكة مع دار الهندسة ومكاتب خبرة عالمية.

6- يتكلف حفر القناة الجديدة 4 مليارات دولار، ويطمح المشروع إلى توفير مليون وظيفة، وتنمية 76 ألف كيلومتر على جانبي القناة، واستصلاح نحو 4 ملايين فدان وزراعتها.

7- تمويل حفر القناة الجديدة سيكون من عائدات أسهم تطرح على المصريين وحدهم، وتراوح بين عشرات ومئات الجنيهات للسهم الواحد.

8- تتضمن خطة تنمية قناة السويس 42 مشروعاً، منها 6 ذات أولوية، وهي تطوير طرق "القاهرة ـ السويس، الإسماعيلية، بورسعيد"، إلى طرق حرة، إنشاء نفق الإسماعيلية المار بمحور السويس للربط بين ضفتي القناة (شرقاً وغرباً)، وإنشاء نفق جنوب بورسعيد أسفل قناة السويس، لسهولة الربط والاتصال بين القطاعين الشرقي والغربي لإقليم قناة السويس، تطوير ميناء نويبع منطقة حرة، وتطوير مطار شرم الشيخ، وإنشاء مآخذ مياه جديدة على ترعة الإسماعيلية، حتى موقع محطة تنقية شرق القناة، لدعم مناطق التنمية الجديدة.

9- إنشاء النفق تحت قناة السويس سيكون الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط، ويتسع لأربع حارات، وإقامة مطارين، وثلاثة موانئ لخدمة السفن، ومحطات لتمويل السفن العملاقة من تموين وشحن وإصلاح وتفريغ البضائع، وإعادة التصدير، وإقامة وادي السيليكون للصناعات التكنولوجية المتقدمة ومنتجعات سياحية على طول القناة، إلى جانب منطقة ترانزيت للسفن ومخرج للسفن الجديدة، ما سيؤدي إلى إيجاد مجتمعات سكنية وزراعية وصناعية جديدة.

10- خطة حفر القناة الجديدة تستغرق ثلاث سنوات، وقال السيسي إنه أمر بالانتهاء من الحفر في عام واحد فقط.

غموض

بُدئ بتنفيذ المشروع في ظل صراع خفي، أو مخفي، حول حقيقة هذا المشروع الذي يسوّق للمصريين على أنه مشروع تنموي ضخم، يتوقع خبراء الاقتصاد أن يدر إيراداتٍ قد تصل إلى 100 مليار دولار سنوياً (الإيراد الحالي 5 مليارات دولار سنوياً تقريباً)، تساهم في حل الأزمات التي تعاني منها مصر حالياً، إلى جانب إعادة التوزيع العمراني والجغرافي للسكان، من خلال مشروعات عمرانية متكاملة، تستهدف استصلاح نحو 4 ملايين فدان وزراعتها. لكن، تكتنف المشروع نقاط غامضة، تثير الشكوك بشأن جدواه وأهميته في رأي بعض المصريين.

المهندس نائل الشافعي، وهو مؤسس موسوعة المعرفة ومديرها، وصاحب ومدير شركة اتصالات في الولايات المتحدة، ومحاضر في معهد ماساتشوستس للتقنية، والاستشاري لهيئات دولية وعالمية، منها هيئة الاتصالات الفيدرالية الأميركية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن خصخصة قناة السويس في مصر. يقول: المشروع ممكن التنفيذ مالياً، فكلفة حفر 30 كيلومتراً في الرمل ليست أمراً معضلاً للدولة. كما أنه، بعد طول ثرثرة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين عن تنمية محور قناة السويس، فإن "ازدواج" كل، أو جزء من المجرى الملاحي للقناة، هو المتاح تعاقدياً، فالمدخل الشمالي تم تأجيره في 2009 مدة 49 عاماً لشركة ميرسك الدنماركية. والمدخل الجنوبي تم تأجيره في 2009 مدة 49 عاماً لشركة بي آند أو البريطانية (أصبحت دبي العالمية للموانئ)، فلم يبق سوى المجرى الملاحي للقناة.

