مبادرة أميركية جديدة وبلطجة إسرائيلية

مبادرة أميركية جديدة وبلطجة إسرائيلية

13 نوفمبر 2014

فلسطينيون يحطمون جدار الفصل العنصري قرب رام الله(8نوفمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

تأبى السياسات الأميركية إلا أن تثبت، مرة تلو الأخرى، انحيازها المطلق إلى إسرائيل، وغير آبهة بالحقوق الفلسطينية المشروعة، وذلك في وقتٍ راهن فيه بعضهم على تغييرٍ في السياسات الأميركية، بعد أن تعرض مسؤولون أميركيون عديدون إلى إهانات شخصية من المسؤولين الإسرائيليين، سواء الرئيس، باراك أوباما، شخصيّاً، أو وزير خارجيته، جون كيري، التي توجت بعدم استكمال وزير الجيش الإسرائيلي لقاءاته مع كبار مسؤولي الإدارة الأميركية في الأسبوع الماضي. في وقت تشهد فيه عواصم أوروبية كثيرة ذروة الاستياء من السياسات الاستيطانية والتهويدية الإسرائيلية، وبدأت تتعالى أصوات كثيرة رافضة سياسات إسرائيل التي تشكل تحديّاً واضحاً للإرادة الدولية، والقانون والشرعية الدولية التي تم تتويج بعضها من خلال التصويت والاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

ففي ظل القناعة الكبيرة لدى الشعب الفلسطيني، بكل مكوناته، سواء التي أيدت المفاوضات، أو التي رفضتها من البداية، على قاعدة أنها لن تحقق للشعب الفلسطيني حقوقه، طالما بقيت الإدارة الأميركية تمسك بملف المفاوضات، القناعة بأن مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية بالرعاية الأميركية قد استنفدت، بل إنها أصبحت تشكل حالة عبثية لإضاعة الوقت واستمرار إسرائيل، في سياساتها الاستيطانية والتهويدية، لإيجاد واقع جديد، سيجعل التوصل إلى أي احتمالية للتوصل إلى اتفاق مستقبلي مسألة مستحيلة. وفي الوقت الذي ينتظر المواطن الفلسطيني ترجمة وتطبيق ما وعدت به القيادة الفلسطينية بالتوجه إلى المؤسسات الدولية، للحصول على الاعتراف، وللانضمام إلى المؤسسات الدولية كافة، وفي مقدمتها ميثاق روما ومحكمة الجنايات الدولية  لمقاضاة إسرائيل، وفق القانون الدولي، بعد أن  أغلقت كل الأبواب الممكنة لحمل إسرائيل على التوقف عن مشروعها التهويدي، والذي أخذ شكلاً تصعيديّاً جديداً، قبل أيام، في إغلاق  المسجد الأقصى أمام المسلمين، في خطوة تشكل استهزاء  بالعالمين، العربي والإسلامي، بشكل عام، وباتفاقيتي وادي عربة وأوسلو خصوصاً. وبدلاً من ضغط الولايات المتحدة على إسرائيل للعدول عن سياساتها، بدأت تسريبات عن مبادرة أميركية جديدة، بعد فشل مبادرة وزير خارجيتها، جون كيري، في العام الماضي، من تحقيق أي تقدم في المفاوضات التي استمرت تسعة شهور.

وفي حال صحّت المعلومات عن المبادرة، بل المؤامرة الأميركية الجديدة، التي ستعيد حليمة إلى عادتها القديمة، بالعودة إلى مربع المفاوضات التي ثبت أنها عبثية، وأن المستفيد الوحيد منها هو إسرائيل ومشروعها الاستيطاني التهويدي، بإقناع القيادة الفلسطينية بالعدول والتراجع عن التوجه إلى المؤسسات الدولية الشرعية، في مقابل وقف بعض النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية، غير القانونية وغير الشرعية، والتي ترفضها كل القوانين الدولية. ما يعني، من ناحية فعلية، إلغاءً للقانون الدولي   وللشرعية الدولية، وإبقاء الاحتكار الأميركي ملف القضية الفلسطينية، بمعنى مقايضة الشرعية الدولية والقانون الدولي بالبلطجة والعربدة الإسرائيلية.

في كل الأحوال، أصبح الشعب الفلسطيني، بمختلف فئاته، على قناعةٍ بأن الولايات المتحدة لم تعد وسيطاً، ولا راعيّاً، بل طرفاً وخصماً وداعماً قويّاً لإسرائيل، وأن مبادرته أريد منها حماية إسرائيل، وعدم تدويل القضية، وعدم اللجوء إلى القانون الدولي، بعد التخلي عن كل أشكال المقاومة العنيفة. لذلك، المطلوب من القيادة الفلسطينية أن تترجم ما وعدته لشعبها بالتوجه الفوري للانضمام إلى المؤسسات الدولية، الخطوة التي تأخرت عامين، منذ الحصول على الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة قبل عامين. لذلك، يرى الشعب الفلسطيني أن مقايضة حقه بالحصول على حقوقه، من خلال القانون الدولي والشرعية، أمر لا يمكن مقايضته بوقف إجراءات غير قانونية هنا وهناك، وإن عودة حليمة إلى عادتها القديمة، بالعودة إلى مفاوضات ثبت ضررها، وعبثيتها، يعني الإصرار على تجريب المجرب، الذي أوصل القضية الفلسطينية إلى ما هي عليه الآن، لأن الأمور لا تحتمل أكثر من ذلك، خصوصاً لما تتعرض له مدينة القدس من عملية تهويد منظمة وسريعة، الأمر الذي قد يشعل حريقاً كبيراً في المنطقة، لا أحد يعرف كيف ومتى سينتهي إلا الله.