احذفْ حسابك على الفيس بوك كل عام مرة

احذفْ حسابك على الفيس بوك كل عام مرة

12 نوفمبر 2014
+ الخط -

لطالما دار في خلدي التساؤل الآتي: لِمَ نُحافظ على نشاطاتنا مخزنة عبر (فيسبوك) لسنواتٍ عديدةٍ ومُتاحة للأصدقاء، سواء المقرّبين منهم، أم الّذين نعرفهم معرفة سطحيّة؟ أعتقدُ أنّ مواقعَ التّواصل الاجتماعي، لم تُصمّم لتخزين البيانات للعودة إليها لاحقًا، وإنّما هي: عبارة عن منصّةٍ لطرح الآراء والأفكار وحتّى المشاعر اللّحظيّة، إذ يُسجِّلُ الأعضاءُ تعليقاتهم وإعجابهم بالأحداثِ الآنية الّتي تحدثُ من حولهم أوَّلًا بأوّل، وحتّى مُشاركة صورهم المُهمّة ولحظاتهم على وجهٍ آني.

لعلّهُ غنيٌّ عن الذّكر احتفاظ (فيسبوك) بكلّ ما سبق بواسطة سجلّ الأنشطة، إذ يُمكن من سجلّ الأنشطة الوصول إلى منشورٍ مُعيّنٍ أو حدثٍ ما أثناء تاريخ سابق، حيثُ تشملُ هذه الأنشطة: منشوراتك الخاصّة، وتعليقاتك على الصّور، وإعجابك بالصّفحات الّتي زُرتها.

قد يغيب عن ذهن البعض، خاصّة غير التقنيّين، أنّه يُمكن للجميع الوصول إلى تلك الأنشطة لأنّها عامَّة، وأعني بالجميع هُنا: أيّ شخصٍ من طريقِ ميزة البحثِ البياني الّتي يُتيحها (فيسبوك). بعبارةٍ أُخرى؛ يُمكن لأيّ شخصٍ من طريقِ البحثِ البياني أن يجمعَ تلك الأنشطة، ويعرف جميع اهتماماتك، ووجهة نظرك حول جميع الأمور بواسطة رؤيتهِ لما تُعجب به، وما تُعلّقُ به على الآخرين، وربّما حتّى معرفة حالتك النّفسيّة في يوم من الأيّام بالاستناد إلى إعجابك بأغنيةٍ حزينةٍ، أو نشرك لأغانٍ عاطفيّةٍ في فترةٍ مُعيّنة.

ذات مرّة، سألتُ أحد الأصدقاء الافتراضيين: يبدو أنّك تُحضِّرُ للسّفر إلى السّويد، فأجابني مدهوشًا: كيف عرفت ذلك، ومن أخبرك؟ رجاء لا تُخبر أحدًا، فأجبته، طوال الشّهر الماضي وأنت تُتابع الصّفحات الّتي تدلّ على أنّك تُحضّر للسّفر وتُعجَب بها، وحتّى منشوراتك تُعبّر عن الرّحيل، الأمرُ واضحٌ من سلوكك العام على (فيسبوك)، ولم يخبرني به أحد.

بالانتقالِ إلى مثالٍ آخر، أرادَ أحدهم التقدّم لخطبة فتاة ما، وقبل أن يتقدّم لخطبتها، بحث في ملفّها الشّخصي على (فيسبوك)، واستطاع الوصول إلى قائمة أصدقائها، ومن ثمّ معرفة الأصدقاء المُشتركين معه، ومن ثمّ الوصول إلى الصّفحاتِ الّتي أُعْجِبَتْ بها، وتُعطي انطباعًا عن شخصيّتها، ورأيها السّياسي، ومقدار ثقافتها، وإلمامها العلمي، وتعليقاتها على صور أصدقائها، لم يستغرق كلّ ما سبق أكثر من رُبع ساعة.

لا يقتصر جمع تلك الأنشطة على الصّعيد الشّخصي فحسب، وإنّما يؤثر في مجال الأعمال أيضًا، وإذا اعتقدتَ أنّ ذلك لا يهم؛ فأنتَ مخطئ بوجهٍ أو بآخر، فعندما تتقدَّمُ إلى وظيفةٍ ما؛ يبحثُ ربّ العملِ عن الملفّات الشّخصيّة للمُتقدّمين للعمل، ويستثني الّتي يجدها غير مناسبة، وقد لا يكون ذلك بسبب سلوك شائن فعلته على (فيسبوك)، وإنّما يُمكن أن يكون بسبب أنّ اهتماماتك تتعارضُ مع اهتمامات ربّ العمل، فيعزف عن دعوتك للمقابلة مع وجود مُؤهلاتك العلميّة المُناسبة، وغنيٌّ عن القول: إنّك لن تستطيع التنبؤ باهتمامات ربّ العمل.

هُنا يأتي التّساؤل، هل يُمكن حذف تلك الأنشطة كلّها؟ حقيقة؛ لا يُتيح (الفيس بوك)، مُتعمّدًا، إمكانيّة حذف النّشاطات جميعها بكبسةِ زرٍّ، وإنّما يُتيح، فقط، حذف النّشاطات فرادى، نشاطًا تلو الآخر. وأترك لك تخيّل مئات النّشاطات أو لنقل آلاف النّشاطات الّتي لا يُمكن حذفها سوى نشاطٍ تلو الآخر مما يتطلب وقتاً هائلاً، ومستحيلَ التنفيذ عملياً. أمّا إذا كنت تفكر بوجود برمجيّات مُعيّنة تُساعدك على ذلك، فقد جرّبتُ كثيرًا منها، وبعد جهدٍ كبيرٍ، عادتِ الأنشطةُ المحذوفةُ إلى الظّهور بعد مُدّةٍ مرّة أخرى، وكأن (فيسبوك) لا يقبل حذفها برمجيًّا، فقط يدويًّا!

بَعيدًا عن التّفاصيل التقنيّة، إذا اعتقدتَ مثلي أنّ لا طائل من الاحتفاظ بهِ ومشاركته معَ الآخرين، يُمكنُ أنْ أجزمَ، بعد أسابيعَ من البحثِ والتّجربةِ، أنّ الحلّ الوحيد لحذف الأنشطةِ هو: تعطيلُ حساب (فيسبوك)؛ مَا يُؤدّي إلى اختفاء جميع نشاطاتك. لذلك أقترحُ عليك إنشاء حساب جديد كل فترة، وإضافة أصدقائك مرّةً أُخرى، وهَلمَّ جَرَّاً، وإذا كنت تستهين بالخصوصيّةِ وأهميّتها، أنصحك بمُشاهدة محاضرة تيد TED من الباحث) أليساندرو أكويسيتي(، الّتي ستُغيّر رأيك، غالبًا، بعد مُشاهدتها.

avata
avata
فادي عمروش (سورية)
فادي عمروش (سورية)