أعمال حفر في مشروع تطوير قناة السويس (12سبتمبر/2014/الأناضول)


استهل الرئيس السيسي سرده قصة المشروع بأنه طلب من البنك الدولي ترشيح شركة لتقييم العروض الهندسية المقدمة لمشروع تطوير قناة السويس. ولما كانت الحلول السياسية، وليست الهندسية، تخصص البنك الدولي، ولتطرق الرئيس في خطاب له إلى أهمية إنجاز شبكة الطرق الجديدة (الخاصة بالتقسيم الجديد للمحافظات) في غضون عام، ثم تطرقه إلى أهمية ترشيد استهلاك مياه الري. ثم ختم بوجوب استعداد المصريين لتحمل ثلاث سنوات من شح المياه في أثناء ملء خزان سد النهضة، (وذلك يعني أننا رضخنا لمطالب إثيوبيا من دون أي تفاوض معها). ذلك كله يدفعنا إلى تخمين أن المشاريع الثلاثة جزء من حزمة مشاريع وسياسات مقترحة من البنك الدولي، مع خفض الدعم. ولا عيب في أن يكون مشروع، أو أكثر، من اقتراح البنك الدولي، طالما يُطرح على العلن المشروع المقترح بالكامل، ودوافعه وسبل تمويله. فيجب أن يكون التعامل مع البنك الدولي في العلن، ووضع مقترحاته في نقاش وطني، يمحص كل منها بما فيه لخير البلاد. ويمنح ذلك الحوار الوطني قوة تفاوضية للدولة في تعاملها مع البنك الدولي.

المشروع، على جودته، صغير نسبياً، ولا يتطلب تعديلاً في البنية التحتية حول القناة، من نفق وجسرين وطرق. لذلك، من الغريب أن يُسند لجهة خارج هيئة قناة السويس نفسها. فالمشروع، بالكامل، يقع في نطاق إمكاناتها وسابق خبراتها. كما أن إدخال مقاول لحساب الدولة يثير تعقيدات وشبهاتٍ لا حد لها في كيفية السداد.

وهناك مبالغة شديدة في حجم المشروع وكلفته، وحجم العمالة المطلوبة فيه. فكلفة شق قناة طولها 30 كيلومتراً يجب ألا تتعدى 100-150 مليون دولار، أي أقل من مليار جنيه. ويجب أن تطرح كراسة مواصفات من هيئة قناة السويس بذلك. ودخل القناة الحالي كفيل بتمويل مثل هذا المشروع الصغير، والذي يُفترض أن يسترد. وإن كانت الدولة في شك من الكلفة التي ذكرتها، فما عليها إلا دعوة شركات مقاولات صينية وكورية جنوبية، مع وضع شرط أن يكون العمال مصريين.

نقاط استفهام

أعلن السيسي أن تمويل المشروع سيكون من طرح أسهم وسندات له. وهنا، تبرز تساؤلات: ما هو العائد/ الدخل الذي سيسدد الأسهم والسندات؟ الإجابة: حيث إن التفريعة المقترحة ليست مشروعاً قائماً بذاته، فالسفن المارة به لا يمكن أن تدفع رسماً إضافياً منفصلاً. لذلك، عائد الأسهم وسداد قيمة السندات سيكون من الدخل المعتاد لمرور السفن بقناة السويس. إذن، ستكون الأسهم في شركة قناة السويس نفسها، والتي ظلت، منذ تأميمها، ملك الدولة المصرية، على الرغم من إعلان عبد الناصر في 1956 أنها شركة مساهمة مصرية. ولكن، ظلت الدولة مالكة جميع الأسهم.

وكم ستكون النسبة من دخل قناة السويس المخصصة للأسهم؟ أو على الأصح، بكم سيتم تقييم القيمة السوقية لقناة السويس، اليوم، لكي يتم حساب نسبة الأسهم المطروحة للمشروع؟

يجب النظر بحذر وخوف كبيرين لرقمي 8 مليارات دولار و80 مليار دولار اللذين ذكرهما الرئيس عبد الفتاح السيسي في خطاب إعلان المشروع. ويؤمل أن لا يستخدم بعضهم تلك الأرقام لتعظيم نسبة ما سيتم بيعه/ مصادرته من قناة السويس لصالح مقاولي المشروع الصغير. ولا بد من تجنب الخلط بين التكاليف المحدودة للتفريعة ومشروع التنمية.

