فضائيو العراق يحلقون

فضائيو العراق يحلقون

16 ديسمبر 2014

تظاهرة في بغداد ضد فساد حكومة المالكي (12مارس/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي العراقية، في الأسبوعين الماضيين، بأخبار "الفضائيين"، وهو مصطلح أطلقه ناشطون عراقيون على "فيسبوك"، قبل أن يرفع أسهمه رئيس الوزراء، حيدر العبادي، عندما قال، في جلسة استجواب أمام البرلمان، إنه اكتشف أن هناك 50 ألف "فضائي" في وزارة الدفاع وحدها. والفضائي، المصطلح الذي يتردد، اليوم، بكثرة في وسائل الإعلام العراقية، يطلق على الأسماء الوهمية في الأجهزة الأمنية والعسكرية والمدنية، ممن يتقاضون رواتب، فيما لا وجود لهم. وهو أمر يتفاوت بين مؤسسة وأخرى، فهناك مؤسسات تدفع رواتب شهرية كبيرة لأسماء لا وجود لها سوى في كشوف الموظفين، وتذهب المبالغ، غالباً إلى من وضعهم على سلم الرواتب، فمرة يكون وزيراً وأخرى يكون مديراً عاماً.

وقد أثيرت علامات استفهام عديدة، فهل يعقل أن يكون في وزارة الدفاع، مثلاً، 50 ألف اسم وهمي؟ ووفق مصادر في وزارة المالية، فإن العدد الذي ذكره العبادي مخفف، وهو أكبر بكثير. ولا يقتصر الأمر على وزارة الدفاع التي تواجه "الإرهاب"، كما تؤكد حكومة بغداد، وإنما ينسحب إلى وزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية في عموم العراق، والتي ربما يفوق عدد "فضائييها" الموجود في وزارة الدفاع.

في المجمل، ما تخسره الخزينة العراقية من رواتب سنوية لهؤلاء الفضائيين يفوق ثلاثة مليارات دولار، بحسب اللجنة المالية في البرلمان، وهذا كله يبقى وفقاً للمعلن من حكومة بغداد. والأخطر أن هؤلاء يكلفون العراق خسارات لا تعوضها الأموال، فمدن بكاملها تهاوت أمام ثلة من مسلحي "داعش"، الإحصائيات تورد أنه كان هناك نحو 80 إلى 100 ألف جندي في الموصل، تبدو مضروبة، بوجود هذا العدد من الفضائيين.

لا يبدو أن مشكلة الفضائيين في العراق قابلة للحل، ليس لأنها لغز شديد التعقيد، بل لأنها غاية في البساطة، فمعلوم أن الذين وضعوا الأسماء الوهمية "الفضائية" في كشوفات الرواتب ليسوا من عامة الناس، وإنما هم سلطة البلد التي تحكم، فقد تبين أن أغلب الأسماء وضعها وأدرجها في الوظائف العسكرية والمدنية أصحاب السلطة. ونوري المالكي، نائب الرئيس العراقي، ورئيس الحكومة السابق، أحد المتورطين، فقد بينت تحقيقات أنه كان يتقاضى جزءاً من رواتب "الفضائيين". وأشير، هنا، إلى وزير في حكومة المالكي السابقة كان يتقاضى خمسة آلاف دولار عن كل عراقي يوظفه في وزارته الخدمية، ناهيك عن تسجيل نحو ألف شخص موظفين، فيما لا وجود لهم، وبينت تحقيقات أن كثيرين منهم متوفون.

مشكلة الفساد في العراق أكبر من أن توصف بكلمات، ولا يبدو أن حكومة العبادي قادرة على مواجهتها، لأنها أعقد بكثير مما قد يتخيله بعضهم، بدليل أن العبادي لم يقبض، حتى الآن، على مسؤول عراقي واحد من المتورطين في قضية الفضائيين.

وقبل أيام، نشرت الصحافة اللبنانية خبر تهريب نجل المالكي، أحمد، نحو مليار ونصف المليار دولار، ولم تتحرك حكومة بغداد. والأدهى أن تسريبات إعلامية أفادت بأن بعض تلك الأموال يعود إلى حزب الدعوة الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة، حيدر العبادي.

وأيّاً كان الأمر، فإن نيات محاربة الفساد التي أعلنها العبادي ظلت ناقصة، على الرغم من عزله عشرات من القيادات الأمنية، وبعض القيادات المدنية، لأن العزل لمثل هؤلاء أفضل مكافأة تسمح لهم بالتمتع بما حققوه من ثروات، على حساب دماء العراقيين. على العبادي، إن كان جادّاً في محاربة الفساد ومعاقبة المقصّرين والمسؤولين عن سنوات الخراب في العراق، أن يجلبهم إلى المحكمة، خصوصاً وأن دعاوى قضائية رفعت ضد عديدين منهم، ولعل أولهم نوري المالكي.

وأشير، في الختام، إلى قول وزير التعليم العالي في حكومة المالكي، علي الأديب، وهو من حزب الدعوة، قبل أيام، إن عصابة من المراهقين والانتهازيين حكمت العراق في عهد المالكي.

الفضائيون يحلقون بعيداً في العراق، فلم تطلْهم يد القصاص، ما يوضح أن لا جدية لدى العبادي وحكومته في ملاحقتهم وملاحقة الفاسدين، وأن الإجراءات التي اتخذها ما هي إلا محاولة لذر الرماد في العيون، في انتظار أن تعبر عاصفة "داعش".

96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...