مَن سيحدد قيمة الأصل، قناة السويس، وقيمة الإضافة؟ وهيكل الملكية المساهمة الجديدة للقناة؟ وعدد الأسهم المطروحة للبيع/ الخصخصة؟

السندات تكون بضمان أصل ثابت، وهو، في هذه الحالة، "قناة السويس" نفسها. يعني طرح السندات رهناً لقناة السويس. فما هو المبلغ الذي ستصدر به السندات؟ وما الجهة المصدرة لها؟ وما الغرض من المبلغ؟ وكيف ترى الدولة سداده؟ أين ستُطرح السندات؟ في بورصة نيويورك أم بورصة لندن؟ وكلتاهما تفرضان على الهيئة المصدرة للسندات أن تلتزم بالقانون المحلي لتلك البورصة، في حال نشوب خلاف بين مشترٍ للسند ومصدِره.

ضمن الأوراق التي على الدولة المقترضة التوقيع عليها، للقيام بطرح سندات سيادية في بورصتي نيويورك ولندن، توجد ثلاثة إذعانات خطيرة:

الأول: ترتضي الدولة طارحة السندات بقانون ولاية نيويورك (أو القانون الإنجليزي في حالة بورصة لندن) للاحتكام بين مشتري السندات والدولة المصدرة للسند.

الثاني: تتنازل الدولة (المصدرة للسند) عن الحصانة السيادية المكفولة في القانون الدولي للكيان الحكومي ولممتلكاته، وترضى بالتقاضي حسب القانون المحلي (لنيويورك أو لندن).

الثالث: تقبل الدولة المصدرة للسند، في حالة نشوب نزاع بينها وبين أحد حَمَلة السندات، بالتقاضي في هيئة تحكيم محلية (نيويورك أو لندن). ولحكم التحكيم صفة حكم قضائي من محكمة محلية، وواجب النفاذ.

وذكر أحد المصادر أن بند تسوية النزاعات بين الشركة الاستشارية وقناة السويس في تنفيذ المشروع يتضمن مجموعة خطوات، تبدأ بالتسوية الودية على أن يجتهد الطرفان، قدر استطاعتهما، في تسوية ودية للنزاعات التي تنشأ، أو تكون ذات صلة بهذا العقد أو تفسيره. ثم الطريقة الثانية، باللجوء إلى التحكيم، طبقاً للبند الثاني لتسوية المنازعات الذي ينص على أن أي نزاع بين الطرفين، في ما يتعلق بالأمور التي تنشأ بمقتضى هذا العقد، والتي يتعذّر تسويتها ودياً خلال 30 يوماً بعد تلقي أحد الطرفين طلباً من الطرف الثاني بالتسوية الودية، يمكن لأي من الطرفين طرح النزاع إلى التحكيم.

ينص عقد الاستشاري (دار الهندسة العالمية في لندن) على أنه، في حال وقوع خلاف بينه وبين المالك (هيئة قناة السويس أم الدولة أم الهيئة الهندسية للجيش؟)، سيذهبان إلى التحكيم. في لندن أم في القاهرة، وحسب القانون الإنكليزي أم المصري؟ وللدولة المصرية تاريخ سيئ في خسارة تقريباً كل قضايا التحكيم الدولي التي دخلت فيها منذ 1860.

المهم في هذا المشروع الصغير، بالمقارنة بتوسيعات أنور السادات لقناة السويس في السبعينات، هو خصخصة قناة السويس، وهو هدف نادى به البنك الدولي منذ السبعينات، وناضل من أجله جمال مبارك ورجاله منذ مطلع التسعينات. وقرار بيع، أو خصخصة أغلى ما تملكه مصر، وهو قناة السويس، يجب ألا يترك ليفهم عَرَضاً في سياق إعلان عن مشروع ضئيل، بالمقارنة بقيمة القناة نفسها. بل يجب طرح الأمر للنقاش العام، وعرضه في استفتاء شعبي، فالقناة التي حفرت بأرواح المصريين، لتبقى ملكاً للشعب، لا يمكن التفريط فيها بسهولة.